لا تقتصر الملاحقات السياسية التي يتعرض لها المواطنون العرب في البلاد على ما تقوم به المؤسسة الإسرائيلية الرسمية من مضايقات واستفزازات وقمع للعمل السياسي والشعبي، إذ تطور شكل الملاحقات وأخذ طابعا آخر غير رسمي، بتتبع مجموعات يهودية متطرفة وأفراد من المجتمع الإسرائيلي لأي منشور أو كلمة أو رأي.
وازدادت وتيرة هذه الملاحقات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واستهدفت كافة شرائح المجتمع الفلسطيني في أراضي 48، وتركزت على طلبة الجامعات، والفنانين، والأطباء، والمعلمين.
واستمر هذا الوضع الذي يعتبر فيه المجتمع الإسرائيلي نفسه وصيًا على محيطه، بمراقبته لأي تصرف أو كلمة أو رأي، حتى يومنا هذا، وآخر هذه الأمثلة منع الشرطة الإسرائيلية عرض "ستاند أب" للفنان الكوميدي نضال بدارنة ابن مدينة عرابة البطوف، بعد تحريض طاله من مجموعات يهودية متطرفة بادعاء أن "العرض يتضمن حديثا عن المحتجزين الإسرائيليين في غزة".
في المقابل، لا يرى أي سياسي أو صحافي أو فنان أو أي شخص من المجتمع الإسرائيلي، حرجا من قول ونشر رأيهم الداعم لحرب الإبادة في غزة واحتلالها وتدمير الضفة الغربية وغيرها من الآراء المتطرفة ضد الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، دون أي رادع من المؤسسات الرسمية.
فقدان الثقة والأمان
في حديثها لـ"عرب 48"، قالت الحقوقية عبير بكر، إن "ظاهرة الملاحقات الفردية موجودة قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولكنها كانت تنحصر على حملات تحريض بوسائل التواصل وسرعان ما تتلاشى. الجديد، اليوم، أنك ترى تماثلا مطلقا من قبل مؤسسات الدولة وخصوصا الشرطة مع هذا الأمور، وتكفي حملة تحريضية مضللة كي تقرر الشرطة اعتقال شخص".
وعن مدى خطورة هذا الأسلوب، قالت بكر إن "الخطورة هي بأن ثلة من المحرضين تستطيع بضغطة واحدة على لوحة مفاتيح الحاسوب أن تجعل منك رهن الاعتقال دون أي مبرر. كل الذين ترافعت عنهم ورافقتهم وتعرضوا لهذه الهجمات السوقية الهمجية همهم الشاغل لم يكن الإساءة إلى سمعتهم بقدر التخوف من أن يتم اعتقالهم جراء هذا التحريض. خطورة الأمر تكمن بفقدان الثقة والأمان لدى الفلسطينيين، بالسابق كنا نهاب ممارسات الدولة في ملاحقتنا بادعاء خرق القانون، اليوم أصبح جارنا بمقدوره أن يقرر بأننا خرقنا القانون وأن يلزم الدولة الانصياع لتفسيره وليس للقانون وقواعده".
وعن شكل الوصاية التي يتخذها المجتمع الإسرائيلي بين الماضي والحاضر، قالت بكر إنه "سابقا كنا نرى دور الوصاية عبر مشاريع للتآخي والسلام تحدد سقف التطلعات لتقنعنا أنها الطريقة الأمثل للنضال العادل، واليوم نرى أن دور الوصاية هذا أخذ وجها قمعيا أكثر. منذ أحداث السابع من أكتوبر، رأينا أن المجتمع الإسرائيلي لم يكتف فقط باختبار مواقفنا الأخلاقية إزاء الإيذاء بالمدنيين أو أسرهم إنما أخذ دور الوصاية الذي سيحدد لك ما يجب أن تشعر به أو تحزن عليه وفقًا لما يشعرونه هم، لذا لم يعد الموضوع مجرد نقاش وتباين حول مواقف سياسية، بل وصل حد المشاعر والأفراح والأحزان، ممنوع أن تحزن على قتل أطفال، ممنوع أن تفرح لخروج أسير من السجن، وممنوع أن تحيي ذكرى يوم النكبة، بكلمات أخرى عليك أن تفكر وتشعر كما يروق لهم".
جنون وعنصرية
وقال مركّز الطلاب والشباب في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، يوسف طه، لـ"عرب 48" إنه "شهدنا انتقالا لمستوى جديد من الملاحقة منذ السابع من أكتوبر، ملاحقة تستهدف كل فلسطيني يبدي رأيه بمختلف الطرق، وهذه الحالة تعبّر عن الجنون والعنصرية غير المألوفة".
وعن استهداف طلبة الجامعات خاصة، قال طه إن "هذه الحالة تستهدف الطلبة العرب بشكل مباشر وخصوصا الناشطين منهم، كون الطلبة على احتكاك مباشر مع المجتمع الإسرائيلي من خلال الجامعات، وخلافا لما هو دارج في العالم بأن تكون الجامعة حيزًا آمنًا للنقاش وتبادل الآراء يختلف الأمر تماما في الجامعات الإسرائيلية ويوضع الطالب العربي الفلسطيني وتصرفاته تحت المجهر. التغييرات التي طرأت على الشكل الخارجي للجامعات الإسرائيلية خطيرة جدا وتحديدا بجزئية السلاح الذي بات يحمله الطلبة اليهود وتحديدا الجنود منهم في الجامعة، الأمر الذي يضاعف الشعور بالتهديد عند الطلبة العرب بشكل دائم".
وختم طه حديثه بالقول إنه "على الرغم من كل محاولات الترهيب، فإن عددا كبيرا من الطلاب اتخذوا رد فعل بانخراطهم في الكتل الطلابية العربية في الجامعات، كما رأينا مؤخرا في معهد التخنيون وجامعات حيفا وتل أبيب والقدس وبئر السبع".
تطرف وعداء
من جهته، قال الفنان الكوميدي، نضال بدارنة، والذي كان قد تعرض لحملة تحريضية، حديثا، إن "خطورة هذا الأمر تكمن في أن المجتمع الإسرائيلي متجه نحو المزيد من التطرف والعداء بدون أي ضوابط أخلاقية أو سياسية، ونرى ما تفعله مجموعات كهذه في مناطق الضفة الغربية من اعتداءات وحرق وقتل للفلسطينيين، والسبب الرئيسي لعدم وجود أي رادع هو الحكومة الإسرائيلية اليمينية الفاشية التي تمنحهم الضوء الأخضر في ملاحقاتهم".
وأكد بدارنة لـ"عرب 48" أنه "من المفترض أن تقوم الشرطة بدورها وتواجه وتلجم هذه المجموعات، لكنها أيضا تعطي الضوء الأخضر لهذه المجموعات عندما تلغي العروض التي حرضوا عليها، وبدلا من أن تقوم بعملها بتوفير الحماية لأي عرض يُحرّض ضده، تقوم بإلغائه".
وختم بدارنة حديثه بالقول إنه "يجب أن تكون وقفة جادة على مستوى المجتمع ضد هذه الأساليب العنصرية، من قيادات المجتمع، والسلطات المحلية، والناشطين، والفنانين، وكافة الشرائح. الهدف من هذه المحاولات هو طمس هويتنا بمختلف تفاصيلها، من مطالباتهم بإسكات صوت الأذان ولغاية منع عروضنا الفنية العربية".