تحتفل المكتبة الوطنية الأردنية بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيسها حرصت خلالها على العمل الدؤوب من أجل حفظ ذاكرة الوطن الثقافية والفكرية، لتتحول خلال نصف قرن من مجرد مكتبة إلى منارة علمية وثقافية تشع بنور المعرفة في شتى أنحاء العالم.
وتواصل المكتبة الوطنية الأردنية مسيرتها الرائدة والحافلة بالعطاء والتطور كواحدة من أهم الصروح الثقافية في الأردن، فمنذ تأسيسها لعبت دورا محوريا في جمع وحفظ الإنتاج الفكري الوطني، كما ساهمت في تعزيز ثقافة القراءة والبحث العلمي في المجتمع الأردني.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور نضال العياصرة مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الأردنية، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "لا تزال المكتبة الوطنية حصنا للمعرفة في الأردن، ومنذ إنشائها، كانت تعمل على جمع وحفظ جميع ما يكتب ويطبع في المملكة من إنتاج فكري، ولكن مع التحولات الرقمية التي يشهدها العالم، كان لا بد لنا من التكيف مع هذه التغيرات لتسهيل الوصول إلى المعرفة وحمايتها".
وأضاف أنه منذ أن بدأت المكتبة في التوجه نحو الرقمنة في بداية العقد الماضي، تمكنت من تحويل العديد من المجموعات القيمة إلى صيغ رقمية، ما أتاح للباحثين والمواطنين الوصول إلى ملايين الكتب والمراجع عبر الإنترنت، وهو ما استدعى إدخال أنظمة رقمية حديثة ساعدت على تسريع عملية الفهرسة وحفظ المحتوى، حيث يمكن للباحثين الآن الاطلاع على المواد من أي مكان في العالم، وتقديم الفهرس الأردني الموحد الذي يعد أحد أهم الإنجازات في عصر الرقمنة.
وأوضح أن الفهرس الأردني الموحد هو نظام رقمي يتيح للمستخدمين البحث في مكتبات مختلفة عبر الإنترنت، بدلا من الاضطرار للذهاب إلى كل مكتبة على حدة، مشيرا إلى أنه، من خلال هذا النظام، يمكن للمواطن أو الباحث الدخول إلى قاعدة بيانات تضم كتبا ومراجع من جميع المكتبات الأردنية، حتى لو كان الكتاب موجودا في جامعة اليرموك، يمكن البحث عنه والوصول إليه من مكتبة الجامعة الأردنية أو أي مكتبة أخرى.
وتابع العياصرة: "بفضل هذا المشروع أصبح لدينا اليوم قاعدة بيانات موحدة تضم جميع الفهارس من الجامعات والمكتبات الوطنية، وهي متاحة للجميع في أي وقت، حيث تعمل المكتبة الوطنية على تحسين هذه الأنظمة باستمرار لتسريع وصول المعرفة إلى الجميع".
وحول التحديات القانونية وحقوق المؤلف وحماية الملكية الفكرية، قال مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الأردنية: "نحن نعيش في عصر يتسم بالتحول السريع، حيث أصبح من السهل تحويل الكتب الورقية إلى نسخ إلكترونية ولكن مع هذا التحول، يجب أن نكون حذرين ونحترم حقوق المؤلف، حيث إن تحويل أي كتاب أو عمل فكري من شكل إلى آخر كتحويله من الكتابة إلى الصيغة الصوتية أو الإلكترونية يتطلب موافقة مسبقة من صاحب العمل، ونحن ملتزمون بقانون حقوق المؤلف، ومن خلال اتفاقية مراكش التي وقعت عليها الأردن، نستطيع أن نوفر الكتب للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، على سبيل المثال، عبر تحويلها إلى نصوص صوتية أو إلى لغة برايل دون الحاجة للحصول على موافقة مسبقة".
وأشار الدكتور نضال العياصرة إلى أن المكتبة الوطنية الأردنية تعمل عن كثب مع دور النشر والمكتبات الأخرى لضمان احترام حقوق الملكية الفكرية، وفي نفس الوقت توفير وصول قانوني وآمن للمعلومات، مؤكدا أنه مع تطور التكنولوجيا، تواجه المكتبات تحديات جديدة تتعلق بالأمن السيبراني وحماية المعلومات، كما تتعرض المعلومات الرقمية للاختراق والتدمير بشكل متزايد، وتكون المواقع الإلكترونية والمكتبات الرقمية هدفا للهجمات الإلكترونية التي تهدف إلى التلاعب بالمحتوى أو تدميره.
وأضاف أن المكتبة الوطنية الأردنية تتخذ العديد من الإجراءات لحماية المعلومات، بما في ذلك أنظمة الأمان المتطورة التي تحمي المحتوى الرقمي من أي تهديدات.
وقال: "نحن لا نكتفي بتحديث أنظمتنا الرقمية فحسب، بل نتعاون مع الجهات الأمنية لضمان حماية قواعد البيانات والمحتوى الرقمي من الاختراقات، كما تنسق المكتبة مع العديد من المؤسسات الأمنية والحكومية لضمان سلامة البيانات، وكذلك توعية الموظفين بكيفية التعامل مع هذه التهديدات".
وبشأن التعاون الدولي وفتح آفاق جديدة للمعرفة، أكد مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الأردنية حرص المكتبة على التعاون مع المكتبات العالمية، من خلال التنسيق والتواصل المستمر مع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، خاصة وأن هذا التعاون يفتح آفاقا جديدة في تبادل الخبرات والمعرفة مع المكتبات في جميع أنحاء العالم.
ونوه بالتعاون بين المكتبة الوطنية الأردنية والجهات المعنية في دولة قطر، حيث يتم تبادل الكتب والمراجع، فضلا عن التعاون في برامج تدريبية وورش عمل مشتركة تهدف إلى تعزيز مستوى الخدمات المكتبية بين البلدين الشقيقين.
وتطرق العياصرة إلى الإنجازات التي حققتها المكتبة الوطنية الأردنية على مدار نصف قرن، قائلا: "لقد قطعنا شوطا كبيرا في تطوير خدماتنا، وفي الحفاظ على التراث الثقافي والفكري الوطني، حيث إن هذه الاحتفالات ليست مجرد مناسبة للاحتفاء بالماضي، بل هي فرصة لعرض مشاريعنا المستقبلية وتقديم خدمات جديدة".
وأضاف الدكتور نضال العياصرة مدير عام دائرة المكتبة الوطنية الأردنية، في ختام تصريحات لـ/قنا/: "سيتم خلال العام الجاري تنظيم سلسلة من الفعاليات الثقافية والعلمية بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس المكتبة وستكون هناك معارض كتب وندوات علمية وأمسيات شعرية تهدف إلى نشر الوعي الثقافي وتعزيز أهمية القراءة والبحث في المجتمع، كما ستنظم المكتبة الشهر المقبل المؤتمر الدولي الأول بعنوان /المكتبات الوطنية ودور المحفوظات ودورها في حفظ الذاكرة الوطنية في بيئة رقمية متغيرة/، بمشاركة 20 دولة عربية وأجنبية.
وأشار إلى أن المؤتمر سيناقش أربعة محاور تتعلق بالمكتبات الوطنية ومستقبلها، كما يتطرق إلى نشأة المكتبات الوطنية ودور المحفوظات والتطور والأدوار التي تقوم بها، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها المكتبات الوطنية ودور المحفوظات في البيئة الرقمية واستشراف المستقبل، فضلا عن عرض تجارب ريادية للمكتبات الوطنية ودور المحفوظات والهيئات الحكومية في ظل التشريعات القانونية، لافتا إلى أن عدد البحوث التي وصلت إلى اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي الأول للمكتبة الوطنية بلغت 30 بحثا، واعتمدت اللجنة العلمية 23 محكما من 13 دولة عربية إضافة إلى الأردن.