في وقت ما زالت فيه خطة تهجير سكان غزة الفلسطينيين التي أعلن عنها ترامب في "غرفة الانتظار"، فإنها شكلت ضوءا أخضر لقيام الجيش الإسرائيلي بعملية تهجير واسعة، هي الأكبر التي تشهدها الضفة الغربية منذ عام 1967، حيث طالت حتى الآن 40 ألف فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم في شمال الضفة الغربية، وشملت تدمير الشوارع والبنى التحتية ومئات المنازل في عملية تهدف إلى اقتلاع المخيم كرمز وشاهد تاريخي وبؤرة مقاومة من الجغرافية الفلسطينية.

صحيفة "هآرتس" وصفت في افتتاحيتها، ما يقوم به الجيش الإسرائيلي بأنه "ميني ترانسفير"، هو هدية نتنياهو لسموترتش لإبقائه في الائتلاف الحكومي، بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مشيرة إلى خطة أعدها الجيش الإسرائيلي، وحظيت بمصادقة المستوى السياسي، تقضي بتغيير جغرافية المخيم.

وفيما يبدو أنه سباق مع الزمن من قبل الحكام العرب، في مصر والأردن بالسعودية بشكل خاص، بعد الصدمة التي أصيبوا بها إثر تصريحات ترامب ومن ثم نتنياهو، بتهجير قطاع غزة وترشيح بلدانهم عنوة لاستقبال مهجريها الفلسطينيين، وهو ما أقحمهم رغما عنهم في صراع كانوا قد قرروا أنه "لا يعنيهم" إلى حد أن ضراوة ودموية الحرب التي هزت ضمير العالم لم تحرك لهم قصبة.

فيما يبدو أنه سباق مع الزمن سارع هؤلاء الحكام بعد أن شعروا أن عروشهم تهتز تحتهم، إلى التداعي لخياطة "بديل لخطة ترامب بعباءة عربية، وهو ما عرف بالخطة المصرية لإعمار غزة بدون تهجير أهلها، والتي يفترض أن تبحث في قمة السعودية المصغرة وقمة القاهرة الموسعة في الأسبوعين القادمين.

هذا في وقت أن الخطط التنفيذية الإسرائيلية لترجمة دعوة ترامب للتهجير الفلسطينيين باتت جاهزة، حيث أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن إقامة "هيئة إدارية" خاصة لهذا الغرض، وعن تسهيل خروج الغزاويين الذين يرغبون بالهجرة عن طريق البحر والبر والجو، وهو ما يبدو بأنه الجزرة في خطة التهجير الحقيقية التي كشف أجزاء منها المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، والتي تحاكي خطة التطهير العرقي التي عرفت بـ"خطة الجنرالات" التي جرى تطبيقها في جباليا وبيت حانون.

وتقضي الخطة بفرض حصار شامل على أجزاء من القطاع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إليها، إلى جانب تدمير البيئة الحياتية وصولا إلى حد الإبادة المطلقة للمناطق التي سيعمل فيها الجيش الإسرائيلي، وهو ما كان قد بدأ هذا الجيش بتطبيقه في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون قبل أن يتوقف بفعل اتفاق وقف إطلاق النار.

هرئيل يقول إن عملية التدمير المنهجي عبر تفجير المنازل كان قد بدأها الجيش الإسرائيلي في رفح، ثم اضطر لوقفها بعد أن تبين أن المقاومة فخخت العديد من البيوت، ثم واصلها في جباليا في إطار عملية منظمة، والتي وصلت في أيامها الأخيرة إلى تفجير عشرات البيوت يوميا في ظل نفي بأن الحديث يدور عن عملية عقابية هدفها تهجير السكان، إلى أن جاء ترامب، واستخدم الدمار كحجة لخطة التهجير التي يسعى لتنفيذها.

وإذا كانت الاحتمالات ضئيلة بتنفيذ خطة ترامب بالسيطرة على غزة وتهجير سكانها كما يعتقد رون بن يشاي، المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإنها أصابت "العالم العربي" بالرعب، وأجبرت دولة العمل على الاجتهاد لإيجاد بديل لحكم حماس في قطاع غزة، يتيح لإسرائيل وأميركا الموافقة على إعادة إعماره بتمويل السعودية وقطر والإمارات.

وإذا كان ما هو معلوم حتى الآن عن هذا المسار (الخطة) لا يتجاوب مع طلبات نتنياهو ولا مع طموحات الجناح اليميني- القومي من ائتلافه، على حد تعبير بن يشاي، فإنه سيتيح لنتنياهو المناورة والمداورة مع ترامب حتى تحقيق مطالبه.

بهذا المعنى، والحديث لنا، فإن نتنياهو وترامب يريدان من خلال تسليط العصا فوق رؤوس الحكام العرب، بأن يقوم هؤلاء الحكام بما عجزا عن تحقيقه خلال 15 شهرا من حرب الإبادة الدموية، وهو تحييد حماس عن سدة الحكم في غزة وتفكيك جناحها العسكري وهو ما يمكن نتنياهو من تحقيق أحد الأهداف المركزية للحرب.