شهدت بلدة كفركنا ارتفاعا ملحوظا في جرائم القتل وأحداث العنف خلال السنوات الثلاث الأخيرة أسفرت عن 8 قتلى وإصابات بينها خطيرة، في مؤشر واضح على أنه لم تعد هنالك بلدة أو مدينة كانت آمنة مطمئنة في المجتمع إلا وتسلل العنف والإجرام إليها وسط تقاعس الشرطة التي لا تحرّك ساكنا إزاء ما يحدث، وهناك من يرى بأن الشرطة شريكة وليس فقط متواطئة إزاء استفحال العنف والجريمة.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وطالت الجرائم النساء والفتيات والرجال ممن تجاوزوا سن الكهولة، كان آخرها جريمة قتل ارتكبت يوم الجمعة الماضي وراح ضحيتها توفيق صبيح (60 عاما)، وهي الجريمة الثانية التي تشهدها البلدة منذ بداية العام الجاري، إذ سبقه الضحية خالد دهامشة في الخمسينيات من عمره، بعد تعرضه لجريمة قتل في القرية قبل نحو ثلاثة أسابيع.
استفحال الجريمة في كفر كنا مع وجود مركز شرطة.. 8 ضحايا خلال 3 سنوات
— موقع عرب 48 (@arab48website) February 18, 2025
التفاصيل: https://t.co/EEgjY63vlv pic.twitter.com/KmA8wJuU9K
"ازدياد منسوب الجريمة منذ إقامة مركز شرطة"
وقال القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس مجلس محلي كفر كنا الأسبق، واصل طه، لـ"عرب 48" إنه "بدون شك أن العنف هي آفة منتشرة ليس فقط في كفر كنا وإنما في المجتمع العربي بأكمله، وهي آفة خطيرة يجب أن نتصدى لها بالوعي والنضج وبالتثقيف من ناحية، ومن ناحية أخرى ينبغي استنكار كل حالة عنف أو جريمة تقع هنا وهناك".
وأضاف أن "كفر كنا لا تختلف عن سائر قرانا ومدننا العربية، وفي الآونة الأخيرة زاد منسوب العنف فيها وهذا يسيئ إلى مكانة البلد وموقعها ودورها وسياستها التي تتسم بالموقف الوطني في كافة الظروف والتحديات التي واجهها شعبنا في الداخل وحتى في الخارج. بالتالي من واجبي أن أستغل هذه المنصة لأتوجه إلى كل أهالي كفر كنا بأن يحافظوا على هذا المكتسب من سمعة البلدة ليس فقط على الصعيد القطري، بل على العام والإقليمي".
وردا على سؤال حول إقامة مركز للشرطة في القرية ودوره في مكافحة جرائم القتل والعنف، قال طه إنه "منذ إقامة مركز الشرطة في البلدة زاد منسوب العنف والجريمة بشكل تدريجي، وازداد إطلاق النار في ساعات الليل دون أن تقوم الشرطة بأي مبادرة أو موقف واضح وصريح رغم الشكاوى وتوجهات المواطنين إليها، إذ أنها لا تقوم بواجبها، وهذا لا يعفي الأهالي من مسؤولياتهم تجاه أبنائهم وتجاه بيئتهم كل في دائرته لكي نستطيع أن نضع حدا لهذا العنف المتفشي والجديد والدخيل على كفر كنا، وخصوصا أن البلدة مرّت عبر تاريخها في أزمات عنف ونزاعات لكنها استطاعت خلال فترة قصيرة تجاوزها والحفاظ على الود والمحبة وكانت نبراسا للأخوّة، ونحن نريد لهذا البلد أن يعود ليبقى في موقعه الطلائعي في المحبة والسلم الأهلي".
"مشروع سلطوي لضرب مجتمعنا"
وذكر إمام مسجد عمر بن الخطاب في كفر كنا، الشيخ كمال خطيب، لـ"عرب 48"، أن "الانعطاف الذي طرأ على مجتمعنا العربي بدأ في العام 2000 أي بعد أحداث ’هبة القدس والأقصى’ التي التحم فيها أبناء الداخل الفلسطيني مع الكل الفلسطيني في الضفة وغزة ضد تدنيس المسجد الأقصى المبارك، واستشهد في تلك الأحداث 13 من أبنائنا".
وأضاف أن "المؤسسة الإسرائيلية استنتجت في حينه بأنها لربما أخطأت حين أوقعت 13 شهيدا، وأنه من الأفضل لها أن يقتلوا بعضهم بعضا، وبدلا من أن يكونوا شهداء يصبحون مجرد أرقام".
وأوضح خطيب أنه "بلغة الأرقام فإنه منذ العام 1980 حتى عام 2000 شهد المجتمع العربي في الداخل 85 جريمة قتل، في حين منذ العام 2000 ولغاية 2020 سجلت 1600 جريمة قتل، إذ كان المعدل 4 جرائم قتل في السنة الواحدة، ليرتفع بشكل مفاجئ إلى 80 جريمة قتل في السنة".
ولفت إلى أنه "في الواقع لم تحدث لمجتمعنا طفرة جينيّة جعلته أكثر عنفا، ولم نأخذ حقنة شر أو جريمة، ولم نقرر أن نتحول إلى شعب دموي، وإنما هو واحد من أنجح المشاريع التي خططت له المؤسسة الإسرائيلية لضرب مجتمعنا، ليعيش حالة خوف وتوتر وقلق باستمرار وينشغل كل إنسان بذاته ولا يعود يلتحم مع مجتمعه وشعبه".
وشدد خطيب على أن "هناك تصاعدا في منسوب الجريمة والعنف في البلدة، لكنها لم تخرج عن إطار الصراعات العائلية، كما أن هنالك بشائر خير بشأن نجاح مساعي لجنة الصلح في البلدة من أجل إنهاء النزاعات في كفر كنا قبل حلول شهر رمضان الذي يصادف مطلع شهر آذار/ مارس المقبل".
"ظاهرة منتشرة في كل مكان"
وقال راعي كنيسة الروم الكاثوليك وعضو لجنة الصلح بكفر كنا، الأب سيمون خوري، لـ"عرب 48" إنه "في البداية أنا أرفض بشكل قاطع التحدث بالنسبة للعنف والجريمة حصريا عن كفر كنا لأن هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، وبذلك نعطي وصمة لبلد يعتبر حتى اليوم من أفضل البلدات العربية وأكثرها أصالة، وما زالت تتميز بالتسامح وطي صفحات الماضي والغفران والمحبة والتقارب بين جميع العائلات حتى عندما يتخاصمون فإن الخلاف ينحصر بين شخصين أو مجموعتين لا تشمل كل العائلات، وهي البلدة التي ما زال فيها حتى اليوم عنوانا يمكن التوجه إليه في كل عائلة، وهنالك مرجعيات ما زالت لها الهيبة والكلمة الفصل، ولذلك أشعر بنوع من الظلم لو تحدثت حصريا عن كفر كنا، ولا نتحدث بشكل شامل عن كل البلدات العربية".
وأضاف أن "محبتي تزداد لهذه البلدة يوما بعد يوما ولأهلها وسكانها الطيبين، لأن فيهم ميزة قد لا نجدها في معظم الأماكن وهي أنهم عندما يصفحون ويصالحون فإن الله أنعم عليهم بموهبة وهي القدرة على محو الماضي ومسحه كليا ليعودوا ويأكلوا على مائدة واحدة، يشاركون بعضهم البعض في الأفراح والأحزان وكأن شيئا لم يكن".
وختم الأب خوري حديثه قائلا "لم نؤمن يوما بمحبة القوة وإنما بقوّة المحبة، ولم نؤمن يوما بمحبة السلاح وإنما بسلاح المحبة، ولم نؤمن بإرادة القوة بقدر ما نؤمن بقوة الإرادة.. هذه هي كفركنا".
"غياب عنصر الردع"
وقال الناشط علاء مطر، لـ"عرب 48"، إن "أهم عنصر في محاربة العنف هو عنصر الردع، وعندما يغيب هذا العنصر فإن أجهزة الدولة ستفقد السيطرة، وهناك حالة من فقدان السيطرة وفشل الخطط الحكومية التي وضعت لمكافحة العنف والجريمة، والتي تبيّن أنها تأتي من أجل التعيينات السياسية وليس من أجل الهدف الذي أقيمت من أجله، فضلا عن ذلك هنالك غياب للرادع الاجتماعي والأخلاقي وسلطة العائلة الموسعة، كل ذلك ساهم في تفاقم العنف".
وأشاد بلجان الصلح التي تسعى إلى وأد الفتن وإحلال السلام والأمن، وذكر "لكن هذا لا يكفي فلجان الصلح والسلطة المحلية لا تملك صلاحية مصادرة السلاح، فهذا دور الشرطة التي ترفض القيام به، لذلك من المهم جدا ألا تترك لجان الصلح الساحات للشباب الطائش، وأن تلاحق الخلافات بشكل يومي من أجل احتوائها".
واستهجن مطر قيام الشرطة بملاحقة لجان "إفشاء السلام" بدلا من ملاحقة عصابات الإجرام، وقال "أنا أرى في ملاحقة لجان إفشاء السلام وإلغاء اللجان المنبثقة عن لجنة المتابعة هدفا سياسيا يحمل بعدا إستراتيجيا لتجريد المجتمع العربي من أي غطاء منظم يعمل على مكافحة العنف".
ودعا إلى إيجاد نظام داخل السلطة المحلية من أجل مراقبة كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تغذي العنف، وتستغل كمنصة لإطلاق التهديدات بين الأطراف المتنازعة وتؤجج المشاكل بدل أن تحبطها؛ حسبما قال الناشط مطر.
"سلوكيات ومعايير دخيلة علينا"
وذكر عضو لجنة الصلح، المربي نظمات خمايسي، لـ"عرب 48"، أن "ظاهرة العنف والجريمة متفاقمة في المجتمع العربي وزاد تفاقمها في كفركنا أيضا، وأنا أقول دائما أن العنف دخيل على المجتمع العربي ولم يكن موجودا من قبل".
وتابع أنه "قد أشرح بكلمات عديدة وبأساليب مختلفة أن العنف استشرى في مجتمعنا كالنار في الهشيم. وأسباب هذه الظاهرة قيم جديدة داهمتنا من الغرب تمثلت في سلوكيات ومعايير دخيلة علينا. نعم هنالك تقصير من الحكومة والشرطة ولكن ليس كل ما هو حاصل في مجتمعنا نتيجة سياسة الدولة، وعلينا أن نكون جريئين ونقول الحقيقة إننا كمجتمع عربي من قادة ومتعلمين ومسؤولين وأفراد مسؤولين أيضا عما يدور في مجتمعنا".
وانتقد خمايسي ظاهرة الرغبة في الكسب السريع وبدون جهد أو تعب لدى الشبان العرب وهو ما يدفعهم إلى الابتزاز حتى أصبحت عملية الحصول على كل شيء بدون تعب قيمة مجتمعية مستوردة من الغرب خارجة عن قيم المجتمع العربي.
اقرأ/ي أيضًا | استفحال الجريمة في المجتمع العربي: قتيلان في سخنين وكفر كنا
اقرأ/ي أيضًا | قتيل ومصاب بجروح خطيرة في جريمة إطلاق نار بكفر كنا