د. مطلق الجاسر: توحيد الله الحق يؤمن الإنسان من كل خوف 

د. أحمد الغريب: السير على مناهج الصحابة يمكن الإنسان في الأرض 

د. محمد يسري: إفراد العبادة لله تعالى وحده وفق ما حددته الشريعة 

د. تركي المري: لو أن الأمة عملت بالقرآن لتبدل حالها للأحسن

 

انطلقت أمس الأول أولى جلسات البرنامج الرمضاني السنوي الذي تطلقه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تحت عنوان "وآمنهم من خوف" ويشارك فيه عدد من أصحاب الفضيلة العلماء من داخل قطر ومن الأقطار العربية والإسلامية.. واستهل البرنامج جلساته بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب بمناقشة موضوع "التوحيد حق الله على العباد".


الشرك ظلم عظيم
وقال الدكتور مطلق الجاسر – الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت: إن المفسرين اختلفوا حول قول الله سبحانه وتعالى "ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"، إن كان من تتمة قول إبراهيم عليه السلام أو من كلام الله سبحانه وتعالى، وأن المرجح أنه من كلام الله سبحانه وتعالى، وأن الله وعد الذين آمنوا ووحدوا الله ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، وهو الشرك، بالأمن.


وقال د. الجاسر: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءوا إلى النبي خائفين، وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه، وظنوا أن الظلم بمعنى المعصية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كذلك، ألم تسمعوا لقول لقمان: إن الشرك لظلم عظيم، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم بمعنى الشرك، فالمعنى أنهم آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم وتوحيدهم بشرك، فأولئك لهم الأمن، وأن هذا الوعد من الله يضفي على الإنسان الأمن والراحة والطمأنينة والاستقرار.


وأضاف: إذا تأملنا أكثر في هذه الآية، نجد أن الأمن ليس خاصاً فقط بالأمن الأخروي، فلا شك أن الموحدين لهم الأمن في الآخرة، بدخول الجنات والأمن من دخول النار، بل حتى في الدنيا، فالموحد له الأمن حتى في الدنيا، وذلك أن مصادر الخوف والقلق تأتي إما من الخوف على الحياة بالموت أو المرض أو نقص في حياته، أو خوف على الرزق، بأن يُؤخذ رزقه أو يُقطع من ماله، والرزق والحياة بيد الله عز وجل.
وتابع د. الجاسر: من وحد الله عز وجل حق توحيده، وعلم أن حياته بيد الله وأن رزقه بيد الله أمن من أي خوف، إذا علم وتيقن، أنه لا يستطيع أحد أن يمس حياته أو رزقه أو يخيفه أدنى خوف إلا بإذن الله، فلن يخاف من أحد.


وجب السير على هدي الصحابة

وقال الدكتور أحمد الغريب، الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن الحديث عن ثنائية التوحيد والتمكين قد خُوطب بها أولاً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في زمن التنزيل، وهم أول جيل تحقق فيهم التمكين، وقد أيد الله عز وجل بهم الدين.


وأشار الدكتور الغريب إلى بعض الأمثلة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبارهم أول جيل تمكَّن في الأرض، مؤكداً أن على منوالهم يجب أن تسير الأمور. وذكر أنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اضطرب الصحابة حتى أن بعضهم أراد أن ينكر موته، مستشهداً بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان موقفاً توحيدياً بامتياز، عندما خرج إلى الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال قولته الشهيرة: "مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".


وانتقل الدكتور الغريب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مستعرضاً بعض مواقفه في تقرير التوحيد، ومنها قصته مع الحجر الأسود أثناء الحج. فقد جاء إلى الحجر الأسود وقبَّله، ثم قال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك ما قبَّلتك". وأوضح الدكتور الغريب أن عمر أراد بذلك توصيل رسالة للناس مفادها أن الذي ينفع ويضر هو رب العالمين لا شريك له.


وأكد الدكتور الغريب أن النصر والتمكين تحققا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب التزامهم بهذه المبادئ، وأن اهتمام الصحابة الكبير بتحقيق التوحيد هو الذي ساعدهم على التمكين في الأرض. وبيَّن أن هناك عوامل كثيرة تقف وراء التمكين الكامل لأهل التوحيد، والذي لا يحدث إلا بطاعة الله، مشيراً إلى أن التمكين يأتي نتيجة لتحقيق التوحيد.


وتحدث الدكتور أحمد الغريب عن طبيعة المناهج التدريسية للتوحيد، مؤكداً ضرورة وضع مناهج تتناسب مع الفئات العمرية المختلفة بأسلوب يتناسب مع عموم المسلمين. وأشار إلى أن قضية التوحيد هي قضية إجماعية ومركزية في الدين الحنيف، مطالباً بضرورة تفعيل المنهج القرآني في تقرير التوحيد.

معاني التوحيد الحق

أكد فضيلة الدكتور محمد يسري إبراهيم الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح أن المعنى اللغوي لكلمة "التوحيد" يدور حول مادة الإفراد والاختصاص. مستطردا: "التوحيد" هو إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية والألوهية وبأسمائه وصفاته أي أن الله تبارك وتعالى واحد أحد، لا نظير ولا ند له.. لا في أسمائه..، ولا في صفاته..، ولا في أفعاله، وهو سبحانه وتعالى مختص بالعبادة فلا يعبد غيره جل في علاه.
وأوضح أن الآيات والأحاديث، تحدثنا تارة عن أسماء الله تبارك وتعالى وأنه عز وجل منفرد بهذه الأسماء الحسنى وبتلك الصفات العلى، وتحدثنا تارة عن أفعاله وأن سبحانه المنفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، فهو سبحانه وتعالى الرب المختص بأفعال الربوبية، فأفعال الرب خاصة ومختصة به تعالى لا يشركه في أحد ولا يمكن أن يشاركه في شيء من هذه الصفات والخصائص أحد.


وتابع: لا يزعم أحد أنه خلق ولا أنه رزق ولا أنه يملك الحياة والموت والنشور، وهناك آيات وأحاديث حدثتنا عن مفهوم العبادة وأنها لا تصرف إلا لله جل في علاه "وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ"، مضيفا: أول نداء في كتاب الله تعالى للناس " يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".. فجاء إذًا الأمر بتوحيد الله تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" وهو سبحانه له المثل الأعلى.. وجاء الأمر بإفراد الله تبارك وتعالى بأفعاله.. فهو الخالق الذي لم يخلق أحد سواه "اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ".. وهو سبحانه جل في علاه الذي أمر أن يعبد فكما أنه له الخلق فإن له الأمر "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين".


وقال فضيلته: هذه الأقسام الثلاثة ليست مفصلة وإنما هي متصلة، وليست متباعدة وإنما هي مجتمعة، اقتضى حسن التقسيم وحسن التعليم أن نقول للناس عليكم أن توحدوا الله تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته، عليكم أن توحدوا الله تعالى في أفعال الربوبية، عليكم أن توحدوا الله تعالى وتفردوه بالعبادة، وهذا الاصطلاح لا يمنعنا أن نقول إن التوحيد واحد وأن التوحيد لا تعديد فيه وأن هذا التوحيد يجمع كل هذه الاقسام.


بالتوحيد يحفظ للأمة كيانها
أكد الدكتور تركي بن عبيد المري، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، أن الوعي بالتوحيد يحفظ لهذه الأمة كيانها وهويتها، ويحميها من حالة الضعف والوهن التي يعيشها بعض الناس اليوم.


وأشار المري إلى أهمية تربية الشباب والأجيال الناشئة على التوحيد، الذي ينبغي أن يُغرس في قلوبهم منذ نعومة أظفارهم، حتى لا يتأثروا بما يسمى بـ”سلطان الثقافة الغالبة”، وهي ثقافة قوية بالفعل، وغالبة إن لم نكن معتصمين بالوعي.


وبيَّن أن التوحيد ليس مجرد كلمة تُقال، ولا مجرد معرفة نظرية يُمتحن عليها الناس، كما هو حال كثير من الأشخاص الذين انساقوا خلف لواءات وشعارات، فأصبحوا يمتحنون الناس عليها باسم التوحيد، مما تسبب في فرقة الأمة وتشرذمها، وهم يزعمون أنهم بذلك يقررون التوحيد.
وتساءل: أين هو التوحيد، إن كانت الولاية لله، والبراءة من الكافرين؟ فالولاية للمؤمنين من مقتضيات التوحيد أصلاً.
وأضاف في هذا الصدد أن التوحيد ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو اعتقاد يعقبه سلوك وعمل، مبينًا أن الله عز وجل جعل الإيمان أو التوحيد شرطًا للتمكين، موضحًا أن الإخلال بهذا الشرط سيؤدي إلى حالة الوهن والضعف التي تعيشها الأمة.
واعتبر أن حالة الوهن التي تعيشها الأمة اليوم شديدة للغاية، ولولا أنها أمة القرآن، ويعيش الوحي فيها، لتبدل حالها، لكنها ستبقى حية بسبب القرآن الكريم.


وتابع: إن الأمة لا تزال على كلمة واحدة، رغم حالة المكر الشديد التي تعرضت لها في ظل الظروف المؤسفة التي ألمَّت بها، وأبرزها الأحداث الأخيرة التي شهدها قطاع غزة، إلا أن هذه الأمة لا تزال حية، ولا تزال هناك فئة صابرة ومجاهدة، ثابتة على كلمة واحدة ومبدأ واحد.
وعن مظاهر الضعف التي تعيشها الأمة، لفت المري إلى أن هناك مستويات كثيرة من هذا الضعف: ثقافيًا، واجتماعيًا، وفكريًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر قد تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “لتتبعنَّ سَنَنَ من كان قبلكم، حذو القُذَّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه”.