أصدر "حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي" تقريره الجديد بعنوان "الفجوة الرقميّة: تمييز قطاع الاتصالات الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين"، من إعداد الباحث حبيب مخّول، والذي يوثّق أوجه التمييز الممنهج في البُنى التحتيّة لخدمات الإنترنت والاتصال في الداخل. ويركّز التقرير على الفجوات العميقة التي يعاني منها المواطنون الفلسطينيّون في الحصول على خدمات رقمية عادلة ومتساوية مقارنةً بالمواطنين اليهود، في البلدات الفلسطينيّة، وخاصة في القرى غير المعترف بها في النقب، والتي يسكنها أكثر من 120 ألف مواطن فلسطيني، والمحرومة من خدمات الإنترنت الأساسيّة. يُظهر التقرير أن أكثر من 25% من الفلسطينيّين في الداخل يعتمدون على الهواتف المحمولة كمصدر رئيسي للاتصال بالإنترنت، مقارنة بنسبة أقل بكثير في المجتمع اليهودي، ما يعكس ضعف البنية التحتيّة الثابتة في البلدات العربيّة.
ينطلق التقرير من التأكيد على أن الحق في مناليّة الإنترنت هو حق أساسيّ من حقوق الإنسان. وفي ظل التحوّل الرقميّ المتسارع، يُعدّ هذا الحق مدخلًا رئيسيًا للمشاركة في الحياة العامة، والتعبير، واكتساب المعرفة، والانخراط في مجالات الصحة والتعليم والفضاءات الاقتصاديّة والاجتماعيّة. ومع ذلك، تُظهر البيانات في هذا التقرير أن هذا الحق لا يُمارَس بشكل عادل، حيث تتّسع الفجوة الرقميّة بين فئات تتمتع بخدمات عالية الجودة، وأخرى تُزوّد بخدمات أقل وبجودة أدنى — وهم المواطنون الفلسطينيّون.
يتناول التقرير في فصوله الأولى مظاهر التمييز في مناليّة الإنترنت، حيث يُظهر في الفصل الأول إخفاق الحكومة الإسرائيلية في تطبيق مبدأ الشموليّة في القرى والبلدات البدوية غير المعترف بها في النقب، ما حرم سكانها من خدمات أساسيّة مثل الماء والكهرباء والإنترنت. ويركّز الفصل الثاني على الألياف البصريّة باعتبارها الوسيلة الأسرع للاتصال الرقميّ، من خلال دراسة مقارنة بين الناصرة، كبرى المدن الفلسطينيّة في الداخل، ونوف هچليل ذات الأغلبيّة اليهوديّة. وتُظهر المقارنة توفّر البنية التحتيّة للألياف البصريّة في نوف هچليل بشكل واسع، في حين تفتقر إليها الناصرة تمامًا، بل ولم تُدرج حتى في مناقصات وزارة الاتصالات الإسرائيليّة، ما يعكس سياسات التمييز في التخطيط والتنفيذ. وفي السياق ذاته، يقارن التقرير بين الناصرة ومستوطنة أريئيل غير القانونية، مبيّنًا تفضيل إسرائيل لاحتياجات المستوطنين على حساب الفلسطينيّين.
أمّا الفصل الثالث، فيسلّط الضوء على مظاهر تمييز مماثلة في شبكات الهواتف المحمولة، مشيرًا إلى فجوات كبيرة في التغطية، لا سيّما في مناطق بأكملها في النقب التي تفتقر تمامًا للإرسال. كما يبرز التفاوت بين الناصرة ونوف هچليل، رغم أن ما يفصل بينهما لا يتعدّى شارعًا واحدًا، حيث تقتصر الناصرة على شبكة الجيل الثالث (3G)، في حين تتمتع نوف هچليل بخدمة الجيل الخامس (5G). ويختتم التقرير بتحليل أشكال التمييز الأخرى، مثل تدني جودة البنية التحتيّة وغياب المنافسة، مما يعكس التمييز البنيوي في القطاع الرقميّ.
يوصي التقرير المجتمع المدني الفلسطيني بمواصلة التوثيق والدفع نحو تحسين الموصوليّة، لا سيّما في المناطق المهمّشة في النقب، والتوجّه إلى المسار القضائي لمحاسبة الشركات على التمييز في تقديم الخدمات. كما يدعو المؤسسات الدولية إلى الاعتراف بمناليّة الإنترنت كحق أساسي، والعمل على محاسبة إسرائيل وشركاتها على سياسات التمييز. ويشدّد على أهمية تبنّي معايير دوليّة عادلة تحظر التمييز في البنية التحتيّة الرقميّة وتعزّز العدالة التكنولوجيّة.
يؤكد مركز "حملة" أن الوصول العادل إلى الإنترنت ليس رفاهية، بل حق أساسيّ لا بدّ من حمايته. فالتمييز في البنى التحتيّة الرقميّة يُعدّ شكلًا آخر من أشكال الإقصاء، يتطلّب فضحًا، وإصلاحًا جذريًا. وفي هذا السياق، قال نديم ناشف، مدير مركز حملة: "هذا التقرير يكشف جانبًا خطيرًا من سياسات التمييز الممنهجة ضد المواطنين الفلسطينيين في الداخل. فكما هو الحال في مختلف مناحي الحياة، يشهد المجال الرقمي أيضًا تمييزًا يعيق أي تطوّر في قطاعات التعليم، والصحة، وسوق العمل. في العصر الرقمي الذي نعيشه، يُعدّ الوصول إلى إنترنت عالي السرعة بجودة مناسبة أمرًا ضروريًا لإنجاز المهام اليومية، سواء في العمل، أو المعاملات المصرفية، أو التعلم عن بعد، أو الحصول على المعلومات الصحية. يهدف هذا التقرير إلى كشف هذه السياسات المجحفة وتسليط الضوء على واقعها، وذلك للضغط على صانعي القرار الذين يروّجون لسياسات رقمية شاملة وعادلة، بينما تعكس الحقيقة واقعًا مغايرًا تمامًا".
للاطلاع على التقرير كاملًا، يمكنكم/ن زيارة الرابط هنا.