تحتفل مملكتنا الغالية بذكرى اليوم الوطني والتي تصادف 23 سبتمبر من كل عام، وهذا التاريخ يعود إلى المرسوم الملكي الذي أصدره المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ الذي قضى بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وذلك ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق فيه للأول من الميزان يوم 23 سبتمبر من عام 1932م، ومنذ ذلك التاريخ ومملكتنا الغالية تحتفل في كل عام بهذه المناسبة الغالية وهذا اليوم الذي يتوج مسيرة كفاح طويل استمرت أكثر من 32 عاماً نتج عنه توحيد شتات الوطن وخلق أمة موحدة في كيان واحد تحت اسم المملكة العربية السعودية، قاد خلالها الملك المؤسس شعبه لتحقيق تلك المعجزة فوق الرمال، وقد حافظ أبناؤه البررة الميامين من بعده على ذلك الكيان العظيم وتطوره وترسيخ أمنه واستقراره الذي نعيش فيه اليوم بعد أن نفض عنه ثالوث الجهل والجوع والمرض، ووصل إلى ما نحن فيه من رفعة نفاخر بها الأمم، وسط العديد من الإنجازات التي أوصلتها الى مصاف الدول المتقدمة، فمملكتنا تحتل مكانة عالمية على الصعد كافة، وتعد قلب العالم الإسلامي النابض، ومهوى أفئدة المسلمين، وقائدة بوصلة العالم العربي، ورائدة العمل الخيري والإنساني، حيث حققت منجزات عالمية باتت محط إعجاب العالم أجمع في العديد من المجالات التنموية المستدامة، لتصبح ضمن الدول الأكثر رقياً بشعوبها، وفقاً لرؤية المملكة 2030.

بُعد نظر

وتشهد مملكتنا تحولاً عظيماً يتمثل في رؤية الوطن، التي من أهم مميزاتها أنها مرنة، وقابلة للتحوير والتعديل والتطوير متى ما أثبت التطبيق الحاجة إلى ذلك، وهذا بلا شك ناتج من وعي وبُعد نظر وديناميكية القائمين عليها بقيادة ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله– ومن منجزات هذه الرؤية فيما يخص خدمة الحجاج والمعتمرين تشـرفت المملكـة بـأن تكـون قبلـة المسـلمين فـي مشــارق الأرض ومغاربهــا، ومــن خــلال رؤيتهــا 2030 ســعت إلــى زيــادة القــدرة علــى اســتضافة ضيــوف الرحمــن ســواء لأداء مناسك الحــج والعمــرة أو لزيــارة المســجد النبــوي، عبــر التوســع فــي منظومــة الخدمــات والمســاحات فــي الحرميــن الشــريفين، بهــدف إحــداث نقلــة نوعيـة لقاصـدي الحرميـن الشـريفين، وإثـراء رحلتهم الدينيـة وتجربتهم الثقافيــة وعكــس الصــورة الحضاريــة للمملكــة.

رحلة المستقبل

وفي ذكرى اليوم الوطني الـ94 نستذكر يوماً مهماً في تاريخ هذه البلاد الناصع بالبياض وهو يوم الخامس والعشرين من شهر أبريــل مــن عــام 2016م، حيث بــدأت رحلــة المســتقبل نحــو الأفضل حينمــا أســس صاحــب الســمو الملكــي الأميــر محمــد بــن ســلمان بــن عبــدالعزيـز ولـي العهـد رئيـس مجلـس الـوزراء ورئيـس مجلـس الشـؤون الاقتصاديـة والتنميـة -حفظـه اللـه- رؤية المملكة 2030، حيث عرضت على مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان –حفظه الله– لاعتمادها، وأطلقت في ذلك التاريخ، ويشترك في تحقيقها كل من القطاع العام والخاص وغير الربحي كأحـد أكبـر برامـج التحـول الوطنـي عالميـاً، وهـي رؤيـة ثاقبـة وطمـوحة تعبـر عن مـدى إيمـان حكومـة المملكـة بقـدرة شـعبها على تحقيـق آمالهـم وتطلعاتهم، وتتطلـع الرؤيـة لتحقيـق تنميـة شـاملة غايتهــا بنــاء مجتمــع نابــض بالحيــاة، يســتطيع الجميــع فيــه تحقيــق أحلامهم وآمالهـم وطموحاتهـم، لينعمـوا بحيـاة عامـرة وصحيـة، واقتصـاد مزدهـر فـي وطـن طمـوح، وتسـلط الضـوء علـى إمكانـات هـذا الوطـن وثرواتـه المتنوعـة، والـذي يربـط القــارات الثلاث (آســيا – أفريقيــا - أوروبــا)، ويشــكل مركــزاً اقتصادياً قويــاً، حيــث تعتبر المملكة بلــد الحرميــن الشــريفين وقلـب العالميـن العربـي الإسلامي، وسنستعرض جزءاً مهماً من أهداف هذه الرؤية المباركة وهي خدمة ضيوف الحرمين الشريفين من كافة بقاع العالم.

خدمة الحجيج

وتشـرفت المملكـة بـأن تكـون قبلـة المسـلمين فـي مشــارق الأرض ومغاربهــا، ومــن خــلال رؤيتهــا 2030 ســعت إلــى زيــادة القــدرة علــى اســتضافة ضيــوف الرحمــن ســواء الحــج والعمــرة أو لزيــارة المســجد النبــوي، عبــر التوســع فــي منظومــة الخدمــات والمســاحات فــي الحرميــن الشــريفين، بهــدف إحــداث نقلــة نوعيـة لقاصـدي الحرميـن الشـريفين، وإثـراء رحلتهم الدينيـة وتجربتهم الثقافيــة وعكــس الصــورة الحضاريــة للمملكــة، وذلك من خلال الحصول على تأشيرة إلكترونية للحجاج والمعتمرين بدقائق، بتطبيــق أحــدث التقنيــات المتطــورة التــي تربــط ديــوان وزارة الخارجيــة فــي المملكــة بالبعثــات الرســمية والمؤقتــة، ممــا أســهم فــي الإنجاز الســريع وبدقــة عاليــة فــي تقليــص مــدة الحصــول علــى التأشــيرة إلــى خمس دقائــق بدلاً مــن 14 يومــاً فــي الســابق، وإطلاق مبادرة تمديد فترة موسم العمرة بعــد دراســة الفئــات المســتهدفة مــن الســماح بتمديــد فتــرة العمــرة والتعديــات اللازمــة علــى القــرارات لـوزارة الحـج والعمـرة والجهـات الرسـمية ذات العلاقـة، ممـا زاد عـدد المعتمريـن مـن 7.42 ملايين معتمـر فـي عـام 2018م إلـى 8.2 ملايين معتمـر عـام 2020م، حيـث كانـت فتـرة موسـم العمـرة لمعتمـري الخـارج تبـدأ مـن غـرة شـهر صفـر وتنتهـي بنهايـة شـهر رمضـان مـن كل عـام هجـري -ثمانية أشـهر-، ولكثـرة الطلبـات الـواردة مـن معتمـري الخـارج، جـرت الموافقـة علـى التمديـد موسـم العمـرة خـلال شـهري شـوال ومحـرم، فـي سـبيل تجويـد الخدمـات المقدمـة لضيـوف الرحمـن، وفي إطار التسهيل على قاصدي بيت الله الحرام أيضاً تم إطلاق مبادرة حج بلا حقيبة، وتهـدف إلـى تقليـل الجهـد والوقـت ومـدة الانتظـار فـي صـالات المطـار، وتخفيـض المـدة الزمنيـة لاسـتقبال الحجـاج، مـن خـلال نقـل أمتعـة الحجـاج مـن المطـار إلـى مقـرات سـكنهم، دون انتظارهـا فــي المنافــذ، الأمــر الــذي كان يتطلــب جهــداً ووقتــاً، وهــي تأتــي ضمــن حزمــة مــن المبــادرات والخدمـات المتطـورة السـاعية إلـى إحـداث نقلـة نوعيـة فـي الخدمـات المقدمـة لضيـوف الرحمن، وفـي موسـم حـج 1440هــ / 2019م تـم نقـل نحـو 600 ألـف حقيبـة لــ 500 ألـف حـاج، وتقلصـت مـدة بقـاء الحـجاج فـي المطـار بنسـبة %51 ممـا وفـر أكثـر مـن 400 ألـف سـاعة عمـل.

قطار الحرمين

ويُعد قطار الحرمين السريع أحد أسرع 10 قطارات كهربائية في العالم، إذ تبلغ سرعته 300 كم في الساعة، مستخدمًا أنظمة إشارات واتصالات متطورة، لذا فهو يُعَد مكونًا أساسيًّا في خطة التطوير وبرنامج التوسع في شبكة الخطوط الحديدية السعودية، ويربط هذا المشروع بين المدينتين الرئيستين في المنطقة الغربية، ويلبي الطلب المتنامي لخدمة الأعداد المتزايدة من الحجاج الداخليين والخارجيين، ويخفف من الازدحام على الطرق في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، وقطار الحرمين السريع هو قطار كهربائي سريع يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة بخط حديدي مزدوج، تم تدشينه برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في سبتمبر من العام 2018م، ويعد المشروع أحد أضخم مشاريع القطارات في الشرق الأوسط وهو الذي قامت المملكة بإنشائه ضمن خططها لتوفير وسيلة نقل آمنة للحجاج والمعتمرين والمسافرين بين المدينتين المقدستين، وكذلك مدينة جدة لخدمة ضيوف الرحمن، انطلقـت أولـى رحلاتـه فـي أكتوبـر 2018م، ويعـد مـن أحـدث وسـائل التنقـل بيـن مكـة المكرمـة والمدينـة المنـورة وأفضلهـا، متبعـاً سـبل الراحـة والأمـان والسـرعة التـي يوفرهـا السـفر بالقطـارات، وقـد تنامـى عدد الحجــاج والمعتمريــن مــن الداخــل والخــارج الذيــن اســتفادوا مــن خدمــات النقــل بالقطــار فــي الاتجاهيــن.

تحول رقمي

وشـــهدت المملكة تحولاً رقمياً كبيراً في إدارة وتنظيم موســـم الحج، مما جعل تجربـــة الحج أكثر سلاســـة وأماناً للحجـــاج، ويأتي هـــذا التحول كجـــزء من رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات باستخدام التقنيات الحديثة، وفي هذا العام 2024 أطلقـــت وزارة الداخليـــة خدمة الهوية الرقميـــة للحجاج، مما يمكنهـــم من التحقق من هويتهـــم إلكترونياً عبر منصتي «أبشـــر» و»توكلنا»، وهذه الخدمة تسهل عملية تسجيل الحجــــاج، وتضمــــن تقديـم خدمــــات أكثـر كفــــاءة وأماناً خـلال فتــــرة إقامتهــــم فـي المملكـة، ويعد إدخال البطاقات الذكيــــة التي تحتــــوي على معلومــــات الحــــاج الشخصيــــة، وترتبـــط بتطبيـق إلكترونــــي أحـد الابتكارات الرئيسة الأخرى، حيث تسهـل هذه البطاقـات الوصــــول إلى الخدمــــات المختلفــــة مثل التنقـل والإقامــــة، وتساعد في تحسين إدارة الحشـــود، وضمان سلامة الحجاج، وتتضمن هذه الجهـود استخــــدام تقنيـات مثـل الذكاء الاصطناعـــي وإنترنـــت الأشـــياء لتحســــين التخطيـط والتنسيق بين الجهات المختلفة، وعلى ســـبيل المثال تم تطبيق نظام التعرف على الوجــوه والبيانـات -البيومتريـة- لتسـريـــع عمليـات الدخـول والخروج والتحقـق من الهويـة، مما ساهــــم في توفيـر تجـربـة حج أكثــر سـلاسـة وأمــــاناً في موســـم حج 1445هـ، وبلغ عدد الحجـاج من الداخـل والخارج نحـــو (1,833,164) حاجـــاً، بزيادة ملحوظة مقارنة بالســـنوات السابقة، كما ســـاهمت التقنيات الحديثة فـــي تقليل وقـــت الانتظار فـــي المنافـــذ الحدودية، وتحســـين الكفاءة العامة لإدارة الحشود، وهذه التحســـينات تأتي ضمن جهـــود المملكة لتحقيـــق رؤيـــة 2030 وتقديم خدمــــات متطورة تلبي احتياجات الحجاج وتعزز من راحتهـــــم وسلامتهــــم، ويمثل التحـول الرقمي في إدارة موســـم الحج قصة نجاح حقيقيـــة للســـعودية، حيث يســـهم في تحســـين تجربة الحجاج وضمـــان تقديم خدمـات عاليــــة الجـودة، وهــــذا النجــاح يعــزز مـــــن مـكــانـة المملكـة كقائـد فـي تبنــــي التقنيــــات الحديثـــة، ويعكـــس التزامهـا بـتحـقـيق أهـــداف رؤيــــة 2030.

اهتمام بخدمة ضيوف الحرم منذ القِدم
قطار الحرمين نقلة نوعية لتسهيل السفر بين مكة والمدينة
الحرم المكي شهد مشروعات عملاقة وتاريخية
التقنية الرقمية في خدمة الحجاج لتيسير أمورهم
إعداد: حمود الضويحي