كغيره من الأطفال المتزاحمين للحصول على وجبة طعام، كان الطفل عبد الرحمن نبهان ذو الخمس سنوات، يقف في طابور الجوع، وبالكاد كان يُرى من بين جموع المتدافعين، أو يُسمع صوته على وقع قرع الأواني الفارغة، والممدودة نحو إحدى تكايا الطعام، وبقايا الإدام. نيابة عن عائلته، زاحم الطفل الغض جموع المنتظرين في أحد مراكز الإيواء بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، لعله يعود إليهم بقليل من الطعام يسد الرمق، ولكن في لحظة اشتد فيها تدافع النازحين الجوعى، سقط عبد الرحمن في القدر المغلي، قبل أن يظفر بحصته، ليذوب جسده النحيل، دون أن تفلح كل محالات انقاذه، إذ عانى من حروق شديدة، حتى قضى متأثراً بها.

بكت غزة بحرقة طفلها المثابر والمكافح، كما لم تبك من قبل، وأكثر ما آلمهم أن عبد الرحمن قضى جائعاً ومحترقاً، تاركاً خلفه مجاعة مميتة لأهل غزة، الذين يعانون الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. أما والده المكلوم، والمثقل بالهموم، فقال إنه لم يكن يحرم أطفاله من شيء قبل الحرب، لكن في هذه الأيام يضطر وعائلته للسير مسافات طويلة، وبعيدة عن مكان نزوحهم، للحصول على القليل من الطعام، يبقيهم على قيد الحياة.
وأضاف: ذهب عبد الرحمن وهو أصغر إخوته، إلى التكية، كي يحضر لنا ما تيسر من طعام، وسار مسافة طويلة حاملاً وعاءه الفارغ، على أمل أن يملأه، ولكن، لا الوعاء امتلأ، ولا الطفل عاد، لقد احترق جسمه الصغير في الوعاء الملتهب.
وتابع: لم أكن أتخيل أن يقضي عبد الرحمن في ذات القدر الذي كان يقاوم للوصول إليه، كي ينال حصته منه، يومياً كان يأتينا بما تيسر من الطعام، لكن هذه المرة ذهب ولن يعود. عائلة نبهان، ما زالت تحت الصدمة، ولا تقوى على الكلام، شقيقاته في حالة شرود، يرفضن تناول الطعام، تضامناً مع عبد الرحمن، شهيد لقمة العيش. وغير مرة نجا عبد الرحمن من الموت بالقصف، لكنه لم ينج من ذلك الوحش الكاسر، كل ما كان يطلبه بضع لقيمات، لكنه لم ينج من الجوع، ودفع حياته ثمناً لوعاء من حساء، في قصة تراجيدية مترامية الأحزان، تختصر معاناة أهل غزة من الجوع، الذي فرضته عليهم حرب الإبادة والتجويع.