هل لاحظت يومًا تلك اللهفة الخفية، التي تنتاب البعض لمجرد الحصول على «إعجاب» على منشور سخيف أو تعليق تافه؟ في عالمنا الرقمي اليوم، يبدو أن الإعجاب تحول إلى عملة اجتماعية رائجة، بل إلى غاية يسعى إليها الكثيرون، حتى لو كان الثمن هو الانغماس في مستنقع المحتوى التافه وغير الجاد. لماذا يجد هذا النوع من المحتوى رواجًا بين البعض في مجتمعنا خاصة بين الشباب؟ وماذا يعني هذا الانجذاب لمستقبل وعينا وثقافتنا؟

يكمن جزء من الإجابة في سهولة الاستهلاك، ففي زمن السرعة وضغوط الحياة المتزايدة، يمثل المحتوى التافه ملاذًا سريعًا ومريحًا للعقل. لا يتطلب جهدًا ذهنيًا يُذكر، ولا يفرض على المشاهد التفكير أو التأمل. مجرد لحظات عابرة من الضحك السطحي أو التسلية الخفيفة، كافية لتلبية حاجة مؤقتة للترفيه والهروب من أعباء الواقع. إنها وجبة رقمية سريعة التحضير والهضم، تتناسب مع إيقاع الحياة المتسارع الذي نعيشه.

أضف إلى ذلك عنصر الترفيه الخفيف والهروب من الواقع، ففي خضم الأخبار المتلاحقة والأحداث الجسام التي تشهدها منطقتنا والعالم، يبحث الكثيرون عن متنفس رقمي بعيدًا عن التعقيدات والقضايا الكبرى. يُقدم المحتوى التافه هذا الهروب المؤقت، ويمنح المشاهد فرصة للانفصال عن الواقع ولو للحظات وجيزة. إنها بمثابة استراحة محارب رقمية، يلجأ إليها البعض للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية.

ولا يمكن إغفال إغراء الإعجابات نفسه. في عالم منصات التواصل، يُعتبر الإعجاب مؤشرًا على القبول الاجتماعي والتقدير، حتى لو كان هذا الإعجاب ناتجًا عن محتوى سطحي وعابر. يسعى البعض للحصول على أكبر عدد ممكن من الإعجابات، كوسيلة للشعور بالتميز والتفوق، أو لمجرد إشباع حاجة نفسية للتقدير والاهتمام. وهنا يكمن الخطر، فالمحتوى التافه غالبًا ما يحصد إعجابات أسرع وأسهل من المحتوى الجاد والهادف، مما يُشجع البعض على تبني هذا النهج لتحقيق الشهرة الزائفة والانتشار السريع.

لكن، على المدى الطويل، يثير هذا الانجذاب نحو المحتوى التافه تساؤلات مقلقة حول مستقبل وعينا وثقافتنا.إذا أصبح الانغماس في التفاهة هو السائد، وإذا تحولت الإعجابات السطحية إلى معيار للنجاح الرقمي، فماذا سيتبقى من قيم الجدية والعمق والتفكير النقدي في مجتمعنا؟ هل سنفقد القدرة على التركيز في القضايا الجوهرية التي تحدد مصيرنا؟ وهل سنرضى بمجرد أن نكون مستهلكين سلبيين لمحتوى لا يُغني ولا يُثمر؟ إنها أسئلة تستحق منا وقفة جادة وتأملاً عميقاً، قبل أن يغرقنا إغراء الإعجابات في بحر من التفاهة الرقمية، ويضيع منا مستقبل وعينا وثقافتنا.