اختار الرسول – صلى الله عليه وسلم - المدينة لتكون عاصمة الإسلام والمسلمين ومنطلق دعاته وسراياه، وذلك لموقع المدينة الاستراتيجي، وشهرة المدينة الدولية بين الشمال والجنوب بصفتها محطة مهمة في الطريق التجاري بين الشام واليمن، إضافة إلى ما تمتعت به من موقع طبيعي حصين ضم تربة خصبة ذات ماء وفير مع سُكان تجلت في جوانبهم الإيجابية والصمود، ممثلًا بالأوس والخزرج، الذين يعود أصلهم من اليمن، أهل الحضارة والعمران حينها.

بالإضافة إلى كونها واحة خصبة التربة، وقعت يثرب على طريق القوافل التجارية التي تحمل الطيوب والعطور بين اليمن والشام، مما جعلها مطمعًا للأطراف المتنافسة، وهذا ما حرك روح العداء، وآثار الحروب والصراعات بين العرب واليهود قديمًا.

حيث تمتعت المدينة -يثرب قديمًا- قبيِل الإسلام بمركز اقتصادي مرموق في مجالات التجارة والصناعة، فأصبحت بذلك محطة تجارية مهمة للتجار العائدين إلى الشام والشرق من الحجاز واليمن، ولا يقتصر هذا على التجارة الخارجية، بل كانت التجارة الداخلية للمدينة مزدهرة.

برزت سمات النشاطات التجارية الخارجية أن تجار الشام كانوا يأتون للمدينة للترويج عن تجارتهم، وكان تجار المدينة يحملون بضاعتهم إلى الشام من قبل القوافل، ويستوردون منها مختلف الأقمشة مثل الحرير. كما كانت الحدادة والصياغة من أشهر الصناعات في المدينة، والتي اشتهر بها اليهود، والزراعة والري التي اشتهر بها العرب، وإلى جانبها الصناعات الخفيفة التي تعتمد على عسف النخيل في مختلف الطرق، من صنع الملبس وغيرها.

وتزخر المدينة المنورة بالمعالم الطبيعية المهمة، مثل الأودية كوادي بطحان الذي يسيل من الحرة العليا، حيث تعد هي قناة المياه الوحيدة التي تمر داخل وخلال المدينة، ويقطعها من شمالها حتى جنوبها، وهناك أيضًا وادي مهزور الذي يسيل من حرة شوران، وسابقًا كان يمر بالمسجد النبوي والبقيع قبل أن توجد الممرات البعيدة عنهم، وكما تتزين المدينة بالعيون والآبار، كعين النبي -صلى الله عليه وسلم-، التي كانت سابقًا تُسمى بـ «العينة» ، وأما عن الجبال فهي تقريبًا تحيط المدينة بشكل تام، ومن الجبال جبل صاوي، القلادة.

كِتاب: مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

للمؤلف: د. عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس