تتحول المساجد والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر رمضان المبارك، إلى ملتقيات للتراحم والتواصل بين جميع أفراد الجاليات العربية والمسلمة، فضلا عن كونها دور للعبادة والتقرب لله، وذلك وسط أجواء مفعمة بالروحانية التي تفوح نسماتها في الشهر الفضيل، كما تتوسع الأنشطة الخيرية التي تعكس القيم الأصيلة للشهر الكريم.
ومع تزايد أعداد المسلمين في مختلف المدن والولايات الأمريكية، تزداد مظاهر الاحتفال خلال الشهر الفضيل، حيث يتم تنظيم العديد من الفعاليات الدينية والتوعوية والتثقيفية التي تسهم في تعزيز الهوية وروح الانتماء إلى الأمة الإسلامية بين أفراد الجاليات العربية والمسلمة في مجتمع متعدد الثقافات.
وخلال شهر رمضان المبارك تشهد مدن كبرى مثل نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس وهيوستن، إقبالا متزايدا على المساجد من جموع المصلين في صلاتي العشاء والتراويح، كما تنظم الجمعيات والمراكز الإسلامية حملات توعوية لتعريف الأجيال الناشئة من أبناء الجاليات العربية والمسلمة، لا سيما الذين ولدوا وتربوا بعيدا عن أوطانهم، بالعادات والتقاليد الأصيلة والقيم الروحانية لشهر رمضان المبارك.
وتعد موائد الإفطار الجماعية من أبرز مظاهر الاحتفال بالشهر الفضيل في العديد من المدن والولايات الأمريكية، حيث يتم تنظم المساجد والمراكز الإسلامية موائد إفطار يومية تستقبل مئات الصائمين، خاصة من المغتربين والطلاب والعائلات ذات الدخل المحدود، ففي مسجد دار الهجرة بولاية فيرجينيا، أحد أكبر المساجد بالولايات المتحدة، تمتد موائد الإفطار يوميا ويتجمع عليها أكثر من ألف شخص من مختلف الجنسيات، في مشهد يعكس التنوع الثقافي للجالية المسلمة بالولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يقول الشيخ فرحان صديقي إمام مسجد دار الهجرة، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن موائد الإفطار في رمضان تعد وسيلة لتعزيز روح الأخوة والتكافل وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة بين مختلف أبناء الجاليات العربية والمسلمة بالولايات المتحدة، لافتا إلى أن المسجد يشهد تزايدا في أعداد المصلين خلال الشهر الفضيل، لا سيما في العشر الأواخر من رمضان، حيث يحرص المسلمون على قيام الليل والاعتكاف طلبا للأجر والثواب.
وفي نيويورك، يشهد /إفطار تايمز سكوير/ إقبالا لافتا من أبناء الجاليات المسلمة وغيرهم، حيث تنظم الفعالية سنويا لتقديم وجبات الإفطار في أحد أشهر الميادين العالمية.
وقال حسن الشامي أحد منظمي الإفطار، في تصريح لـ/قنا/، إن هذه الفعاليات تعزز التفاهم الثقافي بين المسلمين والمجتمع الأمريكي، حيث يتعرف الناس على قيم التراحم والتضامن في الإسلام من خلال التجمع على موائد الإفطار الجماعي، مشيرا إلى أن أجواء رمضان في نيويورك لم تعد تقتصر على المساجد والمراكز الإسلامية، بل تمتد إلى الشوارع والمتاجر والمطاعم، التي باتت تقدم وجبات إفطار خاصة وتزين واجهاتها بفوانيس رمضان.
وفي ولاية كاليفورنيا، تنشط الجمعيات الإسلامية في تنظيم حملات خيرية تستهدف مساعدة المحتاجين خلال الشهر الفضيل، حيث يتم توزيع سلال رمضان التي تحتوي على المواد الغذائية الأساسية للأسر الفقيرة، إلى جانب تقديم وجبات ساخنة للمارة في شوارع لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو.
وفي هذا الإطار، أكدت سارة إبراهيم الناشطة في إحدى الجمعيات الإسلامية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أنه انطلاقا من أن رمضان شهر الرحمة والعطاء، تحرص الجمعية على تنظيم مبادرات تستهدف الجميع بغض النظر عن الدين أو العرق، ما يسهم في تعزيز التواصل بين أبناء الجاليات المسلمة وغيرهم في المجتمع الأمريكي، لافتة إلى أن العمل التطوعي يشهد إقبالا كبيرا من الشباب المسلمين الذين يسعون إلى تقديم المساعدات والخدمات الاجتماعية، سواء من خلال توزيع الطعام أو المشاركة في حملات التوعية الصحية والخدمية.
ولا تقتصر الأنشطة الرمضانية على الجانب التوعوي والخيري فحسب، بل تمتد إلى المجال الثقافي، حيث تنظم المراكز الإسلامية معارض وندوات تهدف إلى تعريف المجتمع الأمريكي بالتقاليد والعادات المرتبطة بالشهر الفضيل، ففي ديترويت، حيث تعيش واحدة من أكبر الجاليات المسلمة بالولايات المتحدة، يتم تنظيم /مهرجان رمضان/ الذي يتضمن فعاليات ثقافية وأمسيات شعرية، بالإضافة إلى أسواق رمضان التي تعرض منتجات تقليدية من مختلف الدول الإسلامية.
وقال الشيخ عبدالقدوس محمد عضو اتحاد المساجد والجمعيات الإسلامية في مدينة ويستن سيلام، في تصريح لـ/قنا/، إن رمضان بالولايات المتحدة ليس مجرد شهر للصيام والعبادة، بل هو فرصة لتعزيز التلاحم المجتمعي، وتعريف الآخرين بالقيم الإسلامية من خلال ممارسات يومية تعكس التسامح والتعايش.
وأضاف أن الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك تشهد ازدحاما كبيرا في المساجد، حيث يحرص المسلمون على الاعتكاف وقيام الليل، وسط أجواء مفعمة بالروحانية، مشيرا إلى أن العديد من المساجد تظل مفتوحة حتى ساعات الفجر، حيث يقدم القائمون عليها برامج دينية وثقافية تستهدف جميع الفئات والأعمار.
ونوه عضو اتحاد المساجد والجمعيات الإسلامية في مدينة ويستن سيلام، بأن شهر رمضان يجسد روح التلاحم الاجتماعي، حيث يسعى المسلمون إلى المحافظة على تقاليدهم وعاداتهم الأصيلة المرتبطة بالشهر الفضيل، رغم بعدهم عن أوطانهم، وهو ما يعكس ارتباطهم بثقافتهم وعمق انتمائهم إلى أمتهم، لافتا إلى أن الجالية المسلمة بالولايات المتحدة تلعب دورا مهما في التعريف بسماحة الإسلام من خلال الأنشطة والفعاليات التي تقام خلال الشهر الفضيل، ما يسهم في تعزيز التفاهم والتعايش بين مختلف فئات المجتمع الأمريكي.