تلوح في الأفق بوادر حرب تجارية قد تضرب الاقتصاد العالمي، بعد أن نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس السبت، وعده بفرض رسوم جمركية على جميع السلع الواردة من كندا والمكسيك والصين، أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة، ويمثلون مجتمعين أكثر من 40% من وارداتها، كما هدد بفرض رسوم مماثلة على واردات الاتحاد الأوروبي.
وأعلن الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع السلع الواردة من كندا والمكسيك، وبنسبة 10 في المائة على كل من صادرات النفط الكندية والسلع الصينية.
وستدخل الرسوم الجمركية حيز التنفيذ اعتبارا من الرابع من فبراير الجاري، وأشار مسؤولون في البيت الأبيض إلى أنه إذا قامت الدول المتضررة بالرد، فإن معدلات التعريفات الجمركية سترتفع.
وقد تعهدت المكسيك وكندا، أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، على الفور بفرض رسوم جمركية مضادة، وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو: إن بلاده سترد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على سلع أمريكية بقيمة 155 مليار دولار، وتشمل في البداية فرض رسوم جمركية بقيمة 30 مليار دولار، اعتبارا من بعد غد الثلاثاء و125 مليار دولار بعد 21 يوما.
وقالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، في منشور على منصة إكس، إنها أصدرت تعليمات لوزير الاقتصاد المكسيكي بتطبيق رسوم جمركية مضادة، لكنها لم تذكر تفاصيل، في حين قالت الصين إنها ستطعن على قرار ترامب أمام منظمة التجارة العالمية، وستتخذ تدابير مضادة أخرى، ولم تحدد وزارة التجارة الصينية التدابير المضادة التي تعتزم اتخاذها، وترك بيانها الباب مفتوحا أمام المحادثات بين واشنطن وبكين، وقالت في بيان إن بكين غير راضية أبدا عن الرسوم الجمركية الجديدة وتعارضها بشدة، مضيفة أنها سترفع دعوى ضد واشنطن في منظمة التجارة العالمية، وشددت على أن الحروب التجارية ليس فيها منتصرون. وبلغ حجم التجارة الصينية الأمريكية نحو 500 مليار يورو خلال الأشهر الـ11 الأولى من عام 2024.
ويقول محللون في واشنطن: إن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب على كندا والصين والمكسيك قد تقلب التجارة الأمريكية على صعيدي الاستيراد والتصدير رأسا على عقب، وأكدوا أن المستوردين الأمريكيين هم من سيدفعون قيمة هذه الرسوم، إذ يأتي ما يقرب من نصف واردات الولايات المتحدة وبما تزيد قيمته على 1.3 تريليون دولار أمريكي من كندا والصين والمكسيك، لكن الرسوم الجمركية قد تقلل إجمالي الواردات الأمريكية بنسبة 15 في المائة.
وفي حين تقدر مؤسسة الضرائب التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقرا لها، فإن التعريفات الجمركية ستولد نحو 100 مليار دولار سنويا من عائدات الضرائب الفيدرالية الإضافية، لكنها قد تفرض أيضا تكاليف كبيرة على الاقتصاد الأوسع نطاقا، لتشمل تعطيل سلاسل التوريد، ورفع التكاليف على الشركات، والقضاء على مئات الآلاف من الوظائف، وفي نهاية المطاف دفع أسعار المواد التي يشتريها المستهلكون إلى الارتفاع.

 

ويوضح المحللون أن قطاعات معينة من الاقتصاد الأمريكي سوف تتأثر بشدة، بما في ذلك قطاعات السيارات والطاقة والأغذية، وقد ترتفع أسعار البنزين بما يصل إلى 50 سنتا للغالون في الغرب الأوسط، حيث تزود كندا والمكسيك مصافي التكرير الأمريكية بأكثر من 70 في المائة من واردات النفط الخام، وقد تتعرض صناعة السيارات والمركبات الأخرى للخطر، حيث تستورد الولايات المتحدة ما يقرب من نصف قطع غيار السيارات من جيرانها الشماليين والجنوبيين.
وقد ترتفع تكاليف السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية أيضا، حيث تعد المكسيك أكبر مصدر للمنتجات الطازجة للولايات المتحدة، وتزودها بأكثر من 60 في المائة من واردات الخضراوات ونحو نصف واردات الفاكهة.
وستؤثر الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك بشكل أكبر، حيث تشكل التجارة حوالي 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكلا الاقتصادين، وتعتمد الدولتان بشكل خاص على التجارة مع الولايات المتحدة، فأكثر من 80 في المائة من صادرات المكسيك، بما في ذلك السيارات والآلات والفواكه والخضراوات والمعدات الطبية، تتجه شمالا، وهو ما يمثل 15 في المائة من إجمالي الواردات الأميركية.
وترسل المكسيك ما يقرب من 80 في المائة من السيارات التي تنتجها إلى الولايات المتحدة وحدها، أي ما يعادل نحو 2.5 مليون سيارة سنويا، كما ستهدد الرسوم قطاع الطاقة في المكسيك حيث تستقبل الولايات المتحدة ما يقرب من 60 في المائة من صادرات المكسيك من النفط، وفي الوقت نفسه تعد المكسيك الوجهة الأولى لصادرات النفط المكرر الأمريكية، التي تلبي أكثر من 70 في المائة من الطلب المحلي.
وتواجه كندا تحديا مماثلا، إذ تشتري الولايات المتحدة أكثر من 70 في المائة من صادرات كندا، وتشكل هذه السلع 14 في المائة من إجمالي واردات الولايات المتحدة، وبموجب التعريفات الجمركية الجديدة، سوف يتضرر قطاع الطاقة الكندي بشكل أكبر، حيث يرسل المصدرون 80 في المائة من نفطهم إلى الجنوب.
أما الصين أكبر منافس اقتصادي للولايات المتحدة فهي، وفق المراقبين، أقل اعتمادا نسبيا على الولايات المتحدة وأقل اعتمادا على التجارة بشكل عام، فعلى مدى العقدين الماضيين، قللت بشكل مطرد من أهمية التجارة لاقتصادها، وقامت بتكثيف الإنتاج المحلي، ولا تمثل الواردات والصادرات في الوقت الحالي سوى حوالي 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، مقارنة بأكثر من 60 بالمائة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويؤكد المحللون أن الرسوم الجمركية المتبادلة قد تؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين، وقد يكون هذا مجرد البداية إذ يستعد الرئيس دونالد ترامب بالفعل للمرحلة التالية من رسومه الجمركية، المتمثلة بفرض رسوم جديدة على الاتحاد الأوروبي، ويحذر المحللون من أن مثل هذه الرسوم ستؤدي في حال فرضها إلى تداعيات اقتصادية وتجارية كبيرة، تشمل تصعيد الحرب التجارية إذ يتوقع أن ترد أوروبا والدول المستهدفة بفرض رسوم انتقامية على المنتجات الأمريكية، كما فعلت سابقا في النزاعات التجارية مع واشنطن.
وتعتبر الولايات المتحدة حاليا أكبر مستورد للسلع في العالم، ففي عام 2022 بلغ إجمالي قيمة السلع المستوردة هناك حوالي 3.2 تريليون دولار، وفي عام 2023 صدر الاتحاد الأوروبي سلعا بقيمة 576.3 مليار دولار، أي ما يقارب 20 في المئة من إجمالي صادراته إلى الولايات المتحدة، ما يجعل الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد، وقد تبادل الجانبان أكثر من 1.5 تريليون دولار من السلع والخدمات عام 2023.