أثبتت دولة قطر على مدار العقود الماضية التزامها الراسخ بدعم التعاون العربي وتعزيز الروابط بين الدول العربية، من خلال موقفها الثابت في الانحياز إلى القضايا العادلة للشعوب وتقديم المساندة المطلوبة لكل دولة عربية، من المحيط إلى الخليج، وشكلت جهودها المستمرة في دعم القضايا العربية موقفا مشهودا على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما جعلها نموذجا يحتذى في نصرة قضايا الأمة.
تستند مواقف دولة قطر الثابتة حيال التعاون والتضامن العربي إلى مبادئ راسخة مستمدة من دستورها الوطني، حيث تنص المادة السابعة منه على أن السياسة الخارجية للدولة تبنى على "مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام". هذه المبادئ توجه سياسة قطر الخارجية نحو دعم القضايا العربية والعمل على تعزيز الوحدة والتكامل في المحافل الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، تستمد دولة قطر قوتها من موروثها الحضاري والثقافي العريق الذي يشكل جزءا أساسيا من هويتها. وتتبنى قطر نهج الاعتدال والتسامح الثقافي والديني في تعاملها مع مختلف الأطراف، مما يساهم في تعزيز التواصل والتعاون مع الجميع، وتفتخر بانتمائها الخليجي والعربي، إذ تعتبر عضوا فاعلا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب انضمامها للعديد من المنظمات الإقليمية والدولية.
منذ استقلالها عام 1971، كرست قطر جهودها لتعزيز التعاون الدولي، مسجلة حضورها في منظمة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي. وتأتي هذه الخطوات بهدف تعزيز دورها الإقليمي في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، فضلا عن دعم الحوار بين الحضارات والمساهمة في تحقيق الأمن والسلم على الصعيد العالمي.
وفي أول خطاب له عند توليه الحكم في يونيو عام 2013، أكد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على عمق علاقات الأخوة والتضامن التي تربط قطر بالأمة العربية، مشددا على التزام دولة قطر بدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وتستند دولة قطر في هذا الالتزام إلى رؤيتها الوطنية 2030 التي تعزز دورها كعضو نشط ومسؤول في المجتمع الدولي، وتسعى لتحقيق السلام والأمن العالميين من خلال مبادرات سياسية واقتصادية ومساعدات تنموية وإنسانية. وقد انعكس هذا النهج في مساهماتها المتواصلة في مجالات التعاون الدولي، خاصة في محيطها العربي، حيث لعبت دورا فاعلا في مختلف المشاريع التنموية والإنسانية.
وعلى صعيد متصل، تتبع دولة قطر سياسة خارجية مستقلة ومرنة ترتكز على الحوار والدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة لحل النزاعات بالطرق السلمية. وتعتبر هذه السياسة أداة فعالة في منع الصراعات وحفظ الأمن والسلم الدوليين.
كما تلتزم دولة قطر في جهودها للوساطة ومساعيها الحميدة بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، حيث لعبت دورا رياديا في الوساطة في العديد من النزاعات والقضايا الإقليمية والدولية على مدار العقدين الماضيين. وقد دأبت قطر على بذل جهود حثيثة للتوسط بين عدد من الدول والأطراف المتنازعة ذات الخلفيات السياسية والعرقية المتنوعة، مستجيبة لطلبات تلك الدول والأطراف المتنازعة ومراعية في الوقت ذاته سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وركزت قطر بشكل خاص على محيطها العربي لتعزيز التفاهم وتحقيق المصالحة، مساعدة في وضع أسس حلول سياسية سلمية ومستدامة تهدف إلى بناء أرضية مشتركة للأطراف المختلفة.
وانطلاقا من إيمانها الراسخ بمركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمتين العربية والإسلامية، كانت دولة قطر دائما سباقة لدعم الشعب الفلسطيني، حيث لم تتوان عن تقديم الدعم المادي والمعنوي لقضيته العادلة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. كما لعبت الدوحة دورا نشطا في محاولات رأب الصدع بين الأشقاء الفلسطينيين، وأثمرت جهودها للتقريب بين قيادتي حركة فتح وحركة حماس، نجاحات في تضييق هوة الخلافات بينهما في مناسبات متعددة.
وشكلت زيارة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني "حفظه الله" لقطاع غزة في الأول من أكتوبر 2012 خطوة تاريخية لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، حيث أعلن آنذاك عن تقديم مساعدات وتنفيذ مشاريع تنموية لدعم سكان غزة، وهو ما جرى تنفيذه بالفعل. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر عام 2023، كثفت دولة قطر جهودها الدبلوماسية عبر وساطة فعالة بالتعاون مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية، مما أسفر عن تحقيق عدة هدن مؤقتة. واستمرت في بذل مساعيها من أجل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع ورفع المعاناة عن أهالي القطاع، إلا أن المواقف الإسرائيلية المتعنتة حالت دون ذلك.
ومنذ بدء الأزمة السورية في مارس عام 2011، أعلنت دولة قطر موقفها الثابت في دعم الشعب السوري، حيث حرصت على تقديم مساعدات إنسانية للمواطنين السوريين المتضررين من الأزمة، سواء للنازحين داخل البلاد أو اللاجئين منهم إلى دول الجوار. وقد بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية المقدمة من قطر نحو 1.6 مليار دولار، في خطوة تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب السوري ودعمه في أزمته.
أما في ما يتعلق باليمن، فمنذ اندلاع الأزمة اليمنية في يناير عام 2011، حرصت دولة قطر على الوقوف إلى جانب الشعب اليمني، مقدمة الدعم والمساعدات الإنسانية سواء ماديا أو عينيا عبر جمعياتها الخيرية، وذلك لتخفيف معاناة المتأثرين من الحرب في اليمن.
وفي إطار اهتمامها بقضايا الاستقرار في الوطن العربي، أسفرت الجهود القطرية عن تحقيق السلام بين حكومة السودان وعدد من حركات التمرد في إقليم دارفور، مما أدى إلى توقيع اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور في يوليو عام 2011.
كما استمرت دولة قطر في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة والملحة بعد اندلاع الأزمة الحالية في السودان منذ أبريل عام 2023، تأكيدا على التزامها المستمر بدعم الشعب السوداني في ظل الظروف الراهنة.
ولعبت دولة قطر دورا فعالا في الأزمات التي مر بها ويمر بها لبنان حاليا. ففي يوليو عام 2006، زار صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني "حفظه الله" العاصمة اللبنانية بيروت التي شهدت دمارا كبيرا جراء العدوان الإسرائيلي، حيث قدمت قطر مساعدات كبيرة للشعب اللبناني.
وواصلت دولة قطر تقديم الدعم والمساعدة للبنان في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر عام 2023، والذي اشتدت حدته في الأسابيع الأخيرة، تأكيدا على التزامها الثابت بتعزيز صمود الشعب اللبناني ومساندته في الأوقات العصيبة.
وبخصوص الوضع في ليبيا، ظلت دولة قطر تقوم بواجبها تجاه الأشقاء في ليبيا، ووقفت على مسافة واحدة، كما دعمت مخرجات الاتفاق السياسي بين أطراف الصراع في ليبيا، ورعت المصالحة بين قبائل التبو والطوارق الليبية إلى حين توقيع اتفاق السلام بينهما بالدوحة في نوفمبر عام 2015 والذي يعد خطوة في طريق المصالحة الشاملة والوئام والوحدة والاستقرار، ويعكس التزام دولة قطر الدائم بتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة من خلال الجهود الدبلوماسية والحوار البناء.
ويحسب للدبلوماسية القطرية دورها الإيجابي والفعال في الوساطة بين الفرقاء في الصومال، بالإضافة إلى جهودها المتميزة في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا في مايو عام 2021. هذه المبادرات عززت من مكانة قطر الإقليمية والدولية، حيث ينظر الصوماليون إليها بارتياح وتقدير كبيرين لما تقدمه من دعم أخوي صادق، مما يعكس التزام دولة قطر بتحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون في المنطقة.
إدراكا منها لأهمية التعاون العربي، تواصل دولة قطر جهودها الرامية إلى تعزيز التضامن العربي في مختلف الجوانب، بهدف تقوية اللحمة العربية والتعبير عن قضايا الشعوب العربية وهمومها، مع السعي لضمان حقها في العيش بكرامة واستقرار ورخاء وتنمية.
وفي هذا السياق، يشارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية المزمع عقدها يوم غد الإثنين في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية الشقيقة.
وتأتي هذه القمة امتدادا للقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة التي انعقدت بالرياض في نوفمبر عام 2023، حيث يأمل قادة الدول العربية والإسلامية أن تفضي القمة إلى توحيد الجهود والخروج بموقف جماعي موحد، يعبر عن الإرادة المشتركة في مواجهة التحديات الخطيرة وغير المسبوقة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة قطاع غزة، فضلا عن العديد من الدول العربية الأخرى، ما يستوجب تعزيز وحدة الصف العربي والإسلامي.