تستعد إسرائيل لاستكمال انسحابها الجزئي من الجنوب اللبناني، يوم غد، الثلاثاء، بالتزامن مع انتهاء المهلة الرسمية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

ويعتزم الجيش الإسرائيلي الإبقاء على تواجد عسكري دائم في خمسة مواقع إستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، بدعوى "منع عودة حزب الله إلى المنطقة الحدودية"، وذلك بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رغم الاعتراضات اللبنانية على ذلك.

وتتهرب إسرائيل من التزامها بسحب كامل قواتها من لبنان بحلول 18 شباط/ فبراير. وكان من المفترض أن يستكمل الجيش الإسرائيلي سحب قواته فجر 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، وفقًا للمهلة المحددة في الاتفاق بين بيروت وتل أبيب قبل أن يتم الإعلان عن تمديدها.

المواقع الخمسة التي تعتزم إسرائيل مواصلة احتلالها

وفقًا لجيش الاحتلال، فإن قواته ستنسحب جزئيًا من جنوب لبنان، مع استمرار انتشارها في خمسة مواقع رئيسية، حددتها مصادر عسكرية بأنها تقع في:

ووفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية، فإن البقاء في هذه المواقع "غير مقيد بزمن"، حيث ستظل القوات الإسرائيلية فيها حتى "التأكد من عدم عودة حزب الله إلى جنوب الليطاني"، في حين قال الجيش الإسرائيلي إن إجراء بقاء قواته في جنوبي لبنان "مؤقت" إلى حين "جاهزية" الجيش اللبناني.

ويرى الجبش الإسرائيلي أن هذه المواقع تمنحه تفوقًا إستراتيجيًا في مواجهة أي نشاط لحزب الله، كما يسعى لتصوير انتشار قواته كإجراء "دفاعي" لضمان أمن البلدات الإسرائيلية الواقعة شمالي البلاد؛ علما بأن الجيش الإسرائيلي شرع بتشييد قواعد ومواقع عسكرية جديدة على طول الحدود مع لبنان، بهدف "تعزيز أمن المستوطنات الشمالية".

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن الجيش اللبناني بدأ الانتشار في المناطق التي ستنسحب منها قوات الاحتلال، وقد وصف مسؤولون عسكريون إسرائيليون أداء الجيش اللبناني خلال الفترة الماضية بأنه "أفضل مما كان عليه سابقًا"، لكنهم شددوا على استمرار "مراقبة مدى فعاليته في منع حزب الله من استعادة وجوده في الجنوب".

ويبدو أن إسرائيل، بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحاول إعادة فرض واقع أمني جديد على الحدود اللبنانية، عبر ما يشبه "منطقة أمنية مصغرة" توفرها لها هذه المواقع الخمسة على طول الشريط الحدودي مع لبنان، في استعادة لسياسات سابقة انتهت بانسحابها من جنوب لبنان عام 2000.

قوات إسرائيلية في الجنوب اللبناني (تصوير: الجيش الإسرائيلي)

ويأتي الانسحاب الإسرائيلي الجزئي في إطار تغيير أوسع في إستراتيجية انتشار القوات الإسرائيلي في المنطقة الحدودية. وبحسب مصادر عسكرية، فقد تم خلال الأسابيع الماضية تنفيذ عمليات عسكرية مكثفة داخل جنوب لبنان، بهدف "تطهير المناطق الحدودية من أي وجود لحزب الله"، وهو ما شمل تمشيطًا شبه كامل للقرى والوديان القريبة من الحدود وتدمير "بنية تحتية عسكرية" للحزب.

ويقول الجيش الإسرائيلي إن الإبقاء على قواته في هذه المواقع يهدف إلى "ضمان عدم عودة حزب الله إلى مناطق قريبة من الحدود". وتزعم المصادر العسكرية أن هذه المواقع ستتيح "رؤية عملياتية متقدمة"، وستُستخدم لمراقبة التحركات في عمق الأراضي اللبنانية، ما يمنح الجيش الإسرائيلي "القدرة على تنفيذ عمليات استباقية إذا لزم الأمر".

وصرح مسؤول عسكري إسرائيلي بأن "القوات الإسرائيلية قامت بتمشيط ما يقارب كل منزل ووادي في المنطقة الحدودية، وعثرت على مخابئ للأسلحة ومنشآت عسكرية لحزب الله حتى الأيام الأخيرة قبل الانسحاب". وأضاف أن "المساحة القريبة من الحدود باتت نظيفة بدرجة كبيرة من أي تواجد عسكري للحزب".

في المقابل، تتخوف إسرائيل من أن يشكل الإبقاء على هذه المواقع الاستراتيجية هدفًا محتملاً لهجمات حزب الله. ووفقًا لهيئة البث العام الإسرائيلية ("كان 11")، فإن الجيش الإسرائيلي وضع سيناريوهات متعددة للتعامل مع "أي محاولات استهداف لهذه المواقع"، مشيرًا إلى أنه "أخذ في الحسبان احتمالية اندلاع مواجهات جديدة إذا قرر حزب الله تحدي هذا الوجود العسكري".

في ظل هذه التطورات، تواصلت المشاورات بين إسرائيل والأطراف المعنية بتطبيق الاتفاق، حيث عقد اجتماع خماسي في بلدة رأس الناقورة، ضم ممثلين عن إسرائيل ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا وقوات "اليونيفيل"، لمناقشة آلية الانسحاب الإسرائيلي النهائي وانتشار الجيش اللبناني في المناطق التي ستنسحب منها القوات الإسرائيلية.

قوات إسرائيلية في الجنوب اللبناني (تصوير: الجيش الإسرائيلي)

وبحسب المصادر العسكرية، فإن إسرائيل "مارست ضغوطًا" لضمان نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية "بشكل فعال"، وهو ما اعتبرته شرطًا أساسيًا لمتابعة تنفيذ الاتفاق. وقال مصدر عسكري إسرائيلي إن "الجيش اللبناني أظهر في الأسابيع الأخيرة نشاطًا غير مسبوق في التصدي لحزب الله، وهو ما لم نشهده منذ سنوات".

إلى جانب بقاء القوات في المواقع الخمسة، يستمر الجيش الإسرائيلي في إقامة مواقع مراقبة جديدة على الجانب الإسرائيلي من الحدود، بهدف "تعزيز الأمن على المدى الطويل"، وفق ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نقلا عن مصادر عسكرية.

كما يراهن الجيش الإسرائيلي على أن تؤدي هذه التغييرات إلى "إقناع سكان الشمال" بالعودة إلى بلداتهم، التي أُخليت جزئيًا خلال الحرب مع حزب الله. وبحسب تقديرات الجيش، فإن "عودة السكان إلى مستوطناتهم قد تبدأ في الأول من آذار/ مارس المقبل، شريطة أن يتم تنفيذ الاتفاق بالشكل الذي يمنع حزب الله من استعادة مواقعه السابقة".

في الوقت نفسه، تؤكد إسرائيل أنها ستواصل ما تصفه بـ"إنفاذ وقف إطلاق النار بالنار"، أي الرد العسكري على أي "خرق من قبل حزب الله"، وفقًا لمسؤولين عسكريين. وتزعم إسرائيل أنها أبلغت الجهات الوسيطة بأنها لن تتردد في استخدام القوة إذا رصدت "تحركات مشبوهة" في الجنوب اللبناني.

وفي هذا السياق، قال مسؤول سياسي إسرائيلي إن "إسرائيل لن تسمح لحزب الله بالعودة إلى المواقع الحدودية، ولن تتردد في اتخاذ إجراءات عسكرية لضمان ذلك"، مضيفًا أن الجيش الإسرائيلي "سيبقى في حال تأهب دائم لضمان عدم عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب".