المناخ الصحراوي السائد في المدينة، وقلة الأيدي العاملة والاضطرار إلى الزراعة المستمرة لتصريف الماء وإصلاح التربة، كانت أولى الصعوبات التي واجهها المهاجرون، فغدا هواء المدينة -آنذاك- موبوءًا، مما نشر الحمى بين المهاجرين، وكان المهاجرون القاطنون في البادية أكثر تضايقًا من هواء المدينة، ومنهم من استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سكن البادية والانتقال إلى وسط أقرب من المدينة والمسجد.
اعتاد المهاجرون لاحقًا المناخ، واستطابوا هواءه وفضلوه، لاتساع العمران المدني تحت إدارة رسولنا الكريم، ودعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يحبب الله إليهم المدينة ويصححها، وأن تنقل حماها إلى الجحفة، وهي ميقات مكاني لحج أهل الشام.
صاحب التكيف مع المناخ تكيف اجتماعي، وتمثيل شبه تام للسكان، وللرسول -صلى الله عليه وسلم- دور كبير في ذلك، فهو المعلم وهو الموجة والعامل على صهر عادات الجميع في قلب واحد، وتوحيده للعديد من الآداب مثل آداب المائدة وآداب السلوك عامة.
فعن عائشة رضي الله عنها، روت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله (عشر من الفطرة، قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك، والاستنشاق بالماء وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء يعني الاستنجاء به) من هذا الحديث، ومن سلوكيات النبي -صلى الله عليه وسلم- نستنتج أنه قد وحد السلوكيات الاجتماعية بقدر ما يمكن، ونصح ما رآه فعلاً صحيحًا في قوم لأقوام أخرى، مثل الانتقاص بالماء، قيل إنه وجد قبل الهجرة من قاطني يثرب حينها.
واجه المهاجرون إلى المدينة صعوبات اقتصادية، تمثلت في البحث عن قوت يومهم من الطعام والشراب، والاستقرار في مساكن خاصة بهم، ولكن سرعان ما وجدت العديد من الكفاءات والمواهب في مختلف مجالات الحياة وما يقوم العيش، من هذه الكفاءات، كفاءات زراعية وتجارية والأهم، كفاءات سياسية، فحرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تقويم هذه الكفاءات وتشغيلها فيما يثمر على المدينة والحياة الاجتماعية، ظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجابهه ويحل المشكلات التي يمر بها المهاجرون بكل حلم ودهاء.
كِتاب: مجتمع المدينة
في عهد الرسول ﷺ للمؤلف:
د. عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس