لا جديد يذكر في مفاوضات وقف العدوان الاقتلاعي على قطاع غزة، سوى بث أجواء التفاؤل، بقرب التوصل إلى تسوية سياسية تتضمن صفقة لتبادل الأسرى، لكن بين إغماضة وانتباهتها، تتحول أجواء التفاؤل إلى مخاوف من تعثر جديد، إذ في كل مرة يكثر فيها الحديث عن تقدم في المباحثات، يظهر كيان الاحتلال ما يؤشر على أنه غير معني بالاتفاق أو الإفراج عن أسراه الأسرى، فيصر على الاستمرار في حرب الإبادة، وكل ما يتفرع عنها من مجازر صاخبة، ترتكب آناء الليل وأطراف النهار.
وخلال أسبوع المباحثات في الدوحة، تكررت على لسان شركاء العملية السياسية عبارات على نحو: «الاتفاق بات ممكناً، والظروف تبدو مواتية للحل، إلا إذا أراد نتنياهو غير ذلك، وقدم الكيان شروطاً وتعقيدات جديدة» وبالتوازي مع ذلك، يرتكب جيش الاحتلال جرائم غير مسبوقة في قطاع غزة، حتى خلال الأيام الأولى للعدوان.
ولئن اعتقد مراقبون بأن الاتفاق أصبح على تخوم التوقيع، رشح من مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الشرق» ما يفيد بأن كيان الاحتلال لا زال معنيا بإطالة أمد عدوانه، من خلال اشتراطات تعجيزية، يقف على رأسها شرط الحصول على أسماء كافة الرهائن الإسرائيليين في قبضة المقاومة.
«إلا إذا.. تفتح باب الشيطان، وتحتمل نسف الاتفاق، وتبخر الآمال بتسوية سياسية» هكذا علّق المحلل السياسي المختص في الشؤون الإسرائيلية نهاد أبو غوش، مستعرضاً تعقيدات إسرائيلية عدّة، تحول دون التوصل لاتفاق، وأهمها الأسرى الفلسطينيون الذين سيطلق سراحهم، وإصرار دولة الاحتلال على استخدام «الفيتو» على بعض الأسرى، والمطالبة بإبعادهم إلى دول أخرى.
ولفت أبو غوش إلى أن طلب كيان الاحتلال الكشف عن أسماء جميع الأسرى الإسرائيليين لن يكون مقبولاً لدى حركة حماس، طالما أن الصفقة ستتم على مراحل، مبيناً أن الفجوات التي تعترض طريق الاتفاق ليست هامشية بما يسهّل تجاوزها أو التغلب عليها، وإنما قضايا مفصلية في محور النقاش.
ويقرأ محللون في إصرار كيان الاحتلال على تحليل وتشخيص قوائم الأسرى الفلسطينيين، والإدّعاء بخطورة إطلاق سراحهم واستقرارهم في قطاع غزة أو الضفة الغربية، بأنه ذريعة سياسية من النافذة الأمنية، يستخدمها الكيان لاقناع الوسطاء، لممارسة الضغط على حركة حماس، كي ترضخ لشروطه.
وغني عن القول، إن عودة مدير وكالة المخابرات الأمريكية المركزية وليام بيرنز إلى واشنطن بخفي حنين تؤشر على صعوبة التوصل إلى تسوية بشأن القضايا الخلافية، وأبرزها أسرى الجانبين، وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، ما يقلل حسب أوساط سياسية، من فرص الاتفاق قبل 20 يناير المقبل، موعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وثمة مراقبون يرون أن دولة الاحتلال معنية بـ»التعقيدات» التي تستخدمها في سياق النسق الضاغط، بهدف استمرار الخلافات حول القضايا الجوهرية، ولكي تستمر حالة المراوحة في المكان، بل وفي أحيان كثيرة تراجع مستوى التفاؤل، من خلال التغوّل أكثر في قتل المدنيين العزل في قطاع غزة.
وخلال الأيام القليلة التي رافقتها أجواء تفاؤل بقرب التوصل إلى صفقة، استشهد أكثر من 200 فلسطيني في قطاع غزة، الذي لا زال يئن تحت وطأة حصار مطبق ومجاعة قاتلة، في وقت يفترض فيه تهيئة الأجواء أمام الحل السياسي، بخفض مستوى الغارات التي تستهدف المدنيين كـ»بادرة حسن نية» لكن آلة إعلام الكيان، أوضحت إن في ايقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا، رسالة بالغة الحدة لحركة حماس، بالرضوخ للشروط، وإلا «فالأسوأ آت».