سيطرت خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتهجير سكان قطاع غزة على الأجندة السياسية والإعلامية العالمية منذ أن طرحها، الأسبوع الماضي، لدرجة أنها صرفت الأنظار قليلا عن العملية العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، واستمرار احتلاله جنوبي لبنان والمنطقة العازلة في الأراضي السورية.

ويواصل ترامب إطلاق التصريحات حول خطة تهجير الغزيين بوتيرة عالية جدا، وعدة مرات يوميا، وبدا كأنه لا يكترث بمعارضة حلفاء الولايات المتحدة العرب والأوروبيين لهذه الخطة الخطيرة، حتى خلال لقائه مع ملك الأردن، عبد الله الثاني، في البيت الأبيض، ويتعهد بأن مصر والأردن ستوافقان عليها لاحقا، رغم أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ألغى زيارته لواشنطن بسبب رفضه الخطة.

ولا يبدو أن خطة كهذه قابلة للتنفيذ، إلا في حال احتلال قطاع غزة وطرد الغزيين منه فردا فردا. لكن مسؤولين في إدارة ترامب أكدوا على أنه لن تطأ أقدام الجنود الأميركيين قطاع غزة. ورغم ذلك، تبقى هذه الخطة خطيرة، وأنها قد تنفذ، ولو جزئيا، لأن ترامب منح شرعية للتهجير.

والخطورة هي أن تنفذ إسرائيل مخطط التهجير طالما أن ترامب منحه شرعية، وكذلك بسبب التأييد الواسع جدا في إسرائيل لتهجير الغزيين. وحسب استطلاع "معهد سياسة الشعب اليهودي"، فإن 52% من اليهود في إسرائيل يؤيدون تهجير الغزيين، و30% يعتبرون أن التهجير غير قابل للتنفيذ لكنهم يتمنون حدوثه. أي أن 82% من اليهود في إسرائيل، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، يؤيدون تهجير الغزيين.

وكي تنفذ إسرائيل الخطة، يتعين عليها استئناف الحرب وإعادة احتلال القطاع، وهو ما يلمح إليه رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، أحيانا ويتحدث عنه صراحة أحيانا أخرى. واستئناف الحرب يعني إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، الذي خرجت مرحلته الأولى إلى حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الفائت.

في هذه الأثناء، لا يزال الاتفاق مستمرا، ويتوقع تنفيذ دُفعة التبادل القادمة، يوم السبت المقبل، مثلما ينص الاتفاق، بعد أن كانت حماس قد لوّحت بتأجيل هذه الدفعة، لكن يبدو أن الجانبين والوسيطين القطري والمصري اتفقوا على استمرار التبادل.

إلا أن إسرائيل تعرقل المفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق، التي كان مقررا أن تبدأ يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، لكن إسرائيل لم ترسل مفاوضيها إلى قطر، وإنما أرسلت وفدا بمستوى متدني، مطلع الأسبوع الحالي، مع تعليمات بألا يجري أي محادثات حول المرحلة الثانية.

ويتعارض استمرار وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع مصلحة نتنياهو، الذي يكرر عبارة "النصر المطلق" في الحرب على غزة. إذ إن نصرا كهذا لم يُنجز لأنه لم يتم تحقيق سوى جزء ضئيل من أهداف الحرب، وهو إعادة قسم من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة. لكن هدف إسرائيل بالقضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية لم يتحقق.

وإذا وافق نتنياهو على بدء مفاوضات حول المرحلة الثانية وتنفيذها، فإن هذا يعني وقف إطلاق نار دائم ونهاية الحرب. لكن رئيس حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، يهدد بالانسحاب من الحكومة إذا توقفت الحرب، ما يعني أن حكومة نتنياهو ستسقط وستتجه إسرائيل إلى انتخابات عامة مبكرة، التي تتوقع استطلاعات الرأي كلها أن نتائجها هي عدم عودة نتنياهو إلى الحكم.

ولا تنتهي المشكلة برحيل نتنياهو. فخصومه السياسيون يؤيدون الحرب على غزة. وإذا كان رؤساء الأحزاب الصهيونية في المعارضة، مثل يائير لبيد وبيني غانتس، قد طالبوه بإيقافها، فإن ذلك من أجل إعادة الأسرى الإسرائيليين، وليس لأنهم يرون بالحرب جريمة. وهم يكررون إنه يجب إعادة الأسرى، وأنه بعد ذلك "بالإمكان دائما استئناف الحرب ضد حماس". وذلك إلى جانب تأييد هذه المعارضة لمخطط التهجير. فبعد أقوال ترامب، أعلن لبيد أنه سيزور واشنطن ويطرح "خطة مكملة".

انتفاضة في الضفة؟

أسفرت العملية العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ويركز فيها على مناطق شمال الضفة، منذ 22 كانون الثاني/يناير الفائت، عن استشهاد 33 فلسطينيا حتى الخميس، وإصابة أكثر من 100 واعتقال المئات.

وتأتي هذه العملية العسكرية على إثر الحرب على غزة، التي يطلق الجيش الإسرائيلي عليها تسمية "السيوف الحديدية"، بينما يطلق على العملية العسكرية في الضفة تسمية "السور الحديدي"، في إيحاء إلى عملية "السور الواقي" التي اجتاح فيها الضفة، في العام 2002، خلال انتفاضة القدس والأقصى.

وتدعي إسرائيل أن العملية العسكرية الحالية هي ضد المجموعات المسلحة، وخاصة في مخيمات اللاجئين، بعد عدد من العمليات المسلحة ضد أهداف إسرائيلية، وخصوصا قوات الجيش والمستوطنين، منذ بداية الحرب على غزة.

ولا شك أن التوتر الأمني في الضفة الغربية على إثر الحرب على غزة كان متوقعا، لكن إسرائيل روّجت خلال ذلك أن الضفة على أعتاب انتفاضة ثالثة. وتستند هذه التوقعات في إسرائيل إلى عدة تطورات، بينها عدد الشهداء في حرب الإبادة الجماعية والدمار الرهيب والكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وإلى الوضع الاقتصادي في الضفة بعد أن أوقفت إسرائيل دخول أكثر من 100 ألف عامل للعمل في أراضي الـ48، منذ بداية الحرب.

ويعلن الجيش الإسرائيلي بشكل دائم، ومنذ سنين طويلة، أنه يضع باستمرار مخططات عسكرية للضفة الغربية، ويبرر ذلك بأن انتفاضة ثالثة ستندلع في الضفة. وفي موازاة ذلك، تؤكد تقارير وبينها تقارير إسرائيلية، على أن اعتداءات المستوطنين الإرهابيين، الذي أصبحوا ممثلين بشكل واسع في حكومة نتنياهو، قد تصاعدت بشكل كبير منذ بداية الحرب على غزة.

ويبدو أن العملية العسكرية الحالية في الضفة، من وجهة النظر الإسرائيلية، هي خطوة استباقية لمنع انتفاضة ثالثة. لذلك، يتعمد الجيش الإسرائيلي أن تبدو المناطق التي يتوغل فيها في المدن الفلسطينية ومخيماتها في شمال الضفة شبيهة بالمشاهد في القطاع، من خلال هدم عدد كبير من المباني وتدمير الشوارع ونزوح السكان. إذ إن مشاهد كهذه لم تكن موجودة في الانتفاضتين السابقتين.

سورية ولبنان

يتبين من تصريحات وممارسات إسرائيل أنها لا تنوي سحب قواتها من جنوبي لبنان ومن الأراضي السورية التي احتلتها منذ سقوط نظام الأسد. وعموما، إسرائيل لم تنسحب من أراض احتلتها منذ العام 1967، سوى من سيناء، في إطار "معاهدة سلام" مع مصر، التي أبرِمت بعد حرب العام 1973، التي يرى مؤرخون إسرائيليون أن هذا السلام جاء بسبب الحرب.

حسب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تعين على إسرائيل أن تسحب قواتها من جنوبي لبنان بعد 60 يوما، أي بحلول 26 كانون الثاني/يناير الماضي. لكن إسرائيل مددت مدة الانسحاب إلى 18 شباط/فبراير الحالي، وأعلنت أمس أن قواتها ستبقى حتى 28 من الشهر الحالي.

ولاحقا، ادعت إسرائيل أنها اتفقت مع لبنان على تمديد مهلة انسحاب قواتها من جنوب لبنان إلى ما بعد عيد الفطر، أي مطلع نيسان/أبريل المقبل. وأكدت الرئاسة اللبنانية رسميا أن لا صحة لوجود اتفاق كهذا. إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية قالت إن الولايات المتحدة أعطت موافقة مبدئية لإسرائيل بمواصلة احتلال مواقع جنوب لبنان لفترة طويلة.

ويدل ذلك على أن إسرائيل لا تعتزم الانسحاب بالكامل من جنوبي لبنان، وأنها ستواصل عملياتها العسكرية هناك، من خلال قصف وتدمير مبان وبنية تحتية، بزعم حماية مناطقها الشمالية، بعد أن أعلنت أن بإمكان قسم من السكان فيها العودة إلى بيوتهم، وفتح المدارس في كريات شمونة، في الثاني من آذار/مارس المقبل.

وفي سورية، ينفذ الجيش الإسرائيلي أعمال بناء في المناطق التي احتلها، وحسب تقارير إسرائيلية فإنه يبني 9 ثكنات عسكرية، بينها ثكنتان في قمة جبل الشيخ التي احتلها مؤخرا، التي تشكل امتدادا لهضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967.

ولا يبدو أن إسرائيل ستنسحب من هذه المناطق، خاصة أنها قد تراهن على مخطط خبيث لتقسيم سورية إلى دويلات، بين المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الجديدة والأكراد وربما دويلة صغير للعلويين، ومن شأن ذلك أن يجعل إسرائيل تعتبر أنها يجب أن تحصل على جزء من سورية من خلال إبقاء احتلالها في المناطق التي اجتاحتها مؤخرا.