يرى الأطباء الفلسطينيون في الداخل أن هناك حاجة ملحّة لإنشاء نقابة خاصة بالأطباء والطبيبات العرب العاملين في المستشفيات الإسرائيلية، بهدف تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم. تأتي هذه الدعوة في ظل تعرض الأطباء لمواقف عنصرية، وتقييد حرية التعبير خلال الحروب والأزمات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، إضافةً إلى نقص المعلومات والإحصاءات حول الأطباء العرب، وصعوبة إيجاد فرص عمل، فضلًا عن غياب البحث العلمي المتخصص بالمجتمع العربي.
وفقًا للمعطيات، شكل الأطباء العرب في إسرائيل نحو 25% من إجمالي الأطباء في البلاد بحلول عام 2024، مقارنةً بـ8% فقط في عام 2010. ففي عام 2010، كان هناك 2049 طبيبًا عربيًا من أصل 25,797 طبيبًا، بينما ارتفع العدد في عام 2022 إلى 6,691 طبيبًا عربيًا من إجمالي 33,558 طبيبًا، أي ما يعادل 20%، واستمرت هذه الزيادة حتى عام 2023، حيث بلغت نسبة الأطباء العرب نحو 25%.
الحاجة الملحة لإنشاء نقابة عربية
في هذا السياق، صرح طبيب الأطفال والباحث في الصحة الجماهيرية، أسامة طنوس، لموقع "عرب 48" بأن الأحداث الأخيرة كشفت عن مدى ضعف الأطباء العرب في ظل غياب نقابة تمثلهم، مشيرًا إلى تعرضهم للتهديدات، والفصل التعسفي، والمعاملة العنصرية لمجرد التعبير عن آرائهم. وأكد طنوس على أهمية وجود جسم نقابي يحمي الأطباء العرب من الاستهداف، مشددًا على أن إنشاء نقابة عربية أصبح ضرورة ملحّة.
وأضاف طنوس أن الأطباء العرب خلال الحرب الأخيرة، ومع اعتقال الكوادر الصحية في غزة، لم يتمكنوا من اتخاذ موقف واضح خوفًا من الملاحقة والفصل من العمل، مما يؤكد ضرورة إنشاء نقابة موحدة تدافع عنهم وتوفر لهم الحماية.
النقابة الإسرائيلية لا تلبي احتياجات الأطباء العرب
وحول دور نقابة الأطباء الإسرائيلية، أوضح طنوس أن النقابة العامة تعالج القضايا المهنية للأطباء بشكل عام، لكنها لا تمنح الاهتمام الكافي للقضايا الخاصة بالأطباء العرب. وأشار إلى أن معظم الأطباء العرب الحاصلين على رخصة مزاولة المهنة هم أعضاء في هذه النقابة، التي تتفاوض بشأن ظروف العمل والأجور والتقاعد، لكنها لا تسلط الضوء على التحديات التي يواجهونها في المؤسسات الصحية الإسرائيلية.
وفي ما يتعلق بفرص العمل، أوضح طنوس أن نسبة كبيرة من الأطباء العرب يدرسون في الخارج، وعند عودتهم يواجهون صعوبات في الحصول على وظائف، حيث ينتظرون لسنوات بعد اجتيازهم امتحان مزاولة المهنة. كما أن معايير القبول في التخصصات الطبية غير واضحة، مما يثير تساؤلات حول احتمالية وجود تمييز عنصري في القبول والتوظيف. وأكد أن إنشاء نقابة عربية سيشكل خطوة مهمة لمعالجة هذه الإشكاليات والمطالبة بالمساواة والشفافية.
ضرورة الشفافية في التوظيف والتخصصات الطبية
أكد طنوس أن هناك محاولات لإنشاء نقابة للأطباء العرب، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ضرورية لرفع كفاءة الأطباء العرب من خلال تنظيم دورات تدريبية وندوات علمية، وتعزيز الشفافية في معايير التوظيف والتخصص. وشدد على أن عملية اختيار الأطباء ما زالت غير واضحة، مما يستدعي وجود نقابة تلعب دورًا في حماية الأطباء وتعزيز مكانتهم المهنية.
الاستفراد بالأطباء العرب خلال الحرب
من جانبها، قالت طبيبة عائلة - رفضت الكشف عن هويتها - لموقع عرب 48 إن الحرب الأخيرة على غزة أظهرت الحاجة الملحّة إلى نقابة تحمي الكوادر الصحية العربية، خاصةً بعد تعرض العديد منهم للملاحقة بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو احتجاجهم على قصف المستشفيات واعتقال الطواقم الطبية الفلسطينية. وأكدت أن وجود نقابة سيوفر شبكة أمان للعاملين في المجال الصحي.
وأشارت إلى قضية الطبيب أحمد محاجنة من مدينة أم الفحم، الذي تعرّض للاستهداف عندما قدّم قطعة حلوى لمصاب فلسطيني في مستشفى هداسا، مما أدى إلى تعليق عمله وسط حملة تحريضية واسعة من الإعلام الإسرائيلي والمؤسسات الصحية وزملائه. وأوضحت أن ما تعرض له محاجنة يثبت ضرورة وجود جسم نقابي يمثل الأطباء العرب ويحميهم من التحريض والاستفراد بهم.
رابطة "أطباؤنا" كنموذج للتنظيم النقابي
من جانبه، صرح الطبيب ياسر الخطيب، رئيس رابطة أطباؤنا، لموقع عرب 48 بأن الحاجة إلى جسم يمثل الأطباء العرب دفعت مجموعة من الأطباء إلى تأسيس الرابطة في سبتمبر 2021، بهدف حماية الأطباء العرب وتعزيز مكانتهم في المستشفيات الإسرائيلية.
وأوضح الخطيب أن الرابطة تعمل على معالجة التحديات التي يواجهها الأطباء العرب، وتسعى إلى تطوير القطاع الصحي في المجتمع العربي، الذي يعاني من نقص شديد في الموارد والمعطيات الطبية. كما أكد أن التحديات التي تواجه الأطباء العرب لم تبدأ مع الحرب الأخيرة، لكنها ازدادت بشكل ملحوظ بعدها، إذ تعرض الأطباء لملاحقات على المستويين المهني والاجتماعي داخل المستشفيات.
توسيع الرابطة لتشمل جميع الأطباء العرب
أكد الخطيب أن هناك جهودًا حثيثة لتوسيع الرابطة لتشمل جميع الأطباء العرب في الداخل، مشيرًا إلى أن الرابطة توفر منصة للأطباء العرب للتواصل والتسجيل والانضمام إليها. كما تعمل على دعم البحث العلمي وجمع المعطيات حول الأطباء العرب، في ظل النقص الحاد في المعلومات المتعلقة بهم.
واختتم الخطيب حديثه بالتأكيد على أن وجود نقابة أو رابطة موحدة للأطباء العرب بات ضرورة مُلحّة، ليس فقط لحمايتهم من التمييز، بل أيضًا لتعزيز البحث العلمي، وتحقيق الشفافية في قبول الأطباء للتخصصات المختلفة، وضمان حقوقهم في بيئة العمل.