في خطوة جديدة تعكس استمرار الجهود الدولية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجددا من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري حول التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال وعضو في الأمم المتحدة، فيما يتعلق بوجود وأنشطة الأمم المتحدة ووكالاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يأتي هذا الطلب في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية، واستمرار السياسات الإسرائيلية التي تعيق وصول المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية إلى الشعب الفلسطيني.
وكانت الجمعية العامة قد طلبت في يناير 2023 رأيا استشاريا مماثلا من محكمة العدل الدولية حول التبعات القانونية للسياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. وفي يوليو الماضي، أصدرت المحكمة رأيا أكدت فيه عدم قانونية استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وشددت على ضرورة عدم اعتراف المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، بالوضع الناشئ عن هذا الاحتلال.
وفي جلسة يوم السبت الماضي، اعتمدت الجمعية العامة قرارا جديدا بتأييد 137 عضوا، مقابل معارضة 12، وامتناع 22 عن التصويت، يطلب من محكمة العدل الدولية إصدار فتوى جديدة حول التزامات إسرائيل فيما يتعلق بعمل الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة في الأراضي الفلسطينية.
وأعرب القرار عن القلق البالغ إزاء الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، داعيا إسرائيل إلى الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ووقف أي تدابير تعيق إيصال المساعدات الإنسانية والتنموية إلى الشعب الفلسطيني.
كما أشاد القرار بدور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /الأونروا/، خاصة في ظل الظروف القاسية التي يعيشها سكان قطاع غزة.
من جانبه، رحب المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، بقرار الجمعية العامة، مؤكدا أن الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقف تضامنا مع اللاجئين الفلسطينيين. وطرح لازاريني تساؤلات حول مشاريع القوانين الإسرائيلية الهادفة إلى تفكيك الأونروا وحرمان الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية والتعليمية الأساسية.
وأضاف لازاريني أن هذا القرار يأتي بعد الرأي الاستشاري السابق لمحكمة العدل الدولية، الذي شدد على عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أحدث تصريح له عبر منصة إكس، أكد لازاريني أن إسرائيل انتهكت جميع قواعد الحرب في قطاع غزة، مشيرا إلى أن الهجمات على المدارس والمستشفيات أصبحت ظاهرة مألوفة، وأنه لا ينبغي للعالم أن يعتاد على مثل هذه الانتهاكات الجسيمة.
واختتم تصريحه قائلا: "لقد تأخر وقف إطلاق النار في غزة كثيرا".

إلى ذلك رحبت دولة قطر باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإحالة حظر /الأونروا/ إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى قانونية في اتهامات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /الأونروا/ بالإرهاب، وكذلك قراراتها بحظر عمل الوكالة في الأراضي المحتلة.
واعتبرت وزارة الخارجية القطرية، في بيان لها، أن اعتماد القرار بغالبية 137 صوتا، يعكس الرفض الدولي الواسع لقرارات سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحظر أنشطة /الأونروا/ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجددت الوزارة تحذير دولة قطر من أن حظر أنشطة /الأونروا/ سيؤدي إلى نتائج إنسانية وسياسية خطيرة، لا سيما حرمان ملايين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا من خدماتها الضرورية، فضلا عن تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة إلى مناطقهم وبيوتهم.
وأكدت وزارة الخارجية القطرية دعم دولة قطر لوكالة /الأونروا/، انطلاقا من موقفها الثابت والداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي ذات الاتجاه لاقى القرار الأممي استجابة وردود أفعال واسعة، فقد رحب بيان صادر من جامعة الدول العربية بالقرار الذي طلب إحالة حظر /الأونروا/ إلى محكمة العدل الدولية، وأشار البيان إلى أن التصويت الكبير لصالح هذا القرار يعكس رأيا عاما دوليا رافضا لقرارات سلطات الاحتلال بحظر /الأونروا/ وإنهاء دورها في الأراضي الفلسطينية، كما يعكس على نحو خاص القلق الشديد من انهيار عمليات الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة بصورة كلية، في حال تم إنهاء دور وكالة /الأونروا/ في القطاع، كما يرغب الكيان الإسرائيلي.
وفي إطار ردود الفعل أيضا، رحبت منظمة التعاون الإسلامي في بيان لها، باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار الجديد، وأكدت المنظمة، أن جميع خطط وتدابير الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك التشريعات التي تؤثر في وجود وعمليات وحصانات الأمم المتحدة وكياناتها وهيئاتها، بما فيها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /الأونروا/ والمنظمات الدولية الأخرى، فإن كل تلك التشريعات الإسرائيلية، تشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، ومن شأنها أن تحرم الشعب الفلسطيني من المساعدات الأساسية وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها.
وبحسب القانونيين، وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة هي المحكمة الدولية الوحيدة التي تفصل في النزاعات بين الدول وتقدم آراء استشارية في القضايا القانونية الدولية، فإن أي رأي يصدر عن أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة لن يكون ملزما، ولكنه يأتي في ظل ضغوط قانونية دولية متزايدة على الكيان الإسرائيل بشأن الحرب في قطاع غزة، وقد يترتب على رأي المحكمة زيادة الضغوط السياسية على إسرائيل بسبب عدوانها المدمر على القطاع والمستمر منذ أكثر من عام.