لا يمكن حصر فصول القهر والمعاناة التي يعيشها أطفال فلسطين، بالنسبة الهائلة من الضحايا في صفوفهم، فالقتل ما هو إلا ضرب من هذا الواقع المؤلم، وهناك الكثير إلى جانبه مما يتغلغل في نفوسهم، إذ تحدق عيونهم في الموت مبكّراً، بعد أن انتهكت كل القيم الإنسانية، من خلال مطاردتهم بالرصاص والقذائف، ومن تكتب له النجاة، يجد نفسه في قبضة الاعتقال الظالم والبشع.
وتضع فظائع القتل وعمليات التنكيل الوحشية، أطفال فلسطين في مواجهة مبكّرة مع الموت، فتترك بصماتها على أجسادهم الغضة، وعلى أحلامهم وهواجسهم، أكان في الحرب الدامية على غزة، أو الاقتحامات والاغتيالات شبه اليومية في الضفة الغربية.
«الطفل الفلسطيني يكبر قبل الأوان، بل ربما يولد رجلاً» هكذا يقول الفلسطينيون، وقد أثبتت الأحداث الميدانية المتسارعة في غزة والضفة الغربية، صحة هذا المنطق، فلم يعد يستهوي أطفال فلسطين أي شيء من تلك الطقوس التي تتناسب وأعمارهم، وباتت كل أحاديثهم في السياسة، وحتى إن احتاجوا لشيء من الأحلام البكر، تبقى هواجسهم في صلب الأحداث التي التهمت صباهم.

ويبدو أن رصاص الاحتلال تعوّد على رائحة دم الطفل الفلسطيني، ليس فقط في غزة، وإنما أيضاً في الضفة الغربية، فقضى خلال الحرب على غزة 14737 طفلاً، بينهم 8 تجمدت الدماء في عروقهم من شدة البرد، في حين راح ضحية الأحداث التي أخذت تتسلل إلى الضفة الغربية 174 طفلاً، آخرهم ابنا العم رضا وحمزة بشارات (9 و10) أعوام، في بلدة طمون شمال الضفة الغربية، بعملية اغتيال نفذتها طائرة إسرائيلية مسيّرة.
ومع تواصل حرب الإبادة في قطاع غزة، قفزت دولة الاحتلال إلى صدارة قتلة الأطفال في العالم، خصوصاً في ضوء إصرارها على النيل من المدنيين العزل بشكل يومي، وملاحقتهم إلى داخل خيامهم، التي يلوذون بها، ما يؤشر على أن بنك الأهداف الأكبر للحرب قوامه الأطفال.
يقول الناشط في قضايا الدفاع عن الأطفال الفلسطينيين رائد عطير، إن الحرب الدامية على غزة، أودت بحياة نحو 15 ألف طفل، بينما فرضت على ما يزيد على 50 في المائة في أطفال غزة العيش دون الوالدين (أحدهما أو كلاهما) ناهيك عن أن نسبة عالية منهم سلبتهم الحرب طفولتهم فباتوا مبتوري الأطراف أو مشوهين.
ويضيف: «الاستهداف الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين، لا يقتصر على قطاع غزة، ففي الضفة الغربية استشهد العشرات منهم نتيجة للمواجهات والاقتحامات والاعتداءات، وما جرى في بلدة طمون، باستهداف الطفلين بشارات بقصف جوي، بزعم زرع عبوات ناسفة، وهما بعمر أقل من 10 سنوات، يؤكد أن قتل الأطفال لدى جيش الاحتلال أصبح سياسة رائجة».
ويضيف: «علاوة على عمليات القتل بالقصف المتواصل، هناك العشرات من الأطفال في قطاع غزة، استشهدوا نتيجة للجوع أو الجفاف الناتج عن سوء التغذية، وآخرون بفعل البرد الشديد، أو نتيجة لانتشار الأمراض وعدم توفر العلاج والمطاعيم، في واحدة من أقسى الكوارث الإنسانية، التي يدفع أطفال غزة فاتورتها الأعلى». وتزدحم الأسئلة على وجوه الأطفال في غزة، وهم يواجهون آلة القتل بكل هذا الذهول المسكون بالالتباس، يصرخون بحناجر مبحوحة، وربما لهذا السبب لا تصل صرختهم إلى المجتمع الدولي، فهذه البراعم الصغيرة لا تريد من هذا العالم سوى أن يعيد إليها الأمن المفقود، وأن يحميها من مصائد القتل البشع والموت المبكّر.