يقول الأسير المحرر، والكاتب الروائي الفلسطيني، وليد الهودلي، إنه وجد في السجون الإسرائيلية "زنزانة تزهر الرجال والأفكار والصمود، في ظاهرها ويلات العذاب بحق الأسرى الفلسطينيين وفي باطنها الرحمة والفكرة".
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
تلك الرؤية خطها الهودلي بأسلوب روائي في روايته الجديدة "الغرفة الزهراء"، التي صدرت الأسبوع الماضي في 286 صفحة.
في هذه الرواية تتجسد شخصيات أربعة من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم في التبادل الأخير بين حركة "حماس" وإسرائيل وهم: عميد الأسرى نائل البرغوثي، ونضال زلوم، وعلاء البازان، وعبد الرحمن عيسى.
الروائي الفلسطيني، الهودلي، هو لاجئ يعيش بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وصدر له نحو 20 كتابًا ورواية، تحول بعضها إلى أفلام سينمائية، ومن مؤلفاته "مدافن الأحياء"، و"فرحة"، و"ليل غزة الفسفوري"، و"الشعاع القادم من الجنوب".
أمضى الهودلي في سجون إسرائيل 14 عامًا، وعاش مع الأسرى الأربعة المحررين سنوات طويلة خلف القضبان.
يذكر الهودلي، في مقابلة مع "الأناضول"، أن "هذه الغرفة (سجون إسرائيل) أزهرت أيضًا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد، يحيى السنوار".
ويوضّح أن "كل القادة مرّ ذكرهم في الرواية، بما فيهم السنوار، وحسن نصر الله، وصالح العاروري، وإسماعيل هنية، في سياق الشهادة والفعل والحضور المقاوم المشتبك مع المحتل بطريقة فيها إبداع وتميز".
الهودلي تابع أن "السنوار ألقى بظلاله على أبطال الرواية، كونهم عاشوا معه، وكانوا يستذكرونه في كل مفصل من مفاصل الحرب التي تحدث، له مكان مميز كما لبقية القادة الذي استشهدوا في المعركة".
فكرة الرواية
وعن فكرة روايته، يقول الهودلي إنها "تدور بعد 7 أكتوبر (2023)، وما تعرضت له السجون من حالة توحش وتنكيل بشكل مروع" بحق الأسرى الفلسطينيين.
ويضيف أنه "كان لا بد من عمل روائي أدبي لمتابعة الوضع، وكذلك ’طوفان الأقصى’ والأحداث التي جرت في قطاع غزة أيضًا تحتاج إلى أن توثق".
وزاد الهودلي أنه كان لا بد أن "يلعب الأدب دوره في أن يسرد سردية فلسطينية تتناسب مع الحدث الكبير والعظيم من كل النواحي، بما فيها الإجرام الصهيوني و(الدور) البطولي الفلسطيني والألم الفلسطيني".
ثم "جاءت الحرب تلقي ثقلها على السجون بطريقة مختلفة تمامًا، فكان لا بد من عمل روائي أدبي يتابع هذه الملحمة التي تجري في السجون وغزة في ذات الوقت"، وفق الهودلي.
سجن نفحة
الهودلي يقول في حديثه للأناضول إن "محور الرواية هو المكان.. زنزانة في سجن نفحة فيها مجموعة من الأسرى"، وإنهم "أمضوا أحكامًا طويلة جدًا، منهم أطول حكم في التاريخ نائل البرغوثي 44 عامًا، وعلاء البازيان 40 عامًا، ونضال زلوم وعبد الناصر عيسى كل منهم 30 عامًا".
وأردف أن الرواية تتابع "هؤلاء الأسرى كيف وقعت عليهم عذابات السجون في هذه الفترة الحرجة، كيف وقع عليهم العذاب، وكيف تعاملوا معه، وحالتهم النفسية والمعنوية، وكيف تداولوا أخبار الحرب والنقاش الذي يدور في غزة".
وأوضح أن "الرواية فيها خطان؛ الأول مسار الحرب في غزة ومسار العذاب والتوحش في السجون، وكأننا أمام مجزرتين، الأولى بالدم وتدمير في غزة، والثانية بالعذاب والتنكيل في السجون".
وتابع أن "الرواية تتابع المسارين بطريقة متوازية وكيف (عاش) هؤلاء الأسرى القدامى الذين يعتبرون خبراء في كل شيء في مجالات الفكر والشأن الفلسطيني والإسرائيلي".
وأكمل أن "كل الأمور التي كانت محل نقاش كانت تُجرى وفق هذه العقول الكبيرة ذات الخبرة الواسعة على طول الأمد الذي مكثوه في السجون".
أزهرت أبطالاً
وعن تسمية الرواية بـ"الغرفة الزهراء"، قال "لأنها أزهرت كثيرًا من الأبطال، وتم صياغة نفوسهم وتكوينهم الثوري تحت مطارق العذاب والألم في هذه الزنزانة".
واستطرد أنها "أزهرت بالإضافة إلى أبطال وأفكار، مشاريع سياسية وجوانب إنسانية وروحية وتربوية وأخلاقية وأدبية ودينية.. تزهر (الغرفة) كثيرًا.. كان ظاهرها العذاب وباطنها فيه الرحمة والفكرة".
عذابات الأسرى
وبالنسبة إلى خط سير الأحداث في "الغرفة الزهراء"، قال الهودلي إنه قرر السير "وفق ما يجري من أحداث، وكل حدث أكتب عنه وتقمصتُ شخصية الأسرى، فأنثر مما لدي من معان وأدب على لسانهم وأحوالهم بطريقة تتناسب مع شخصياتهم.. كيف فكروا وشعروا وتحركوا وكيف كان نقاشهم وكيف كانت كل صغيرة وكبيرة تحدث في السجون أو في غزة".
وبيّن أن "أكثر المشكلات التي واجهتني في سرد الرواية هو الألم الذي كان ينتابني عند تلقي أخبار مروعة عن عذابات الأسرى، وكيف أحوّل الأفكار والأحداث المخيفة والعنيفة إلى عمل درامي فيها التشويق والسلاسة التي تقتضيها الرواية؛ أن تُفرغ الألم إلى لغة جميلة وشيقة مؤلم جدًا".
تضييقات الاحتلال
وعن طباعة الرواية ونشرها، قال إنه واجه "صعوبات عديدة جراء التضييق الإسرائيلي، الذي يحارب ويلاحق بقوة السلاح كل من يحاول أن يكذّب سرديته".
واعتبر أن "الفضل يعود للطوفان، الذي عمل على التغيير وأحدث نقلة نوعية، وأهمها أن العقل الفلسطيني يمكنه أن يتغلب على العقل الصهيوني".
وختم الهودلي بالتشديد على أن "مَن تغلب في الميدان يتغلب أيضا في الفكرة والأدب والثقافة".
اقرأ/ي أيضًا | تحت وطأة الحائط: كتاب جديد عن تاريخ حارة المغاربة المقدسيّة