أكد سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، التزام دولة قطر الدائم بدعم الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار وتعزيز التعاون بين الثقافات والأديان وتشجيع ثقافة السلام، من أجل ضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة في المجتمع، ولشعوب العالم بأسره.
ونوه سعادته، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثاني حول الحرية الدينية وصنع السلام الذي ينظمه مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، بالتعاون مع شبكة جيران متعددي الأديان بعنوان "من الحرية الدينية إلى المسؤولية الدينية: بناء السلام في عالم متصارع"، إلى أن إرساء السلام وترسيخه في المجتمعات وما بين الشعوب لا يتم دون توفر البيئة والظروف والعوامل الداعمة والمواتية له، لافتا إلى أن الدين الإسلامي ينبع اسمه من السلام، وأنه دين محبة وتآخ ورحمة.
وأبرز حرص الجميع على المشاركة في اختيار موضوع هذا المؤتمر على تضمن عنوانه (بناء السلام وعالم متصارع) لأن ذلك بات في عالم اليوم أقصى ما يطمح له المخلصون، وأقسى ما يؤرق عليهم مضاجعهم ويحزنهم، لكنه في الوقت ذاته لن يطفئ شعاع الأمل في قلوبهم ليعملوا بتعاون وإصرار لرد هذا العالم إلى رشاده وتحذيره من عواقب ما سيقدم عليه من إصراره وعناده إن استمرت هذه الصراعات التي تحيط به من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم.
وبين أنه من هذا المنطلق تأتي أهمية المؤتمر لتأكيد أن القيم والتعاليم الدينية أدعى أن تكون الضمان الوحيد لمواجهة الصراعات التي تشهدها بلدان عديدة خاصة في الشرق الأوسط، وتتسبب في أزماته على كل المستويات، موضحا أن تمسك الإنسان بقيم دينه وأصوله ستكون له حتما حائط الصد الأول ضد نوازع شر نفسه للصراع مع غيره، ومحفزا وداعيا له للمحبة والسلام والتعايش مع الآخر.
وأضاف أن السعي لفتح آفاق الحوار لبناء السلام الحقيقي بين الأفراد والمجتمعات يعد إحدى أهم الركائز التي تقوم عليها رسالة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، حيث سعى جاهدا عبر سنوات طويلة ومشاريع عديدة من التعاون مع القادة الدينيين ومراكز الحوار العالمية والعلماء والمفكرين وقادة الرأي، لمد جسور التلاقي والعمل المشترك بين كافة الأطراف للحوار، والمناقشة حول التحديات التي تحول دون العيش المشترك والتعايش السلمي بين أتباع الأديان والثقافات.
واعتبر الدكتور النعيمي مؤتمر اليوم مثالا للتعاون الدولي للمركز مع المؤسسات والمراكز الدولية، وثمرة لعمل جاد وجهد متواصل بينه وشبكة "جيران " بالولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدا أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بصفته مركزا دوليا للحوار الديني، وكمؤسسة قطرية وإسلامية، ستبقى دعوته هي إعلاء قيمة السلام، وتعزيز كل سبل الحوار والتضامن الإنساني ودعم الحقوق الإنسانية.
ولفت إلى مدى أهمية دور المؤسسات الدينية والزعماء الدينيين في إطلاق وقيادة جهود بناء السلام خاصة في أوقات الصراعات والحروب، كونهم الأجدر على أن يكونوا وسطاء للتهدئة بإيجاد بيئة مناسبة للحوار، وتسهيل المفاوضات، وتعزيز المصالحة، معتبرا أنه من هذا المنطلق تأتي أهمية مثل هذه اللقاءات والاجتماعات بين المشاركين من أقطار شتى بأديان وأعراق مختلفة وثقافات متنوعة، للبحث سويا ليس فقط عن أسباب استمرار هذه الصراعات وسبل مواجهتها، وإنما في محاول تلمس حلول مستقبلية تمنع حدوثها من الأساس أو على الأقل تقلل منها.
ونبه سعادة الدكتور النعيمي إلى أن بناء السلام ليس بالأمر الهين الذي قد تقوم به تشريعات دولية فحسب، ولا بنصوص ومواعظ دينية فقط، وإنما يحتاج إلى عمل جاد، تتضافر فيه كل الجهود، ويتشارك فيه الجميع في المسؤولية التي يؤمن أصحابها بحق أواصر الأخوة والمحبة التي تربط الأسرة الإنسانية، مشيرا في هذا السياق إلى أن دولة قطر قد رسخت اسمها كوسيط دولي موثوق به، وفاعل مؤثر في الوساطة لحل النزاعات وبناء السلام، ونجحت في العديد منها، كتوقيع اتفاق الدوحة الخاص بلبنان 2008، وملف المصالحة بين جيبوتي وأريتريا 2011، ووثيقة سلام دارفور 2011، واتفاق واشنطن وطالبان 2020، واستضافة الدوحة مفاوضات السلام بين الأطراف المتصارعة في تشاد 2022، وفي الوقت القريب شاهد الجميع الدور القطري الحيوي في الجهود المشتركة مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية وحركة /حماس/ من أجل التوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية في غرة وتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي، ليؤكد نهج الوساطة الذي انتهجته دولة قطر انطلاقا من القناعة الراسخة لقيادتها وشعبها.
واستعرض سعادته باستفاضة الظروف الصعبة التي يعاني منها العالم بأسره من صراعات قائمة تتسلط على الأرواح والعقول قبل أن تدمر البلدان وتقتل الإنسان، ولا تراعي دينا ولا عقلا ولا عرضا ولا مالا ولا نفسا، فضلا عن تأجيج نيران صراعات أخرى متوارية، تحمل جميعها للبشرية مستقبلا مخيفا، ما يحتم التصدي لها بإيمان وحكمة وعقل، مستشهدا في سياق ذي صلة بحرب غزة اللإنسانية وما يربو على الوصف فيها من انتهاكات وإبادة جماعية.