هل يتواطأ النظام المصري مع الاحتلال، ويمارس الضغط على المقاومة؟

التواطؤ يعني الموافقة الضِّمنية على ما يقوم به الاحتلال دون البوح العلني بالموافقة، وذلك لأسباب تتعلّق بقدرة النّظام على الدفاع عن موقفه أمام جماهير شعبه، الذي لا شك في أنه يرفض رفضًا قاطعًا جرائم الاحتلال، وكذلك لتبرئة الذّمة أمام الشّعب الذي يتعرّض للإبادة، ولإسكات المعارضة الدّاخلية في مصر التي تتعاطف إلى حدٍّ ما مع مقاومة غزّة، رغم الاختلافات الأيديولوجية مع حركتَي حماس والجهاد الإسلامي.

النظام المصري يعتقل ويقمع بشدّة أيَّ تجمّع للتظاهر احتجاجًا على ما يجري في قطاع غزّة. وقد نجح هذا النّظام في قمع مشاعر المصريين الصّادقة والحقيقية، ولهذا لم يشاهد العالم مظاهرات حاشدة في المدن المصرية احتجاجًا على حربِ الإبادة في قطاع غزّة.

الشَّعب المصري متعاطفٌ جدًا، ولا شك في ذلك، ويمكن متابعة حالة الغضب من خلال تعقيبات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي لما يجري في القطاع. لكن رغم ذلك، فإنّ الأحزاب المصريّة عاجزة عن تنظيم وإخراج مظاهرة واحدة تعكس حقيقة مشاعر الشّعب المصري الذي يعد بالملايين.

لو خرجت في مصر مظاهرات احتجاجية بمئات الآلاف، لشعر الناس في قطاع غزّة بأنَّ هناك ظهيرًا قويًّا يتضامن ويتعاطف معهم.

الإعلام الإسرائيلي يزعم أنّ القيادة المصرية، ودولًا عربية أخرى، حثّت وتحُثّ قادة إسرائيل على التخلّص من المقاومة.

الحقيقة أن هذه الأنظمة ترغب بالفعل في إنهاء حركة المقاومة، وهذا واضح، لكن ما يجري حاليًا ليس حربًا ضد المقاومة المسلّحة فحسب، بل حرب إبادة بالمعنى الحرفي تستهدف المدنيين.

البيانات التي تصدر عن مصر الرّسمية ودول عربية أخرى لا تعبّر عن حالةِ الغضب التي تسود شعوب المنطقة تجاه مقتل هذه الأعداد الهائلة من المدنيين، خصوصًا الأطفال.

إنّها تتحدّث عن أمور "يجب ألّا تحدث"، أو "لا تخدم التسوية"، أو "لا تخدم التّقدم في عملية السّلام".

كل محاولات التظاهر في مصر لم تكن في أفضل حالاتها سوى بضع مئات!

السَّبب الأوّل والأساسي هو الخَوف الذي نجح نظام السيسي في زرعِه في نفوس النّاس، الخوف من التعبير أو النزول إلى الشّارع للتظاهر، إذ هناك تهمٌ جاهزة لهذه الحالات، مثل التظاهر دون ترخيص، أو تهديد الأمن العام، أو حتى تهمة التخابر مع جهات أجنبية، التي تعني سنوات طويلة من السجن أو حتى الإعدام.

الإسلاميون ممنوعون من التظاهر، لأنّ حركة الإخوان المسلمين مصنّفة كتنظيم إرهابي، وتهمة كهذه قد توصل إلى حبل المشنقة، ولهذا لا يمكن للتنظيمات الإسلامية أن تنظّم مظاهرات.

ولكن أين التنظيمات القومية والأحزاب الأخرى مثل الناصريين والقوميين والتجمّعيين بمختلف مسمّياتهم؟

كما يبدو، هي أيضًا لا تحصل على ترخيص لإقامة مظاهرات من هذا النوع، وذلك خشية من تحوّل المظاهرات من التضامن مع قطاع غزّة إلى مظاهرات ضد النّظام نفسه، ليس فقط بسبب غزة، بل بسبب الأوضاع الداخلية المتردّية، وممارسات النظام القمعية منذ تولّيه السلطة، وحينئذٍ قد تفلت الأمور من يدِ النظام ومن المنظّمين أنفسهم.

هذا يعني أنّ سياسة القمع نجحت في كبت إرادة وحقيقة مشاعر الشّعب المصري تجاه قطاع غزّة، وأضِف إلى ذلك إعلام النّظام المسيطر بشكل عام، والذي يصوّر مواقف السيسي على أنّها مواقف بطولية، ويروّج أنّ مصر مستهدفة، بل ذهب البعض إلى الادّعاء بأنّ كل ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر 2023 كان هدفه توريط مصر في حرب ليست حربها، بزعم أنّ سيناء مستهدفة، وأنّ لإسرائيل أطماعًا في إقامة ممرٍّ مائي بديل عن قناة السويس.

أي أنّ الإعلام المصري الرّسمي ينجح في تصوير مواقف النظام المصري وكأنّها مواقف وطنية وقوميّة وحتى بطولية، ويخفي حقيقة أنّ مواقف النظام المتواطئة سمحت وتسمح للاحتلال بتشديد الحصار ومنع دخول شاحنات الإغاثة الإنسانية الأساسية التي كان يمكن لمصر إدخالها لو مارست ولو قليلًا من الضغط، مستفيدة من قدراتها ومكانتها الإقليمية والدولية.

ستة عشر شهرًا من حرب الإبادة، ولم تخرج في مصر مظاهرة واحدة بعشرات الآلاف، ولا نقول بمئات الآلاف أو الملايين كما حدث في اليمن أو المغرب أو مدريد أو واشنطن أو دابلن أو بروكسل.

هذا يعكس شِدّة قبضة النّظام الذي يخنق كل محاولة تضامن، ويعكس كذلك مدى انشغال الشّعب المصري وخوفه على فقدان القليل الذي يملكه.

هذا المثال المصري للخذلان، ينسحب أيضًا على الفلسطينيين داخل إسرائيل، حيث نجحت يد القمع في إرهاب الناس، وتمكّنت من إخضاع القيادة المحلّية منذ بداية الحرب، عندما رفضت السُّلطات منحهم ترخيصًا للتظاهر، فقبِلت هذه القيادة القيام بدور المواطن المُدَجّن، الذي لن يتظاهر إلا بترخيص من السُّلطة، وبالتالي لم يبقَ لهذا الجمهور العاجز سوى الدّعاء والشتائم.