على مرمى العين من عصف الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تسابق عيون الفلسطينيين ماراثون (هاريس - ترامب) نحو البيت الأبيض، ليس أملاً في أي منهما في التغيير، بقدر ما هو لتحري المواقف القادمة من واشنطن، فالسياسة الأمريكية حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبقى على حالها وإن تغيرت الوجوه، كما يقول مراقبون. في الأوساط السياسية الفلسطينية، ثمة مدلول واحد، وهو أن المرشحين، وإن بدا التنافس بينهما على أشده، فهما متفقان على دعم كيان الاحتلال، وتبني موقف الأعمى تجاه ما يجري في غزة وعلى امتداد الأرض الفلسطينية، وهذه سياسة ثابتة ومستمدة من عموم الإدارات التي تعاقبت على البيت الأبيض على مر التاريخ.

في غزة التي دمرها العدوان البربري المستمر من أكثر من عام، وبيروت التي أشعلت حربها الثالثة من فتيل غزة، يترقب المواطنون السباق الانتخابي، في محاولة لتلمس المنحى الذي ستسلكه الإدارة الأمريكية الجديدة، وآلية تعاطيها مع تشظيات المواجهة المحتدمة على أكثر من محور في الإقليم.

العدوان على غزة، يبدو مضبوطاً على ساعة البيت الأبيض، وهي تكمل دوران عقاربها من حيث توقفت مع الرئيس جو بايدن، وما بين فوز كامالا هاريس على هيئة بايدن، أو عودة دونالد ترامب بنسخة لن تبتعد كثيراً عن رئاسته الأولى، ينصب الاهتمام على خريطة الطريق الأمريكية الجديدة حيال الحرب، بينما يتحرى الفلسطينيون، حسابات تل أبيب، إزاء الفوارق المحتملة في الموقف من الحرب، إذ أن فوز هاريس، ربما يسرع بعض الشيء بحل سياسي، فيما إعادة انتخاب ترامب سيعطي للحرب المزيد من الوقت، وفق حسابات النخب السياسية.

قبل أربع سنوات، كان الفلسطينيون يعبّرون عن ارتياحهم لخسارة الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، دون أن يرحبوا بفوز الأخير.
آنذاك علق مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الدولية، نبيل شعث، معتبراً عهد ترامب بأنه الأسوأ بالنسبة للشعب الفلسطيني، وأن الخلاص منه مكسباً، بغض النظر عن هوية الرئيس القادم، بينما اعتبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، أن واشنطن بحاجة للعلاج من «الترامبية» كي تستعيد توازنها الأخلاقي والإنساني.

في حينه شكّل التدخل الفج وغير المسبوق لـ»صاحب صفقة القرن» في الشؤون الفلسطينية، مؤشراً على ابتهاج الفلسطينيين لخسارته، وبما أن حكومة الاحتلال بزعامة نتنياهو تعتبر فوز ترامب، نصراً كبيراً وإستراتيجياً لها، فضلاً عن مواقفه المنحازة بالمطلق لكيان الاحتلال، فمن البديهي أن يتمنى الفلسطينيون «أقل الضررين» بخسارته وفوز منافسته كامالا هاريس.

وفيما يتصاعد غبار الحرب العدوانية على جبهتي غزة وبيروت، ويتسارع العد التنازلي للسباق الانتخابي نحو البيت الأبيض، لم يخف مسؤولون مقربون من القيادة الفلسطينية قلقهم من حدوث تغييرات جوهرية في السياسة الأمريكية حال فوز دونالد ترامب. وثمة من كبار مساعدي الرئيس محمود عباس من يرى أن التغييرات المرتقبة تتراوح ما بين العودة إلى صفقة القرن، والضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى مفاوضات مباشرة مع الكيان، وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ويتقدم على كل ما ذكر، دعم وتأييد استمرار الحرب الدامية على غزة.
وبالعودة إلى سياسية ترامب المنحازة بالمطلق لكيان الاحتلال، فقد بدأت منذ ما عرف بـ «صفقة القرن» مروراً بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، ولم تنته عند إضفاء الشرعية على الاستيطان، ورفض اعتباره عقبة أمام تحقيق السلام.

وبرأي مراقبين، لم يعد انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية مرتبطا بوقف الحرب في غزة، فالأوساط السياسية أقرت بنعي المبادرة الأمريكية الأخيرة للتهدئة، كما أن الوفود الأمريكية التي جالت في المنطقة، خرجت ولن تعود، أقله حتى انتهاء العملية الانتخابية.
فيرى الخبير في العلاقات الدولية وسام بحر، إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ستعزز فرص استمرار نتنياهو في الحرب، وفرض وقائع أكثر إيلاماً في غزة، من خلال توسيع دائرة التدمير واستهداف المدنيين، بينما لا ترغب هاريس في تدشين أول ولاية لسيدة أمريكية، بانفجار أوسع.
يوضح بحر: «حتى لو بنى ترامب برنامجه الانتخابي على شعار «لو كنت رئيساً لما جرت الحرب» إلا أن فوزه من شأنه أن يبقي المنطقة مشتعلة، وسيكون نتنياهو المستفيد الأكبر من خلال الضغط أكثر بالقوة المفرطة».

بينما يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، أن فوز ترامب سيعيدنا إلى «صفقة القرن» وسيكون الانخراط في أي مسار سياسي في عهده، كمتاهة جديدة وتحت سقف منخفض، ما يعني مفاوضات قوامها المساومة.
وخلص مراقبون إلى أن انتخاب ترامب لولاية جديدة، سيضع الفلسطينيين أمام خيارين: المشاركة في عملية سياسية وفق شروط ترامب، وهي ذات الشروط التي يتبناها نتنياهو، أو التوقف عن أي جهد سياسي في عهده كما جرى قبل أربع سنوات.