تراجعت أسعار النفط بنحو 1% يوم الخميس، مع تصاعد التوقعات بأن اتفاق سلام محتمل بين روسيا وأوكرانيا قد يؤدي إلى رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على صادرات النفط الروسية، مما سيؤدي إلى زيادة المعروض العالمي، كما ساهمت زيادة مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم، في الضغط على الأسعار.
بحلول الساعة 07:35 بتوقيت جرينتش، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 81 سنتًا (1.1%) إلى 74.37 دولارًا للبرميل، بينما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنفس النسبة إلى 70.56 دولارًا للبرميل.
جاء هذا الانخفاض الحاد بعد تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كشف أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي أبديا استعدادهما لإنهاء الصراع الدائر منذ عام 2022، وأعلن ترامب أنه أصدر تعليماته لكبار المسؤولين الأمريكيين بالبدء في محادثات سلام تهدف إلى إنهاء الحرب.
كما عزز هذا التفاؤل إعلان وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن أوكرانيا لن تسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولن تطالب باستعادة جميع أراضيها التي استولت عليها روسيا، وهو ما يعد تنازلًا كبيرًا عن مطالب كييف السابقة، وكانت رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الناتو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت روسيا إلى غزوها، مما جعل هذا التطور السياسي نقطة تحول قد تساهم في تسريع مفاوضات السلام.
أثارت الأنباء عن معاهدة السلام المحتملة مخاوف الأسواق النفطية، إذ يعني ذلك إمكانية رفع العقوبات الصارمة المفروضة على روسيا، التي تعد ثالث أكبر منتج للنفط عالميًا بعد الولايات المتحدة والسعودية، ومن شأن إزالة هذه العقوبات أن تحرر كميات هائلة من النفط الروسي، مما قد يؤدي إلى تخمة في المعروض، ويضغط على الأسعار نزولًا.
وفقًا لمحللي بنك ANZ، فإن الانخفاض الحالي في الأسعار مدفوع بـالتفاؤل بإمكانية تخفيف المخاطر الجيوسياسية على الإمدادات النفطية، وأضافوا أن العقوبات الأمريكية والأوروبية كان لها تأثير كبير على تراجع إنتاج روسيا، وبالتالي فإن أي تخفيف لهذه الضغوط قد يؤدي إلى زيادة الصادرات الروسية مرة أخرى، مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بشكل أكبر.
إلى جانب التوقعات السياسية، أثرت زيادة مخزونات النفط الخام الأمريكية بشكل كبير على السوق، حيث أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية يوم الأربعاء أن مخزونات الخام ارتفعت بمقدار 4.1 مليون برميل لتصل إلى 427.9 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 7 فبراير، متجاوزة توقعات المحللين التي كانت تشير إلى زيادة 3 ملايين برميل فقط.
وقال دارين ليم، استراتيجي السلع الأساسية في شركة فيليب نوفا: "شهدت العقود الآجلة للنفط الخام انخفاضًا بسبب تراكم المخزونات الأمريكية المتتالية، ومع تحسن العلاقات الجيوسياسية، قد نشهد مزيدًا من الضغط على الأسعار خلال الأسابيع المقبلة".
لم يقتصر الضغط على أسعار النفط على محادثات السلام فحسب، بل تأثرت الأسواق أيضًا بتهديد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على الدول التي تفرض تعريفات على الواردات الأمريكية، جاء هذا التهديد عقب قراره بفرض رسوم إضافية على واردات الصلب والألمنيوم، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية قد تؤثر على النمو الاقتصادي، وبالتالي على الطلب على النفط.
وقال سوفرو ساركار، رئيس قطاع الطاقة في بنك دي بي إس: "يُشكل ارتفاع معدل التضخم عاملاً مثبطًا للأسواق، حيث يؤدي إلى تأجيل قرارات خفض أسعار الفائدة، مما قد يبطئ النمو الاقتصادي، ويحدّ من الطلب على الطاقة".
تأثرت الأسواق أيضًا ببيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي التي صدرت مؤخرًا، والتي جاءت أعلى من المتوقع، مما يعزز المخاوف من بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. يؤثر هذا بشكل مباشر على قطاع النفط، إذ أن ارتفاع الفائدة يعني تباطؤ النشاط الاقتصادي، وانخفاض الطلب على الوقود.
إضافة إلى ذلك، فإن تصريحات ترامب حول تعريفات جمركية متبادلة زادت من توتر الأسواق، مما قد يؤدي إلى تفاقم المخاوف بشأن التضخم العالمي، فكلما ارتفعت تكلفة الاستيراد، ارتفعت الأسعار، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول من المتوقع.
رغم تأثير هذه العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، يرى بعض المحللين أن تراجع أسعار النفط قد يخدم أجندة ترامب السياسية، حيث أن انخفاض أسعار الخام يترجم مباشرة إلى انخفاض تكاليف الوقود في محطات البنزين الأمريكية.
قد يكون هذا الانخفاض في الأسعار ورقة رابحة لترامب في حملته الانتخابية، حيث يستطيع الترويج لقدرته على خفض تكاليف المعيشة، وتقليل التضخم، خاصة وأن الناخب الأمريكي يتأثر بشدة بأسعار الطاقة.
مع استمرار المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، ومراقبة الأسواق لأي تطورات في السياسة التجارية الأمريكية، يبدو أن أسعار النفط ستظل عرضة للتقلبات الحادة في الفترة المقبلة. يبقى السؤال الأهم: هل سنشهد استقرارًا في أسواق الطاقة، أم أن هناك صدمات جديدة تنتظرها؟