في إطار حرص «الشرق» على توعية القراء بأحكام العبادات وتعميق الفهم الشرعي في مواسم الطاعات، يقدم فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عبر «رمضانيات الشرق»، سلسلة موضوعات يجيب من خلالها عن أبرز الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بزكاة الفطر، من حيث مقدارها ووقتها وأحكامها الشرعية، والأدلة المعتمدة لدى المذاهب الفقهية، إلى جانب أبعادها الاجتماعية والروحية والاقتصادية، وذلك في مقالات متتابعة تهدف إلى تقديم معرفة موثوقة وشاملة للقراء، بما يضمن أداء هذه الشعيرة العظيمة على الوجه الصحيح.







قال فضيلة الشيخ علي القره داغي إن المجيزين لدفع قيمة صدقة الفطر استدلوا بما يأتي:
- الأصل في صدقة الفطر، ومقاصد الشريعة منها إغناء الفقراء في يوم العيد، وإدخال السرور والفرح في قلوبهم من خلال توفير احتياجاتهم الأساسية، وهذا بلا شك إنما يتحقق في عصرنا الحاضر في الغالب بدفع النقود إليهم ليشتروا بها حاجياتهم الأساسية التي لا تنحصر في التمر، والقمح، والشعير، والأرز ونحوها.

- إن من أقوى الأدلة: ما رآه معاوية رضي الله عنه وعرضه على الصحابة الكرام في حجته أو عمرته، من أن نصف صاع من سمراء الشام (القمح) يعدل صاعاً من التمر، ووافقه الصحابة كما قال الصحابي الجلي أبو سعيد الخدري.
- ثبت في نصوص شرعية صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين قبلوا القيمة في زكاة بعض الأعيان في حالات متعددة، مثل قبول الدراهم أو الدنانير مكان الفارق في العمر المطلوب في زكاة الابل، حيث قدر الجبران بشاتين أو عشرين درهماً.
- كما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن لجمع الصدقات المفروضة قال لهم: (ائتوني بعرض ثياب خميس أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار) رواه البخاري معلقاً في باب العرض في الزكاة.


    - الرأي الراجح
وأضاف فضيلته: «بعد استعراض ما أمكن من الأدلة، والمناقشات العلمية الكثيرة حول هذه المسألة التي لم يسعفنا الوقت لسردها كلها، يتبيّن لي رجحان القول الثاني مع ضبطه بما قاله أصحاب القول الثالث من أن يكون دفع القيمة أنفع للفقراء، وبالتالي فإذا كان دفع الطعام والحبوب أنفع لهم فيبقى هو الأصل والله أعلم، في ضوء ما يأتي: أولاً - أنه لا خلاف بين الفقهاء أبداً في جواز الأخذ بظاهر هذه النصوص ودفع صاع من غالب قوت البلد أو مما ذكره الحديث الشريف (حسب التفصيل السابق)».
وتابع: «ثانياً - بما أن الخلاف في دفع القيمة في صدقة الفطر خلاف قوي جداً، فلا يجوز الاعتراض عليه، ولا إبطال من يأخذ بهذا الرأي ولا التشنيع على أحد الرأيين، فهو خلاف مشروع يجوز لكل مسلم أن يستفتي قلبه في الأخذ برأي المانعين او المجيزين، ولا يجوز للوعاظ وخطباء المساجد إثارة هذا الموضوع في الوعظ والخطب حتى لا تحدث مشكلة أو بلبلة بين المسلمين، فالمنابر ليست مكاناً لإثارة النزاعات، وهذا هو منهج علمائنا الربانيين من القبول بالخلاف المشروع واحترامه حتى ولو كان مخالفاً لرأي الآخر».


    - الدين يقوم على اليسر
ثالثاً- إن هذا الدين يقوم على اليسر ورفع الحرج في الدفع والأخذ والعطاء وفي الدعوة والفتاوى، وبالتالي فإن دفع صدقة الفطر نقداً أيسر للطرفين من دفع التمور، والشعير، والقمح ونحوها، وأن هناك حرجاً وعسراً في جميع صدقات الفطر من التمور أو القمح أو الأرز في المدن الكبيرة في عصرنا الحاضر، بالاضافة إلى أننا لو أعطيناهم اليوم للفقراء لتوجه معظمهم إلى بيعها بثمن قليل لسد حاجاته الأخرى، ومن جانب آخر نرى أن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الزكاة وغيرها يقوم على التيسير على الناس، فمن لم يكن لديه الأصل الواجب في الزكاة يأخذ منه بدله، أو الفارق كما في زكاة الابل.

رابعاً - أن مقاصد الشريعة في صدقة الفطر واضحة وهي إغناء الفقير عن حاجياته ومما لا شك فيه أن الاحتياجات اليوم لا تنصحر في أكل التمر، والخبز من القمح، أو الرز فهي أكثر ومتنوعة، ولذلك فالنقود تحقق هذه الأغراض بصورة أفضل، إذن فهي جديرة بقبولها إن لم يكن دفعها أفضل، ومن المعلوم أن الشريعة مبنية على رعاية المصالح بجميع أنواعها.