تزدان العاصمة العراقية بغداد بالعديد من المكتبات الثقافية العريقة، والتي ما زالت حاضرة تقوم بدورها كمركز إشعاع حضاري ومنبع للحركة الثقافية والفكر الإنساني على الرغم من قدمها.
وتزخر تلك المكتبات العريقة بالكثير من المصادر والمؤلفات المتنوعة في مختلف مجالات المعرفة، ما يجعلها ثروة ثقافية وتاريخية عريقة، كما تزخر العاصمة بغداد كذلك بالعديد من المكتبات الحديثة التي تضم هي الأخرى ألوانا مختلفة من المصادر من كتب عربية وأخرى مترجمة تشمل مختلف اللغات، ما يجعل كل هذه المكتبات بنوعيها التاريخي والحديث، امتدادا ثقافيا يربط الماضي بالحاضر ويتطلع نحو المستقبل.
ولم يقتصر دور المكتبات في بغداد على بيع وعرض الكتب فحسب، بل ظلت منتديات أدبية يقضي فيها كبار الأساتذة والأدباء والمثقفين أوقاتهم وينهلون من زادها، الذي يتشعب ليشمل مختلف حقول الفكر والمعرفة.
ومن بين هذه المكتبات المكتبة القادرية، التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس الهجري عندما كانت تدرس الفقه والشريعة، وكان يتولى التعليم فيها الراحل الشيخ عبدالقادر الكيلاني، والذي سميت المكتبة باسمه وتوارث أولاده وأحفاده إدارتها.
وتحتوي المكتبة على عشرات الآلاف من الكتب المتنوعة، بالإضافة إلى نسخ من القرآن الكريم التي خطت بماء الذهب، وعند التجول في أروقتها يشد انتباه الزائر عدد آخر من المكتبات الشخصية المتاخمة لها بالنتاج الفكري والمعرفي، ما يعكس عمقا تاريخيا وحضاريا لمكانة أصحابها، وشاهدا حيا على حقب عديدة مر بها العراق، وحافظت فيها على إرث حضاري يأبى الاندثار.
وعلى ضفاف الجهة الشرقية لنهر دجلة يقع شارع المتنبي وسط بغداد والذي يسمى بـ /شارع الثقافة/، حيث يتميز بمكتبات متعددة يعود تاريخها إلى عصور قديمة، وتعد وجهة للعراقيين والزائرين لعالمها الذي يفيض ثقافة وفنا، بالإضافة إلى ما يزخر به ذات الشارع من مراكز ثقافية تروي تاريخ بغداد العريق بكل ما هو مبدع وخلاق.
ويكتظ شارع المتنبي و/سوق السراي/ ببسطات متجاورة فوق الأرصفة، بجانب مكتبات تاريخية، تواكب مستجدات الإصدارات الورقية محليا وعربيا وعالميا، بل وتتكيف مع معطيات العصر، ببيع الكتب الإلكترونية.
ولا تقتصر المكتبات في العاصمة بغداد على /سوق السراي/ وشارع المتنبي، فحسب، بل يقف شارع الرشيد شاهدا على مكتبات أخرى لبيع وشراء الكتب، إلى جانب مناطق أخرى في العاصمة تزدان بمكتبات تاريخية عريقة وأخرى حديثة.
وفي هذا السياق، قال القاص حميد المختار، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن الثقافة العراقية تشكلت في /سوق السراي/، الذي شهد صناعة الكتب منذ القدم، حيث كان يسمى /سوق الوراقين/ بجانب مكتبة الفلفلي، التي ظلت تزود قراءها بإرث معرفي زاخر، حيث تضم مخطوطات وكتبا نادرة، بجانب كتب أخرى جديدة، وتعد من أقدم المكتبات في العراق، حين أسسها حسين الفلفلي في عام 1930.
ومن بين المكتبات التي تزخر بها بغداد كذلك تأتي مكتبة التحرير التي أنشئت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، والتي بدأت بسرادق صغير على قارعة الطريق أنشأه بناي جار الله، ليرثها عنه ابنه سام، والذي قال: إن المكتبة شكلت مع مجموعة أخرى من المكتبات العريقة أهم مصادر الثقافة العراقية، حتى أصبحت أحد أهم المراجع للأدباء والمثقفين، كما ساهمت في عملية تطور العراق، خصوصا في فترة السبعينيات.
وحول أهم المكتبات العراقية وتاريخها، قال علي الفواز رئيس اتحاد الأدباء العراقيين، في تصريح مماثل، إن هناك مكتبة /آشور بانيبال/ والتي اكتشفت في مستهل أعمال التنقيب الأثرية في بلاد ما بين النهرين بين عامي 1851 و1845 في /تل كيونجيك/ بالقرب من مدينة الموصل شمالي العراق، وهي شاهدة على الإرث الحضاري العريق للعراق والذي تطور بانتشار رقعة المكتبات في البلاد في العصور التالية، وخاصة مع انتشار المطابع.
وأضاف أن مكتبة المتحف العراقي التي تأسست عام 1933، كانت شاهدة أيضا على مرحلة أخرى من مراحل التوسع في إنشاء المكتبات، حيث بدأت بقاعة في مديرية الآثار القديمة وشهدت توسعا بإقامتها في بناية جديدة بجانب مبنى المتحف العراقي المطل على شارع المأمون، واصفا إياها بأنها مكتبة متنوعة تضم العديد من الكتب المهداة والتي يدور أغلبها حول موضوعات الشرق الأدنى والأوسط، وتحديدا في التاريخ والتراث، كما تحتوي على مجلات وصحف ومخطوطات تاريخية ثمينة، بلغات شرقية وغربية.
ولفت الفواز إلى أن المكتبات في العراق تتوزع بين مكتبات أهلية وأخرى حكومية، وأن هناك فئة كبيرة من المثقفين ترتاد المكتبات العامة الحكومية، ويتم إتاحتها للقراء مجانا، غير أنها تقتصر على الاطلاع الداخلي، دون الإعارة الخارجية.
وأضاف: "هناك أيضا مكتبة حمدي قدوري العامة في تكريت مركز محافظة صلاح الدين، والتي أوصى صاحبها ورثته بإلحاقها بمكتبة تكريت العامة، وتضم العديد من المراجع، التي يتم إتاحتها لطلبة الدراسات العليا والأولية في جامعة صلاح الدين، والذين يستفيدون منها منذ نصف قرن وحتى الآن".
وأشار إلى أن محافظات العراق الثماني عشرة تشتهر بثلاث مكتبات عامة، بينما تتفرد بغداد بمكتبتين، كما ينتشر الباعة على أرصفة الشوارع في جميع مدن العراق لبيع الكتب، لافتا إلى أن اتحاد الأدباء العراقيين لديه مكتبة /ألفريد سمعان/ العامة، ويتم إتاحتها لجميع القراء والمهتمين على مدار اليوم، كما تتيح خدماتها بالمجان، فضلا عن أن هناك مكتبات لطلبة الجامعات إلى جانب المكتبة الوطنية التي تأسست عام 1920، ويتم إتاحتها لطلبة الدراسات العليا مجانا للقراءة والاستنساخ ورقيا وإلكترونيا.