الأوس والخزرج، من أكبر قبائل اليمن، نتاج نسب الأنصار، وينتهي نسبهم إلى قبائل يمنية، وهم أبناء حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن امرئ القيس، عرفوا في يثرب باسم اليمانية، ومن تلك التسمية جاء اسم حذيفة بن اليمان العشي، الذي سماه قومه اليمان لكونه حالفهم، ومن بطون الخزرج الكبيرة: بنو النجار، والأوس: بنو زعوراء.
يحيط الغموض أسباب هجرتهم إلى يثرب، ويرجح المؤرخون المسلمون دواعي هجرة الأوس والخزرج إلى يثرب لحادثة سيل العرم وخراب بلاد اليمن، ويرجح زمنها ما بين القرنين الرابع والخامس ميلادي، على اعتبار أنها أتت بعد هجرة بنو قريظة وبني النضير.
سبقت معرفة القبيلتين للمدينة هجرتهم، حيث إن اختيارهم لهذه البقعة الخصبة التي لاقت رضى اليهود والعرب، يتواءم مع تاريخهم الممتد وخبرتهم في الزراعة، ولذلك عمل الأوس والخزرج على وجود تكامل اقتصادي بينهم وبين اليهود في يثرب، فكانت عمادة الصناعة والتجارة في أيدي اليهود، بينما الزراعة والمواشي في أيدي العرب.
وتعود أول معرفة للأوس والخزرج بحقيقة ظهور نبي في مكة يدعو الناس إلى دين الإسلام قبل الهجرة بخمس سنوات، حيث بدأ في تلك الفترة اتصال الرسول (ص) ببعض رجال هذه القبائل، الذين كانوا يزورون مكة لقضاء المناسك الدينية أو التماسًا لحلف قريش، ووقع أول اتصال مع سويد بن الصامت الذي أتاه الرسول، ودعاه إلى الإسلام، وعاد إلى قومه في المدينة، ولكن لم يلبث حتى قتله الخزرج يوم بعاث، فقال رجال قومه: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم، ثم قدم أبو الحيسر أنس بن رافع من قبيلة الخزرج لمكة ليلتمس حلف قبيلته مع قريش، فأتاه الرسول كذلك، وذكر له الإسلام، وانصرف بعدها إلى المدينة، ولم يلبث ومات.
ومع أن ذلك الاتصال لم يثمر إلا عن إسلام اثنين من الأوس، إلا أنه هيأ الأذهان والنفوس ليكون أهل يثرب أول من احتضن الإسلام، وعمل على نصرته فيما بعد، وما ساعد على جعل الأوس والخزرج يتفهمون حقيقة الإسلام، ما حل على القبيلتين من ضعف وافتراق بعد يوم بعاث الذي قضى على الكثير من زعمائهم.
كِتاب: مجتمع المدينة في عهد الرسول (ص) للمؤلف: د. عبدالله بن عبدالعزيز
بن إدريس