لم يكن هذا العَلَم المشهور غائباً عني منذ بواكير تعلقي بالتاريخ عموماً والوطني خصوصاً، فمنذ أن حلقت في عالم الكتب والمكتبات والقراءة كان هذان العنوانان لكتابي شخصيتنا هما دائماً أمام ناظري، وكان ذلك بمكتبة دارة الملك عبدالعزيز بمبناها القديم بحي الناصرية، والكتابان هما (خمسون عاماً في جزيرة العرب)، و(جزيرة العرب في القرن العشرين) للمؤرخ والدبلوماسي حافظ وهبة -رحمه الله-، الذي كان أحد مستشاري الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في الشؤون الخارجية والوقائع والمواقف التي عاصرها وشاهدها في الجزيرة العربية، خاصةً قبل ضم المؤسس للحجاز بقليل، فهو شاهد عيان ومعاصر للحدث، والذي كان عام 1342هـ بالالتحاق مع الملك عبدالعزيز، وفي هذا الخطاب الملكي إلى شخصيتنا يدعوه إلى أن يكون أحد موظفيه، وهو أول خطاب تلقاه من الملك المؤسس، وقد نشر جملة من الوثائق في كتابه (خمسون عاماً في جزيرة العرب)، تخصه هو وتخص غيره، ومن حسن الحظ أن شخصيتنا كتب سيرته في مقدمة كتابه هذا، وهنا في هذه السطور نستفيد مما كتبه عن نفسه في السيرة التي حبرها بقلمه.

وكتابا (خمسون عاماً في جزيرة العرب) و(جزيرة العرب في القرن العشرين) لا يخلوان من التعليقات التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي طرحها شخصيتنا، وقد تلقى أخباراً ومعلومات سمعها من الملك المؤسس أو من رجاله عن الدولة السعودية الأولى وما تلاها من أحداث، إلاّ أنه تظل حياته الذهبية حينما كان مع الملك المؤسس.

ولد المؤرخ والأستاذ الدبلوماسي حافظ وهبة عام 1889م -1306هـ- بالقاهرة، ونشأ كما ينشأ غيره من أبناء الأسر المتوسطة المصرية، تعلم على الكتّاب، ثم بعد ذلك دخل الأزهر، وتعلم ما تيسر له من العلوم، وكان وهبة ينتقد الأزهر وأساليب تعليمه والكتب القديمة التي يطلق عليها المتون في العقيدة والفقه، فكانت عقليته منذ أن كان شاباً تطمح إلى التغيير والتطوير والإصلاح.

تجربة الصحافة

ودرس حافظ وهبة -رحمه الله- في مدرسة القضاء الشرعي، حيث كان من الأوائل الذين درسوا فيها، وتأثر بهذه المدرسة الحديثة والأساتذة الذين درسوه فيها، وكانت منطلقاً له في الانفتاح على العلوم الأخرى الحديثة في عصره، وحرّكت المياه الراكدة في حياته، ومع ذلك فهو ينتقد هذه المدرسة وما رأى فيها من سلبيات ولهذا ترك مدرسة القضاء الشرعي واتجه إلى تركيا لعله يجد بغيته من المعارف والعلوم، وكان الأستاذ المفكر عبدالعزيز جاويش قد أصدر صحيفة في تركيا فأصبح وهبة من محرريها، وبهذه الصحيفة نال تجربة الصحافة، وسوف يكتب ويحرر مقالات أخرى في صحف عربية وإسلامية.

إلى الكويت

لم يرق لحافظ وهبة -رحمه الله- الأجواء التركية ورحل إلى الهند، وتعرف على التناقضات الاجتماعية هناك، والصراعات بين المسلمين والهندوس، ثم رحل إلى الكويت، وقد كانت المدرسة المباركية لتوها قد تأسست، وكان من الأستاذة فيها، وكان من المشاركين في تنظيم هذه المدرسة النظامية الأولى في الكويت.

علاقته بالمؤسس

وتعرف حافظ وهبة -رحمه الله- بالملك عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1916م في إحدى زيارات الملك المؤسس إلى الكويت، وكانت معرفة فقط، ومن ذلك التاريخ كان حافظ وهبة قد استغرق من الزمن في البحرين للتدريس وحصلت مواقف فيها، ثم ترك التدريس واشتغل بتجارة اللؤلؤ، وفي إحدى المرات قال له صديقه عبدالرحمن القصيبي: "لماذا لا تكتب إلى الملك عبدالعزيز وتعرض خدماتك؟"، وبالفعل كتب إلى المؤسس، وأجابه الملك عبدالعزيز بخطاب يدعوه إلى العمل معه ويرحب به. وهذا هو الخطاب الذي أجابه الملك عبدالعزيز على رسالة شخصيتنا وننشر صورته، كان هذا بداية الالتحاق بالعمل مع الملك المؤسس عام 1923م، وكان الاجتماع الأول لحافظ وهبة مع الملك عبدالعزيز بالرياض في قصره وطال حديث بينهما سرده شخصيتنا في كتابه (خمسون عاماً في جزيرة العرب) نهايته أن الملك المؤسس قال له: "ستكون من اليوم مستشاري الخاص".

أسعد الأيام

وكانت لحافظ وهبة -رحمه الله- مشاركات حينما كان في معية الملك المؤسس، لعل من أهمها حينما كان في معية الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حينما أراد دخول الحجاز وضمه إلى حكمه وقد سرد هذا بالتفصيل، يقول شخصيتنا: "غادر ابن سعود الرياض في 13 ربيع الثاني 1343هـ على رأس جيش من الحضر من خيرة المحاربين يبلغ عددهم نحو خمسة آلاف، فقطعنا الطريق من الرياض إلى مكة في 23 يوماً، وكانت تلك الأيام من أسعد أيام حياتي، كانت تذكرنا بالحياة الأولى التي أحياها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كنا نقضي أوقاتنا في قراءة القرآن الكريم أو دراسة البخاري أو مسلم أو سيرة ابن هشام، وكان ذلك يتم ونحن نقطع الطريق على ظهور الإبل"، ثم عرض هذه المسيرة التاريخية، وأن الملك المؤسس أرسله ومعه عبدالله السليمان ود. عبدالله الدملوجي إلى مكة قبل وصول المؤسس إلى مكة للاجتماع بأهل مكة ولدراسة الأحوال فيها، وقد ألقى حافظ وهبة -كما يذكر- عدة خطب على أهالي مكة المكرمة وذكر الإصلاحات التي قام بها المؤسس في مكة منها تأسيس مجلس شورى برئاسة عبدالقادر الشيبي، وبث الروح ثانية في إشغال بلدية مكة، وساعد عدداً من أعيان مكة، والعجيب أن شخصيتنا لم يذكر الراوية عبدالله العجيري الذي ملأ السمع والبصر في هذه الرحلة، فهو قارئ الرحلة ومحفوظاته كثيرة.

مهمات رسمية

وكلف الملك المؤسس -رحمه الله- حافظ وهبة -رحمه الله- بمهمات رسمية فقام بها خير قيام، ونجح فيها، وقد رافق صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالعزيز -الملك فيما بعد- في زياراته للعراق عام 1937هـ، يقول عن هذه الزيارة الرسمية: "قوبل بحفاوة بالغة -أي الأمير سعود- من الملك غازي ومن وزرائه ومن الشعب العراقي، وكلفه الملك المؤسس بالذهاب إلى العراق عام 1940م، وقابل رئيس وزراء العراق آنذاك نوري السعيد لأجل مناقشة بعض المواضيع العالقة بين البلدين، وقد اقترح وهبة على نوري السعيد مقابلة الملك المؤسس في المملكة وحل الأمور"، وفعلاً سافر وحصل اللقاء مع الملك عبدالعزيز، وتحدث حافظ وهبة عن هذا اللقاء قائلاً: "وبعد ثلاثة أيام مفاوضات كان يسودها روح المودة حلت جميع المسائل المعلقة حلاً رضي به الفريقان، ولقد سُر الملك عبدالعزيز سروراً لا يقدر من زيارة نوري السعيد، كما سُر من حل المسائل التي كانت تشغل باله، ونشر شخصيتنا نص المذكرة بعد انتهاء المفاوضات، وكانت بتوقيع وزير الخارجية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز -الملك فيما بعد- ونوري السعيد وزير خارجية المملكة العراقية". ومن المهام التي كلفه بها الملك المؤسس إرسال حافظ وهبة إلى مصر لتسهيل وسائل الحج عن طريق رابغ.

دبلوماسي ناجح

ومن الأمور الرسمية التي قام بها حافظ وهبة -رحمه الله- مكلفاً من الملك المؤسس -رحمه الله- حل المشكلة الاقتصادية بين المملكة والكويت، حيث ذهب شخصيتنا إلى هناك، وبعد مفاوضات استمرت أسبوعين حصل بذلك ثلاثة اتفاقات مهمة.

كان حافظ وهبة من ذوي المهارة في التفاوض، لهذا كان دبلوماسياً ناجحاً عندما عُيّن وزيراً مفوضاً في لندن، وليس كل دبلوماسي أو مستشار يحسن التفاوض أو على الأقل يقرّب وجهات النظر حتى يحصل الاتفاق بين الطرفين، لقد كان شخصيتنا موفقاً فيما كلف به المؤسس، ودائماً كان يعرض آراءه بتجرد للملك عبدالعزيز كما يذكر ذلك في كتابه (خمسون عاماً في جزيرة العرب) و(جزيرة العرب القرن العشرين)، ولقد رافق صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالعزيز -الملك فيما بعد- في أول زيارة له إلى مصر عام 1926م.

شرح وتوضيح

وعرض الأستاذ المؤرخ العبقري محمد جلال كشك في كتابه (السعوديون والحل الإسلامي) كتاب حافظ وهبة -رحمه الله-، شارحاً وموضحاً فيه ومنتقداً عليه في أكثر من موضع وحصر ذلك في نقطتين ذكرهما كشك في تقريره عن وهبه قائلاً: "على أية حال لقد ساهم كتاب حافظ وهبة وخاصة الثاني في توضيح جوانب هامة من حياة الملك عبدالعزيز ما كانت لتعرف لولا ما كتبه في السبعين من عمره". وكتب المؤرخ عبدالرحمن بن رويشد -رحمه الله- في كتابه (عبدالله السليمان الحمدان) عن حافظ وهبة قائلاً: "كان حافظ من الموظفين الإداريين الذين شغلوا مراكز إدارية بعد دخول الملك عبدالعزيز إلى الحجاز، واستمر يعمل مع المؤسس بعد ذلك حتى وفاته"، ثم قال ابن رويشد: "وكّل إليه الملك عبدالعزيز منصب مدير المعارف في مكة المكرمة، ثم أصبح فيما بعد ممثلاً للملك عبدالعزيز في البلاط البريطاني كوزير مفوض 1350هـ".

وظائف سياسية

وفيما قبل تلك الفترة عمل حافظ وهبة -رحمه الله- في وظائف سياسية كثيرة، وكان أكثر ممثلي الملك عبدالعزيز السياسيين عملاً، وقد كان الملك عبدالعزيز يستدعيه مراراً وتكراراً للتشاور معه، وانتقد المؤرخ ابن رويشد في كتابه هذا بعض ما كتبه حافظ في كتابه (خمسون عاماً في جزيرة العرب)، وشخصيتنا بشر يخطئ ويصيب ليس معصوماً في كل كتاباته، لكنه يعرض وجهة نظره في بعض القضايا.

وزير مفوض

وتعيّن حافظ وهبة -رحمه الله- وزيراً مفوضاً في لندن، ثم سفيراً عندما رفعت درجة التمثيل السياسي إلى سفارة في بريطانيا 1948م، وعُيّن كذلك وزيراً مفوضاً لدى هولندا عند إنشاء المفوضية 1350هـ -1931م-، وظل سفيراً لبريطانيا حتى 1965م حينما أحيل للتقاعد، وتوفي -رحمه الله- في روما 1387هـ، ومن الأعمال التي قام بها؛ ممثل المملكة في مؤتمر البريد الدولي بلندن سنة 1348هـ -1929م-، وكان يحضر اجتماعات الشعبة السياسية في الدولة إلاّ إذا كان غائباً في مهمة رسمية، وأوفده الملك عبدالعزيز للقاء وزير الداخلية العراقي في الكويت للتمهيد لمؤتمر لوبن عام 1930م وكان مع وفد الملك الذي حضر المؤتمر، كذلك شارك في الوفد الذي زار الولايات المتحدة الأميركية في سبتمبر 1943م وكان رئيس الوفد وزير الخارجية الأمير فيصل بن عبدالعزيز -الملك فيما بعد-.

تنويه: كتابا (خمسون عاماً في جزيرة العرب)، و(جزيرة العرب في القرن العشرين) طُبعا على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وقدّم للكتابين د. عبداللطيف الحميد.