نظم عشرات الصحفيين في غزة "وقفة احتجاحية" بعيد قتل إسرائيل للزميلين الصحافيين، محمد منصور وحسام شبات، في غارات جوية استهدفتهما أثناء أداء عملهما، متعهدين "بمواصلة العمل رغم الإبادة المستمرة" منذ 7 أكتوبر 2023.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
نُظمت الوقفة، الثلاثاء، بمشاركة عشرات الإعلاميين أمام مستشفى المعمداني بمدينة غزة شمال القطاع، طالبوا فيها بتوفير حماية دولية عاجلة، في ظل التغول الإسرائيلي المتعمد على الحقيقة، مشددين على أن "الكاميرا ستبقى شاهدة، والقلم سيبقى صوتًا للضحايا حتى آخر نفس".
الاثنين، قتلت إسرائيل مراسل قناة "فلسطين اليوم" الصحفي محمد منصور مع عائلته، في قصف استهدف منزله في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وبعد أقل من ساعة استهدفت الصحفي حسام شبات مراسل قناة "الجزيرة مباشر"، في سيارته في منطقة جباليا شمال القطاع، وبذلك ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين الفلسطينيين إلى 208 منذ بدء الإبادة الجماعية في القطاع، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
ثبات في الميدان
وفي كلمته خلال الوقفة، قال الصحفي، يوسف فارس، إن الزميلين منصور وشبات "أظهرا ثباتًا استثنائيًا خلال تغطية العدوان الإسرائيلي، وكانا دائمًا في الصفوف الأمامية إلى جانب المدنيين والمشردين، رغم تلقيهما تهديدات مباشرة من جيش الاحتلال".
وأكد فارس أن الصحفيين في غزة "سيواصلون رفع الكاميرا والقلم في وجه الجريمة، ولن تثنيهم التهديدات أو الاستهدافات، حتى لو كانت الضريبة حياتهم، وفاءً لزملائهم ولرسالتهم المهنية".
الصحفي محمد شاهين روى مشاهد التوثيق التي اعتاد زميله شبات على القيام بها، وقال إنه كان "سباقًا في توثيق الجرائم الإسرائيلية، وحريصًا على نقل معاناة الشعب خلال فترة المجاعة والنزوح".
وأشار إلى أن شبات "تعرض لتهديدات مباشرة ومزاعم كثيرة لم تثنه عن نقل الصورة، لكن عندما عجز جيش الاحتلال عن ايقاف حسام، اختار أن يقتله بصاروخ باغتيال ممنهج ومتعمد".
وطالب شاهين بمحاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، مؤكدًا أن الصحفيين "لن يتنازلوا عن نقل الحقيقة من قطاع غزة وفلسطين".
ومنذ استئنافها الإبادة الجماعية في 18 آذار/ مارس الجاري، قتلت إسرائيل حتى الاثنين 730 فلسطينيًا وأصابت 1367 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة بغزة.
ويمثل هذا التصعيد، الذي قالت تل أبيب إنه يجري بتنسيق كامل مع واشنطن، أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي امتنعت إسرائيل عن تنفيذ مرحلته الثانية بعد انتهاء الأولى مطلع الشهر الجاري.
استهداف مباشر رغم سترات الحماية
وفي شهادة أخرى، أشار مراسل الجزيرة، محمد قريقع، إلى أن الصحفي شبات كان "مثالاً في الالتزام الكامل بمعايير السلامة المهنية، حيث لازم سترته الواقية وخوذته في كل تغطياته، إلى جانب محمد منصور، ورغم ذلك تم استهدافهما بشكل مباشر ومتعمد".
وأكد أن الجيش الإسرائيلي "لا يفرّق بين مدني أو صحفي، حتى لو كان يحمل كل إشارات الحماية الدولية، مشددًا على "ضرورة تحييد الصحفيين عن دائرة القصف والإبادة المتواصلة ضد الفلسطينيين"، ومطالبًا المجتمع الدولي بـ "التحرك العاجل للضغط على إسرائيل لاحترام القوانين والأعراف الدولية".
وختم بالقول: "فُجعنا بفقدان حسام، ونتمنى أن يكون آخر الصحفيين الذين يرتقون، فالكلمة لا يجب أن تُقابل بالصاروخ".
دعوات لمحاسبة إسرائيل
أما عاهد فروانة، ممثل نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فأكد خلال الوقفة على أن الصحفيين في غزة "يضطرون للعمل في ظروف إنسانية ومهنية بالغة الصعوبة".
وأوضح أنهم "يؤدون واجبهم من داخل مراكز الإيواء والمستشفيات، بعد أن دمّرت إسرائيل معظم المؤسسات والمقار الإعلامية خلال حرب الإبادة المستمرة".
وقال فروانة إن ما يتعرض له الصحفيون في غزة هو "أكبر جريمة بحق الإعلام في تاريخ الحروب والنزاعات المعاصرة".
وأشار إلى أن عدد الضحايا من الصحفيين "غير مسبوق"، مقارنة بأي نزاع حول العالم.
وأضاف: "الاحتلال لم يتحمل أن يكون هناك من ينقل الرواية الحقيقية، فسعى لإسكات كل صوت يخالف روايته".
وشدد فروانة على أن الصحفي الفلسطيني بدمه وعدسته وصوته "تمكّن من فضح جرائم إسرائيل وقلب روايتها أمام العالم، رغم كل محاولات التعتيم".
وأوضح أن نقابة الصحفيين قدّمت، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين وعدد من المحامين، ملفات قانونية إلى محكمة الجنايات، "لكن هناك مماطلة في البت بها بفعل الضغوط السياسية، لا سيما الأميركية".
وأشار إلى أن النقابة حصلت على تفويضات قانونية من عائلات الضحايا والمصابين والمعتقلين من الصحفيين، وتستعد لرفع المزيد من القضايا، مؤكدًا أن النقابة ستواصل ملاحقة قادة إسرائيل أمام المحاكم الدولية.
وفي السياق، دعا مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، في بيان، الاثنين، وسائل الإعلام الأميركية إلى إدانة استهداف إسرائيل المتعمد للصحفيين في غزة.
وأكد المجلس أن صمت وسائل الإعلام حيال هذه الجرائم يُشجّع على المزيد من الانتهاكات، مطالبًا بمواقف واضحة ترفض استهداف الصحفيين وتنحاز إلى حرية الصحافة وحماية العاملين في الميدان.
"سنواصل الرسالة رغم الدم"
بدوره، أكد مراسل قناة الجزيرة في غزة، أنس الشريف، أنهم سيستمرون في إيصال رسالتهم الإعلامية "رغم كل التهديدات"، وأن "هذه الجرائم تزيدنا إصرارًا على مواصلة التغطية ونقل الحقيقة للعالم".
فيما وصف مراسل قناة "العربي"، إسلام بدر، يوم مقتل الصحفيين منصور وشبات بأنه "بالغ القسوة"، وأشار إلى أن عدد الصحفيين الذين قضوا منذ بدء العدوان على غزة بلغ 208 شهيدًا، بمعدل شهيد كل يومين، وسط موجة من الاستهدافات والاعتقالات والإصابات التي تطال الإعلاميين بشكل ممنهج، مشددًا على أنه "يتم قتلنا مرتين، مرة بالصمت، وأخرى عندما يُحجب العالم عن روايتنا".
وعبّر بدر عن ثقته بأن "الصحفيين سيواصلون التغطية، وفاءً لأرواح زملائهم، رغم كل التهديدات ومحاولات إسكات الحقيقة".