لا تزال أصداء تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي سيتسلم في 20 يناير الجاري "مفاتيح البيت الأبيض"، عن رغبته في ضم كندا وجزيرة غرينلاند وقناة بنما تتردد سياسياً وإعلامياً في العديد من دول العالم خاصة المعنية بما قال.

منذ فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية نوفمبر الماضي، أعرب ترامب مراراً عن تطلعه إلى السيطرة على غرينلاند وقناة بنما، كما دعا لضم كندا إلى الولايات المتحدة، قائلاً في أحد تصريحاته إنه يريد أن يجعل غرينلاند جزءاً من الولايات المتحدة، وإنه لا يستبعد استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية لإجبار الدانمارك على منحها لواشنطن.

والأيام الماضية، جدد ترامب دعوته لانضمام كندا إلى الولايات المتحدة، قائلاً في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي "إذا اندمجت كندا مع الولايات المتحدة، فلن تكون هناك تعرفات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تماماً من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار".

فما هي غرينلاند وما علاقتها بالدنمارك وأهميتها لواشنطن؟

غرينلاند هي أكبر جزيرة في العالم، حيث تفوق مساحتها دولاً كالمكسيك، لكن طقسها شديد البرودة ولا يسكنها إلا نحو 57 ألف نسمة، وهي تقع بين المحيط الأطلسي الشمالي وقارة أمريكا الشمالية، وتتبع الدانمارك منذ نحو 600 عام لكنها تتمتع بالحكم الذاتي، بحسب موقع الجزيرة نت، الذي عدّد أبرز المعلومات عن "غرينلاند" استناداً لتقرير لوكالة رويترز للأنباء.

لماذا يريد ترامب غرينلاند؟

موقعها الإستراتيجي ومواردها، فهي تقع على أقصر طريق من أوروبا إلى أمريكا الشمالية، وهي بذلك مهمة للنظام الأمريكي للتحذير من الصواريخ الباليستية.

وعبرت الولايات المتحدة عن اهتمامها بتوسيع وجودها العسكري عبر أمور، منها وضع رادارات هناك لمراقبة المياه بين الجزيرة وآيسلندا وبريطانيا، إذ تعد تلك المياه بوابة للسفن البحرية والغواصات النووية الروسية.

وتتميز الجزيرة بثرواتها من المعادن والنفط والغاز الطبيعي، إلا أن التنمية فيها بطيئة. وتبعد عاصمتها نوك عن مدينة نيويورك الأمريكية مسافة أقل مما تبعد عن العاصمة الدانماركية كوبنهاغن.

وأظهر مسح أجري في 2023 أن 25 من أصل 34 معدنا تعتبرها المفوضية الأوروبية من "المواد الخام الأساسية" تسنى العثور عليها في غرينلاند. وتشمل هذه المعادن المواد المستخدمة في البطاريات مثل الغرافيت والليثيوم وما تسمى بالعناصر الأرضية النادرة المستخدمة في المركبات الكهربائية ومولدات طاقة الرياح.

وتحظر غرينلاند استخراج النفط والغاز الطبيعي لأسباب بيئية، كما واجه تطوير قطاع التعدين فيها عراقيل بسبب البيروقراطية ومعارضة السكان الأصليين.

وأدى هذا إلى اعتماد اقتصاد غرينلاند على الصيد الذي يمثل أكثر من 95% من الصادرات، وعلى الإعانات السنوية من الدانمارك التي تغطي ما يقرب من نصف الميزانية العامة. وتنفق الدانمارك في المجمل ما يقل قليلا عن مليار دولار سنويا على غرينلاند، أو ما يعادل 17 ألفا و500 دولار سنويا لكل فرد من سكانها البالغ عددهم 57 ألفا.

ما الوجود الأمريكي في غرينلاند الآن؟

للجيش الأمريكي وجود دائم في قاعدة بيتوفيك الجوية في شمال غرب غرينلاند. ونص اتفاق عام 1951 بين الولايات المتحدة والدانمارك على حق واشنطن في بناء قواعد عسكرية في غرينلاند وحرية نقل قواتها على أراضيها ما دامت أخطرت الدانمارك وغرينلاند.

وقال كريستيان سوبي كريستنسن الباحث في مركز الدراسات العسكرية بجامعة كوبنهاغن إن الدانمارك استضافت تاريخياً الجيش الأمريكي في غرينلاند، لأن كوبنهاغن لا تملك القدرة على الدفاع عن الجزيرة الشاسعة بنفسها، وكذلك بسبب الضمانات الأمنية الأمريكية المقدمة للدانمارك من خلال حلف شمال الأطلسي.

ما وضع غرينلاند الآن؟

تخضع غرينلاند لسيطرة الدانمارك منذ قرون، في السابق كمستعمرة والآن كإقليم شبه مستقل تحت مملكة الدانمارك. وتخضع للدستور الدانماركي، مما يعني أن أي تغيير في وضعها القانوني يتطلب تعديلاً دستورياً.

وفي عام 2009، مُنحت الجزيرة حكماً ذاتياً واسع النطاق يشمل الحق في إعلان الاستقلال عن الدانمارك عبر استفتاء. ودأب ميوتي إيجيدي رئيس وزراء غرينلاند الذي كثف جهوده من أجل الاستقلال على القول إن الجزيرة ليست للبيع وإن الأمر متروك لشعبها لتقرير مستقبله.

وقبل عقود، سعت الولايات المتحدة في عهد الرئيس هاري ترومان آنذاك إلى شراء الجزيرة كأصل إستراتيجي أثناء الحرب الباردة مقابل 100 مليون دولار في صورة ذهب، لكن كوبنهاغن رفضت البيع. وعرض ترامب شراءها خلال ولايته الأولى في عام 2019 لكن غرينلاند والدانمارك رفضتا العرض.

ماذا تريد غرينلاند؟

توترت العلاقات بين غرينلاند والدانمارك بعد الكشف عن انتهاكات تاريخية وقعت في الجزيرة أثناء فترة الاستعمار. وتدعم غالبية سكان غرينلاند الاستقلال، لكنهم منقسمون على توقيت ذلك وتأثيره المحتمل على مستويات المعيشة. ودأب الساسة في غرينلاند منذ عام 2019 على القول إنهم مهتمون بتعزيز التعاون والتجارة مع الولايات المتحدة.

ورغم هذا، قالت آيا كمنتس، العضو بالبرلمان الدانماركي عن غرينلاند، إن فكرة استيلاء الولايات المتحدة على الجزيرة يجب رفضها بشدة. وكتبت "لا أريد أن أكون أداة لتحقيق أحلام ترامب المحمومة بتوسيع إمبراطوريته لتشمل بلادنا".

ماذا لو أصبحت غرينلاند مستقلة؟

إذا أصبحت غرينلاند مستقلة، فقد تختار الارتباط بالولايات المتحدة بطرق لا تصل إلى حد أن تصبح أرضاً أمريكية. ورغم رغبة سكان غرينلاند في الاستقلال، فإنهم يدركون جيداً اعتمادهم الاقتصادي على الدانمارك. وقد يكون أحد الخيارات هو تشكيل ما يسمى "الارتباط الحر" مع الولايات المتحدة الذي من شأنه أن يستبدل بالإعانات الدانماركية دعما وحماية أمريكية في مقابل الحقوق العسكرية، على غرار وضع جزر مارشال وميكرونيزيا وبالاو، وهي دول جزرية تقع في المحيط الهادي.

وقال أولريك برام جاد الباحث في شؤون غرينلاند "تتحدث غرينلاند عن الاستقلال عن الدانمارك، لكن لا أحد من سكان غرينلاند يريد الانتقال إلى مستعمر جديد فحسب"، مضيفاً أن سكان غرينلاند ربما يستهدفون ضمان رفاههم في المستقبل قبل أي تصويت على الاستقلال.

ماذا تقول الدانمارك؟

رفضت الدانمارك بشدة عرض ترامب شراء الجزيرة في عام 2019، ووصفته رئيسة الوزراء مته فريدريكسن بأنه "سخيف". وعندما سُئلت عن تجديد ترامب اهتمامه هذا الأسبوع، قالت فريدريكسن "نحن بحاجة إلى تعاون وثيق للغاية مع الأمريكيين"، مضيفة "من ناحية أخرى، أود أن أشجع الجميع على احترام حقيقة أن سكان غرينلاند هم شعب، وهي بلدهم، وأن غرينلاند وحدها هي القادرة على تحديد مستقبلها وتقرير مصيرها".