تمتلك قبيلتا قريش وثقيف علاقة قديمة مؤصلة تعود إلى ما قبل الإسلام، أسهمت في تكوين كيان وشخصية تكاد تكون واحدة من تلاحمها، حيث يعود أول حلف هو حلف ابني علاج، وهما شريق وعمر، أبناء علاج من ثقيف.
وتتنوع هذه العلاقات إلى علاقات اجتماعية وتجارية وسياسية، واستيطانية أحيانًا، أي تتعلق بالتوطين والاستيطان، حيث كان لكبار قريش في الطائف أموالا للحرث والزرع، كما أن المصالح الاقتصادية والتجارية بين ثقيف وقريش كادت أن تكون واحدة ومتفقة في كثير من المجالات، وقد تأصلت هذه العلاقات بعد الإسلام بداعي محاربته، وكان يوم أحد إثباتاً لذلك، حيث خرجت قريش بثلاثة آلاف جيش كان فيهم مئة رجل من ثقيف.
كانت قريش تنظر إلى ثقيف على أنها امتداد طبيعي لنفوذها، كما كانت ثقيف تعتبر الحرم ملكًا للجميع، فقد ذكر أن قريش حين رغبت في وج، وهو وادي الطائف، قالت لثقيف: نشرككم في الحرم وأشركونا في وج، فقالت ثقيف: كيف نشرككم في واد نزله أبونا وحفره بيده في الصخر، وأنتم لم تجعلوا الحرم إنما جعله إبراهيم -عليه السلام-.
ولا تتوقف معاداة القبيلتين على المسلمين هنا، فحين بدأت هجرة الأوائل من قريش، رغبة في البحث عن ملجأ أمين والتفرغ لنشر دعوة الإسلام، خشيت قريش ما قد يسفر عن هذه الهجرة إذا تبعهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، بأن يعود إليهم بما لا يستطيعون مجاراته، ولذلك عملت جاهدة على عرقلة هذه الهجرة.
هذا ما جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- واثقًا من مدى إسهام القبيلتين على بناء المجتمع الإسلامي إذا اعتنقوا الإسلام، ولهذا كان يأمل هدايتهم ودخولهم للإسلام ولم يحمل لهم حقدًا، رغم عداوتهم، وصدق حدس الرسول ﷺ، فحينما أسلمت كل قريش ومعظم ثقيف بعد فتح مكة حظيت قريش في مجتمع المدينة بمنزلة كبيرة بالقيادة والزعامة، وتعددت مواهبهم فجمعوا بين صفات الشجاعة والحرب وفضائل العلم والتفقه، ولرجال ثقيف مشاركة بارزة في إدارة شؤون المجتمع المدني الإسلامي ومراكز القيادة والمشاركة في الغزوات.
كِتاب: مجتمع المدينة
في عهد الرسول ﷺ
للمؤلف: د. عبدالله
بن عبدالعزيز بن إدريس