لم يكن فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية مفاجئاً أبداً بالنسبة لي، فقد توقعت ذلك قبل 17 يوماً من انطلاق الانتخابات في تغريدة مؤرخة ومثبتة على حسابي الشخصي في منصة إكس، وبالفعل صدقت توقعاتي فقد اكتسح ترمب حتى في الولايات المتأرجحة، والتي حظيت بتضخيم إعلامي واسع النطاق، بمقدار نقطتين أو ثلاث نقاط مئوية، وهكذا، أصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة بفضل تفوقه الملحوظ في الملف الاقتصادي على هاريس، مستفيداً من الألم الاقتصادي للأميركيين في محلات البقالة والمطاعم ومحطات البنزين وسط استحالة تملك المنازل الجديدة وارتفاع الإيجارات، وكلها بنود شهدت تضخماً حاداً للغاية، مما أودى بجيوب الطبقة الوسطى تماماً، ورغم كثرة التحليلات التي ستظهر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، إلا أن السبب الأكبر وراء فوز ترمب يكمن في عدم الرضاء الشعبي عن إدارة بايدن، فيما لم تستطع كامالا هاريس أن تنأى بنفسها عن ذلك، نظرا لأنها نائبة للرئيس، بينما يشعر الأميركيون أن السنوات الأربع الماضية لم تخدمهم بشكل جيد.
لا شك أن أداء هاريس كان أفضل كثيرا في الانتخابات مقارنة بأداء الرئيس جو بايدن، لكن الحقيقة هي أن تصورات وخبرات الكثير من الأميركيين للاقتصاد تشير إلى أنه في حالة يرثى لها، وأنهم يتعاملون مع أكبر صدمات الأسعار منذ سبعينيات القرن العشرين، وهذا شيء يختبرونه في كل مرة يشترون فيها البقالة أو يملؤون سياراتهم بالبنزين، وقد نفثوا غضبهم على هاريس، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلب الأميركيين يشعرون بأن حالهم أسوأ مما كانوا عليه قبل أربع سنوات، ولا يعتقد سوى عدد ضئيل منهم أن البلاد تسير على المسار الصحيح اقتصادياً، لذا، عندما كان الناس يبحثون عن التغيير الذي يعتقدون أنه سيحسن حياتهم، لجأوا إلى ترمب، وكانت ذكريات الناس عن إدارة ترمب الأولى هي أن الاقتصاد كان أقوى آنذاك، على الرغم من أن العام الأخير من جائحة كورونا كان كارثيًا إلى حد كبير، ومع ذلك، لا يبدو أنهم يحملون ذلك ضده، بل يعتقدون أنهم كانوا في حال أفضل آنذاك مما هم عليه الآن، وكان هذا شعوراً قوياً للغاية يتعين على نائب الرئيس محاربته.
كراهية النساء المستمرة
ولعل كونها امرأة كان أيضاً من العيوب التي ميزت هاريس، فمنذ أصبحت المرشحة المفترضة للحزب الديمقراطي، كانت تكافح ضد ثقافة معادية للنساء، وزاد مستوى الإهانة من حملة ترمب سوءاً، في حين كان هناك الكثير من الحديث في وقت مبكر من الحملة حول لعب الإجهاض دورًا رئيسيًا في التصويت، إلا أنه في النهاية طغت عليه قضايا أخرى، وكان من المفترض أن يطغى الاقتصاد على الإجهاض دائمًا، لأن الاقتصاد هو ما يتعامل معه الناس كل يوم، وينطبق الشيء نفسه على الهجرة التي لم تلعب دورًا كبيرًا في التصويت كما توقع البعض، لذا فإن القضيتين الكبيرتين اللتين ركز عليهما كل جانب لم تكونا في النهاية بنفس أهمية الاقتصاد.
التحولات العرقية
توضح النتائج أن ترمب نجح بشكل ملحوظ في تحسين تصويته بين اللاتينيين، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن تصويته كان في منتصف الأربعينيات بين اللاتينيين، وهو ما كان على قدم المساواة مع الرؤساء الآخرين الناجحين انتخابياً، ومن الواضح أن الجدل حول نكتة عنصرية عن البورتوريكيين لم يغير من استعداد اللاتينيين للتصويت لترمب، ويميل العديد من اللاتينيين إلى المحافظين اجتماعياً، وقد تضرروا بشدة من التضخم والضغوط الاقتصادية، وأظهر أحد استطلاعات الرأي أن ترمب حصل على 12% من أصوات الناخبين من أصل أفريقي، وإذا ثبتت صحة هذا الأمر بعد فرز جميع الأصوات، فإن هذا يعني زيادة كبيرة في شعبيته، وقد تبدو هذه النسبة ضئيلة، ولكنها قد تكون بالغة الأهمية على الهامش.
نجح ترمب في إقناع المحافظين بين اللاتينيين والأميركيين من أصل أفريقي بأن الحزب الجمهوري لديه مكان لهم، وأنه ليس مجرد حزب للبيض، بينما فازت هاريس بين الشباب، لكن هامشها في تلك المجموعة لم يكن كبيرًا مثل بايدن في عام 2020، وهذا أمر مفاجئ، لأنها أصغر منه بحوالي 20 عامًا، ولكن ربما هناك عدد قليل من العوامل المختلفة المؤثرة، فقد تضرر الشباب أيضًا بشدة من الاقتصاد، وهم يشكلون عاداتهم التصويتية للتو، وربما وجدوا أن المنافسة غير ملهمة بالنسبة لهم.
مستقبل الديمقراطيين
من المرجح أن يمر الديمقراطيون بفترة طويلة من الإحباط، ونحن بحاجة إلى أن نرى كيف ستنتهي الأمور في مجلس النواب، وهناك احتمال أن يحظى هو أيضا بأغلبية جمهورية، ولكن مهما حدث، فسوف يحتاج الديمقراطيون إلى إعادة البناء من المعارضة، وفي التاريخ الحديث، نجحت الأحزاب في إعادة بناء نفسها بسرعة كبيرة من المعارضة، حيث يميل الأميركيون إلى الانقلاب على حكوماتهم بسرعة كبيرة، وقد يبحثون عن جيل جديد من القيادات، وتذكروا أنه بنهاية ولايته بعد أربع سنوات، سوف يصبح ترمب طاعناً في السن، ومن المرجح أن يكون آخر زعماء جيل طفرة المواليد، كما أنه لن يتمكن من الترشح للرئاسة مرة أخرى.
قد يفهم الديمقراطيون أنهم لا يستطيعون الفوز بمجرد المعارضة، أو لمجرد عدم كونهم دونالد ترمب، وقد أخطأوا بانهم لم يقدموا وعوداً كافية أو دفاعات مقنعة رداً على اتهامات حملة ترمب لهم، وربما يحاول الديمقراطيين الشباب دفع الحزب في اتجاه أكثر تقدمية، وربما يلقي آخرون في الحزب باللوم في خسارتهم على كونهم تقدميين للغاية، علماً بأن هاريس قضت أغلب وقتها في محاولة استقطاب الناخبين المعتدلين والمحافظين، وربما حان الوقت لتجربة شيء جديد.
وعود ترمب
وعد ترمب بالكثير من الأشياء المذهلة، وبعضها لمجرد تسلية قاعدته الانتخابية، وبعضها الآخر هو ما يؤمن به حقا، ولكن هل سيفعل ما تعهد به؟، دون شك، هو يريد ترحيل كل مهاجر غير شرعي في البلاد، ولكن الصعوبات القانونية والعملية التي تترتب على ذلك حقيقية ومحدودة للغاية، وإذا كان ترمب يريد فرض التعريفات الجمركية على نطاق واسع، فسوف يحتاج إلى تعاون الكونجرس، وسوف يحذر كثيرون من ذلك، وربما نتصور أن الجمهوريين المنتخبين الآخرين وقعوا في أسره بالكامل، ولكن نظراً لأنه لن يترشح مرة أخرى، فقد يركز بعض الجمهوريين على المستقبل، ولهذا سيحاولون شق طريق أكثر استقلالية.
من بين وعود ترمب، أنه يخطط لإقالة أكبر عدد ممكن من البيروقراطيين واستبدالهم بموالين له لن يعارضوه في أي إجراء، صحيح أنه قد يكون قادراً على ملء الحكومة الفيدرالية بأشخاص يفعلون ما يريده، ولكن من ناحية أخرى قد يكون من الصعب عليه أن يحكم إذا أقال كل من يعرف آليات عمل الحكومة، لذلك، سوف ننتظر لنعرف كم من الوعود سوف يكون الرئيس ترمب قادراً على تنفيذها بالفعل.