قال الدكتور مجد حواصلي باحث في مجال معالجة اللغة الطبيعية في معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة: أخذ الذكاء الاصطناعي أهمية كبيرة في عالمنا لأنّ التطورات التي شهدها مؤخراً أحد الدوافع الأساسية للاهتمام الزائد في المنطقة العربية، بالإضافة إلى توفر البنية التحتية والبرمجيات المفتوحة التي مكنت تقنيات وعلوم الذكاء الاصطناعي من توليد قفزات كبيرة، والعالم العربي يرغب في مواكبة التقدم العالمي والاستفادة منه في تطبيقات واعدة.
كما أنّ العالم العربي يبحث عن مصادر دخل جديدة بهدف تنويع اقتصاد قائم على المعرفة، والذكاء الاصطناعي هو أداة أساسية في هذا الاقتصاد حماية لمصالحه وأمنه القومي وإقامة الاستقلال التقني.
الثراء اللغوي
وعن التكامل بين الذكاء الاصطناعي واللغة العربية أوضح: أنّ اللغة العربية لغة شديدة الثراء ويتحدث بها أكثر من 450 مليون إنسان وهي أكثر تعقيداً وأكثر ثراءً من الكثير من لغات العالم وهناك جهود كبيرة مطلوبة لتطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة وبالنتيجة سيؤدي إلى تطبيقات مفيدة جداً للمتكلمين باللغة العربية، ويستخدم الذكاء الاصطناعي في معالجة اللغة الطبيعية ومعالجة الكلام وفهم الكلام واللهجات المختلفة والتحويل بين اللغات والترجمة الآلية بين اللهجات واللغة الفصحى وتحسين الكتابة والتعليم وأدوات التعليم التفاعلية التي تساعد في تعليم اللغة والثقافة العربية وتعليم النطق وحفظ وصيانة التراث العربي لأنّ هناك الكثير منه محفوظ في المخطوطات وغير مطبوع ولا تصل إليه التكنولوجيا الحالية وبالتالي فإنّ الذكاء الاصطناعي يقدم حلاً للاستفادة من هذا الثراء العلمي العربي.
النهوض بالتراث اللغوي
وعن طريقة النهوض بذكاء اصطناعي عربي، قال: الكثير من الخدمات حالياً تدعم اللغة العربية ولكن بدرجات متفاوتة وهي تتقدم باستمرار وتتحسن ويصبح دعمها للغة أكثر قوةً مع مرور الأيام، مؤكداً الحاجة الملحة لتطوير ذكاء اصطناعي عربي يحفظ القيم العربية والثقافة العربية، وهذا يواجه تحديات كبيرة منها نقص المحتوى العربي النظيف الذي يمكن استعماله وهذا يتطلب أن يكون النص والفيديو والصورة جاهزة للاستعمال وفيها محتوى مفيد وخالية من مشاكل المحتوى مثل عدم التحيز والعنصرية.
وأيضاً الحاجة إلى كوادر عربية مدربة وبحث علمي متقدم، وهذا يحتاج إلى تعاون بين الجامعات والشركات وإلى تعاون أكبر على مستوى العالم العربي حيث توجد تنافسية اليوم في المنطقة العربية، فالتعاون مطلب أساسي لتطبيق تكنولوجيا بهذا التقدم والسرعة المطلوبة والحاجة أيضاً لبنية تحتية تواكب التطور السريع الذي نراه في قطاع الذكاء الاصطناعي والحاجة لتمويل كبير واستثمار من خلال الحكومات من أجل بناء هذا القطاع وأن عودتنا للقيم والثقافة العربية مطلب أساسي لا يوجد في التكنولوجيا الحالية التي نجدها في التكنولوجيا الغربية.
فالثقافة العربية والإسلامية وتضمينها في النظم يحتاج إلى كثير من العمل والجهد من الباحثين العرب من أجل النهوض بذكاء اصطناعي عربي يمثل قيم العرب وثقافتهم ويحميها.
إسهامات العلماء
وعن إسهامات علماء الذكاء الاصطناعي في مجال اللغة العربية على الإنترنت قال: إنّ الذكاء الاصطناعي يمكنه إثراء المحتوى اللغوي العربي على الإنترنت من ندوات ومحاضرات تعين أشخاصا يؤسسون محتوى عربياً مثل خدمات التصحيح اللغوي والتصحيح الإملائي وتحويل الكلام المحكي إلى كلام مكتوب والترجمة الآلية والتحويل من اللهجة إلى اللغة الفصحى كما توجد أدوات تولد محتوى جديداً مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي لديه القدرة على إنشاء مقالات وقصص قصيرة وترجمة لغات أجنبية إلى اللغة العربية أو بالعكس كما توجد أدوات في الذكاء الاصطناعي يمكنها غربلة المحتوى العربي من أجل إثرائه.
وأضاف أنه يمكن تشجيع الباحثين على ابتكار أدوات ومواقع تعنى باللغة العربية وهذا يتطلب بيئة تدعم الابتكار وتساعد عليه منها برامج على مستوى إقليمي وتمويل مناسب ومسابقات وتشجيع الباحثين والشركات على النظر في هذا الاتجاه وبلا شك هناك حاجة ملحة لبناء القدرة الحاسوبية والحاجة إلى كميات هائلة من البيانات والحواسيب لتدريبها وتشغيلها والحاجة إلى حلول مفتوحة من أجل تطوير التكنولوجيا ونحتاج من الشركات والمؤسسات الأكاديمية إلى نشر الخوارزميات التي تطورها منوهاً انّ التنافس مفيد ولكن التعاون أكثر فائدة والحاجة لنشر الوعي بقدرات الذكاء الاصطناعي لتقوم الشركات بإنتاج برامج تعنى بالذكاء لتحريك اقتصاد السوق.
تحديات أمام الذكاء
وعن التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي أوضح د. مجد حواصلي: أنّ أكبر تحدٍ توفر المعطيات والبيانات عالية الجودة التي نحتاجها من أجل تدريب هذه النظم التي تمثل قيمنا، وأن تكون خالية من التحيزات الثقافية الفكرية والحاجة أن يكون رقمياً، وهناك الكثير من المحتوى الرقمي يحتاج من الباحثين ممن يفهمون اللغة العربية العمل على تطوير خوارزميات وتكنولوجيا تستعمل هذا الثراء اللغوي في تطوير الذكاء الاصطناعي.
كلفة التطوير
كما أنّ كلفة التطوير تحدٍ كبير لأنه يتطلب قرارات راشدة وتمويل على المستوى الإقليمي وخلق خطوط تجارية مستدامة تستطيع أن تدعم هذه التكنولوجيا وأنّ الحكومات قد تمول لفترة معينة ثم تقوم الشركات بدورها لتقود التطوير في المستقبل.
فالذكاء الاصطناعي لا يزال يعاني من تحديات ومشكلات لأنّ التقنية الحالية تعاني من إمكانية الهلوسة لأن الذكاء الاصطناعي قد يخرج عن الخط وتصطنع معلومات وفقرات وتدعي أشياء قد يصدقها القارئ والقدرة على التحكم في القيم والمبادئ التي يمثلها الذكاء الاصطناعي ويوجد تطوير في هذا الاتجاه ولكن هناك حاجة للعمل على ذكاء اصطناعي يمثل القيم العربية.
وعن دور المبتكرين الشباب للنهوض بالذكاء الاصطناعي قال: إنّ التطور العلمي في هذا المجال سريع جداً والمطلوب من أي مبتكر ان يواكب هذا التقدم، والحاجة إلى الشباب والناشئة ضرورة لفهم هذه التقانة ومواكبتها من سن مبكرة والحاجة كبيرة أيضاً من الحكومات لإدخال برامج البرمجة لتنشئة الطفل في سن مبكرة من أجل تعلم سوق العمل وإعادة توجيه اهتمام الطلاب والأهالي إلى التقنية كأسلوب حياة وعمل مستقبلي واعد.
كما أنه لابد من الحاجة لتشجيع المبتكرين والأفكار الرائدة في دعم التقنية في الدول العربية لحماية الثقافة والقيم من خلال المحاضرات والمسابقات والحاضنات الثقافية وكلها تساعد المبتكرين على تطويرها.
توظيف الثراء اللغوي
وعن غنى المحتوى العربي وثرائه تحدث الدكتور مجد عن كيفية توظيف ذلك الثراء اللغوي في الذكاء الاصطناعي أوضح: أنّ الاستفادة من المحتوى الغني برقمنة المحتوى وتطوير التقانة اللازمة لتطوير الخط العربي واستخلاصه من المخطوطات وبطون الكتب واللغة العربية أصعب من اللغات حيث يصعب قراءة النصوص المطبوعة وهي تحتاج للكثير من الجهد.
وهذا العمل يؤدي إلى استخلاص كميات هائلة من الثقافة الإسلامية من أجل توظيفها في الذكاء الاصطناعي، وهذا الثراء يساعد في تطوير نظام ذكاء اصطناعي أكثر قدرة، وهناك جهود كبيرة للاستفادة من البنية الفريدة للكلمة العربية وفهم الكيان وكيفية تركيب الكلمة.
نقص العقول العربية
وعن نقص العقول العربية المبتكرة قال د. مجد حواصلي: إنّ الشباب العربي مبدع وله أفكار خلاقة ولكن المشاكل الاقتصادية والسياسية خاصة في العالم العربي هي التي تجبر الشباب على الدراسة والعمل في الخارج وبالتالي نخسر تلك الطاقات الإبداعية بالإضافة إلى تحديات الاستثمار، ونقص الاستثمار في ريادة الأعمال وطرق التعليم التقليدية التي لم تتغير من عشرات السنين فهي التي تمنع المبدع العربي من الاستفادة من قدراته كما أنّ الإغراءات الاقتصادية التي تقدمها شركات التقانة الكبرى هي أحد الأسباب المهمة جداً لانتقال الشباب العربي إلى الغرب.
وهناك جهود إيجابية لبعض الدول العربية منها قطر والسعودية والإمارات وغيرها، وتوجد ثمار لذلك ولابد من استغلال البيئة العربية وتطوير عقول جديدة ليعمل الشباب على تطوير نظم ذكاء اصطناعي عربي، والعالم العربي لا يعاني من نقص في العقول العربية إنما هي الظروف المواتية لإبقاء العقول في العالم العربي.
وأكد أنّ السبيل لتطوير الذكاء الاصطناعي يبدأ من تحسين التعليم أولاً وزيادة الاستثمار في البحث العلمي والاستثمار في عقول النشء وتشجيع الابتكار وهذا لاشك سيزيد من قوة البحث العلمي وتوطين شركات التقانة ليشعر الباحث أنه يبقى في العالم العربي بدلاً من الاغتراب وإيجاد دور للقطاع الخاص للدفع بهذه التقانة وهو حل مستدام من أجل تطوير ذكاء اصطناعي مبتكر.
دور مؤسسة قطر
وعن دور مؤسسة قطر ومراكزها البحثية أكد أنّ قطر دولة رائدة على مستوى الوطن العربي في تمكين البحث العلمي والابتكار وهناك تركيز خاص على اللغة العربية والثقافة الإسلامية ويبرز في إنتاج البحث العلمي وفي معهد الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة تمّ إطلاق مشروع فنار وهي منصة للذكاء الاصطناعي التوليدي يركز على اللغة العربية والقيم الإسلامية وهو مشروع مستمر لاستغلال التقانة الحديثة في الذكاء الاصطناعي التقليدي وبناء نظام قادر على معالجة النصوص وتوليد القصص وتوليد الصوت والتحدث باللغة العربية والمحكية وفهمها وهو مساهمة من قطر لدعم الذكاء الاصطناعي، وهناك مشاريع أخرى بالمعهد وهو المساعد الذكي لتعليم اللغة العربية ونطقها، كما أنّ الدولة كثقافة وكيان مجتمعي هي جاذبة للمبتكرين العرب وتستقطب باحثين عربا أكفاء وتوجد شركات كبرى تعمل في هذا المجال وقطر دولة ذات تأثير كبير في العالم العربي من أجل تطوير هذه التقانة.
ونحتاج إلى محتوى ذي قيمة علمية وثقافية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أما المحتوى العربي الحالي ضحل ومكرر وأفكاره غير مناسبة وليست فيه كثافة معلومات أسوة بالمحتوى الأجنبي.
وهناك مبادرات للتعاون بين الجامعات ومؤتمرات تناقش اللغة العربية الطبيعية، لوجود تأثيرات كبيرة على المحيط البشري والقدرة الحالية الاعتماد على تلك التقانة وهذا يضيق القدرة الإبداعية البشرية، وسيؤدي لخسارة الأعمال لذلك نحتاج إلى تطوير فهم لمعنى الفن والكتابة وتطوير طرق جديدة لتقييم الطلاب وأنّ العامل البشري هو الأساس وعدم الاعتماد على معطيات من هذه النظم حتى لا نخسر الفكر البشري.