بعد العقبة الثانية مع أهل المدينة التي تمت في شهر ذي الحجة من السنة الثانية عشرة للبعثة، شجع الحبيب ﷺ أصحابه -أهل مكة- للهجرة إلى المدينة المنورة قبل أن يهاجر هو -الرسول-، حيث أمرهم بالهجرة بغية التأكد على وصول أتباع إلى المدينة بكل سلام، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله -عز وجل- قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها، فخرجوا أرسالا، وأقام الرسول ﷺ بمكة حتى يأذن له ربه بالخروج منها، والهجرة إلى المدينة.
بعد أن هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة بعد أصحابه وأتباعه، جعل الهجرة شرطًا مهمًا في المبايعة على الإسلام وتمامه، وكان يحُط من أسلوب البداوة والترحل في تلك المرحلة، حيث شاع في عهد الرسول ﷺ أنه قد نهى عن قبول هدايا الأعراب أو طعامهم، والمقصود بالإعراب هو كل منقطع من البادية لا يتصل بالمسلمين في المدينة، ولا يجيب دعوى الجهاد والدين، وحدث ذلك بعد أن أهدى له أعرابي ناقتين، فعوضه لم يرض مما حمله على القول: (لقد هممت ألا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي)
ويعطي ذلك فكرة عن وجود محاولة لتهجير الأعراب، فعندما سئُل ﷺ عن آية (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) قال: (هم الجفاة من بني تميم لولا أنهم أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله أن يهلكهم) شفع لهؤلاء الأعراب الجفاة تميزهم بالشدة في القتال، وإلا استحقوا غضب الله لكونهم عالة على دولة الإسلام بتعطل قدراتهم الفكرية والاقتصادية، إذ طال انقطاعهم في البادية، واحتاجت المدينة -آنذاك- احتياطياً كبيراً من الجنود الذائدين، فوجود الأعراب ذوي الشدة القتالية سوف يجعل مهمة استنفارهم للجهاد سهلة وميسرة؛ ولذلك قيل (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار)
واستهدفت الدعوة إلى الهجرة، أولًا تكوين مجتمع الأمة الإسلامية الجديد القائم على أسس قوية من الاستقرار والتحضر، والبعد عن الانفرادية والانعزالية، كما استهدفت إعداد نواة قوية للجيش الإسلامي لممارسة مهامه في الجهاد ومقاتلة الكفار، وبعد فتح مكة أسقط ﷺ شرط الهجرة للمبايعة.
كِتاب: مجتمع المدينة
في عهد الرسول ﷺ للمؤلف: د. عبدالله بن عبدالعزيز
بن إدريس