يشهد الاقتصاد التركي حالة من التفاؤل الحذر في ظل استمرار الجهود الحكومية لتجاوز التحديات الاقتصادية التي أثرت على البلاد في السنوات الماضية، وتبرز من خلال التضخم المرتفع وتقلبات أسعار الفائدة وارتفاع تكاليف الأجور وتأثير العوامل الجيوسياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية.


وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة التركية لتحقيق مكانة إقليمية مرموقة في المجال الاقتصادي، يأمل الخبراء أن تسهم التطورات الأخيرة على الساحة الإقليمية، بما في ذلك الأوضاع في سوريا وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في تعزيز استقرار اقتصاد البلاد.


وتأتي هذه الآمال مدعومة بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الاقتصاد حقق نموا متواصلا على مدار 17 ربعا، حيث سجل معدل نمو بنسبة 2.1 بالمئة في الربع الثالث من العام الماضي، بما يجعل هذه المؤشرات الإيجابية دعائم للطموحات بتحقيق استقرار اقتصادي وتنفيذ البرنامج المالي والاقتصادي بصرامة.
وذكر أردوغان أن حجم اقتصاد بلاده ارتفع من 1.13 تريليون دولار في 2023 إلى 1.26 تريليون دولار بالحساب السنوي خلال الربع الثالث من عام 2024، متوقعا أن يتجاوز دخل الفرد 15 ألف دولار، وأن يصل إلى 17 ألفا في 2025.
كما أكد أن انخفاض معدل التضخم في تركيا إلى 44.38 بالمئة على أساس سنوي في ديسمبر الماضي، يعكس نجاح السياسات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة على مدار الأشهر الأخيرة.
من جهته، لفت أرول يارار رئيس منتدى الأعمال الدولي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إلى التطورات الأخيرة التي طرأت على الاقتصاد التركي من خلال ارتفاع قيمة الليرة منذ دخول النهج غير التقليدي للسياسة النقدية حيز التنفيذ بالكامل في ديسمبر 2021 بمقدار 11.59 نقطة على أساس مؤشر أسعار المستهلكين، و9.96 نقطة على أساس D-PPI مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، معتبرا أن العودة إلى نظام سعر الصرف العائم ستكون ضرورية لاستعادة القدرة التنافسية للصادرات التركية، ومتوقعا انخفاض سعر الليرة في الأشهر المقبلة، في هبوط سيؤثر بشكل إضافي على القدرة الشرائية لدى الأتراك.
بدوره، أكد جمال الدين كريم رئيس جمعية رجال الأعمال العرب والأتراك /آرتياد/، في تصريح مماثل لـ/قنا/، أن الاقتصاد التركي شهد حركة ملحوظة في السنوات القليلة الماضية بين هبوط وصعود، حيث ساهمت الظروف الإقليمية مع الظروف الداخلية للبلاد من انتخابات وغيرها، في هذا الأمر، منوها إلى عودة الاقتصاد المحلي، في الفترة الأخيرة، للتحسن بشكل كبير، وخاصة بعد الفوز الذي حققه الرئيس رجب طيب أردوغان في انتخابات مايو 2023.
وأشار إلى تأكيدات وكالة التصنيف الائتماني الدولي "فيتش" على هذا المنحى الايجابي، حينما أبرزت استمرارية تعافي الاقتصاد التركي، متوقعا أن يكون عام 2025 بمثابة فرصة جيدة لتعافي الاقتصاد بشكل كبير، حيث ظهر الأمر جليا في عدة مجالات، منها التجارة والأعمال والاستثمار.
 

 

 

وللحد من التضخم، أعلن البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 250 نقطة أساس، ليصبح 47.50 بالمئة، بعد فترة طويلة من تثبيت السعر عند 50 بالمئة، ما فسره الكثير من الاقتصاديين كإعلان لبداية دورة تخفيض مستمرة بالنظر إلى إعلان البنك المركزي تقليص عدد اجتماعات لجنته للسياسة النقدية من 12 إلى 8 اجتماعات خلال العام الجاري.
ومن المتوقع استمرار هذه الدورة بتخفيضات بمقدار 250 نقطة أساس لكل اجتماع بعد الربع الأول من عام 2025، حيث تشير التوقعات إلى أن معدل الفائدة الأساسي قد يصل إلى 30 بالمئة بنهاية 2025، ما يعكس تحولا كبيرا في السياسة النقدية لتركيا.
ومع ذلك، قد تدفع معدلات التضخم المرتفعة الحالية والعوامل الموسمية، مثل زيادة الطلب على العملات الأجنبية خلال فصل الشتاء، البنك المركزي إلى تبني نهج أكثر حذرا في الربع الأول من عام 2025، إضافة إلى تأثير التغيرات في الظروف الاقتصادية العالمية، ومزاج المستثمرين على السياسة النقدية المحلية.
واستجابة للصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المتقاعدون، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع العام الجاري عن زيادة الحد الأدنى للرواتب إلى 12500 ليرة (حوالي 380 دولارا أمريكيا)، بينما حددت الحكومة صافي الحد الأدنى للأجور في البلاد اعتبارا من عام 2025 بـ 22104 ليرات تركية (حوالي 631 دولارا)، بزيادة قدرها 30 بالمئة مقارنة بالعام السابق، في وقت تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن حوالي 42.8 بالمئة من القوى العاملة في تركيا تتقاضى الحد الأدنى للأجور.
ويتوقع المحللون أن تشهد تركيا عام 2025 تطورات مهمة على مختلف الأصعدة، منها الاقتصاد بالنظر إلى توقعات بانخفاض مستويات التضخم ونسب الفائدة، وتحسن التصنيف الائتماني، وتراجع العجز الجاري، وزيادة النمو الاقتصادي، ودخول البلاد في مجموعة البلدان ذات الدخل المرتفع، والحفاظ على العجز الجاري عند المستويات المسجلة في عام 2024.
وفي هذا الإطار، ترى الباحثة الاقتصادية هندا أيدن ألب، في تصريح لـ/قنا/، أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة تسريع النمو الاقتصادي، وزيادة الصادرات، وزيادة نسبة المنتجات التكنولوجية العالية في الصادرات، وتخصيص المزيد من الموارد للبحث والتطوير، وتقليل الاعتماد على الواردات في الإنتاج، مشددة على ضرورة اتخاذ هذه الخطوات الأساسية لتحقيق هذا الهدف والبناء عليه، خاصة أن كل التوقعات الاقتصادية للعام الجاري عالية وواعدة.
وفي سياق متصل، توقعت الأمم المتحدة، في تقريرها السنوي عن /الوضع الاقتصادي العالمي والتوقعات لعام 2025/، نمو الاقتصاد التركي بنسبة 3.1 بالمئة، وانخفاض نسبة التضخم إلى مستوى 43.9 بالمئة، منوهة إلى أنه من المتوقع أن تشهد السياسة النقدية في تركيا تخفيفا خلال العام المقبل، كما ينتظر أن يشهد العام الجاري انخفاضا ملحوظا في التضخم مع تباطؤ في وتيرة النمو الاقتصادي، خاصة بعد أن سجل التضخم مستوى مرتفعا في عام 2024.
تجدر الإشارة إلى ما شهده الاقتصاد التركي من نمو ملحوظ في السنوات الأخيرة، متمتعا بترتيب متقدم عالميا، وآخذا في كسب ثقة البلدان الأخرى، بفضل الخطط الاقتصادية التي أسهمت في خلق بيئة تنافسية متماسكة، ما جعل البلاد من أقوى الدول الاقتصادية الجاذبة للاستثمارات الدولية.