قبل عقد من الزمن سمعت الإعلامي الأميركي المخضرم رش ليمبو يقول: «الحصن الأخير لمنع الليبراليين من اختطاف أميركا هو نظام الانتخابات الرئاسية، الذي صممه الآباء المؤسسون وأقروه للولايات المتحدة»، ذلك النظام الذي يمتاز عن غيره بأنه يعتمد بشكل رئيس على نظام المناديب لكل ولاية، وليس على الناخبين مباشرة، حتى لا تستحوذ ولاية ضخمة مثل كاليفورنيا على اليد العليا في الانتخابات الرئاسية العامة؛ ويتحدد بذلك مصير جميع الولايات. هذا النموذج حقق فكرة النظام الفيدرالي بوجه أدق وأعدل.

بحسب رأي الإعلامي الراحل رش ليمبو، الحزب الديموقراطي بقيادة الليبراليين يحاولون -بشتى الطرق- الالتفاف بالعملية الانتخابية، ووضع القرار في يد النخبة فقط. هذا الرأي من قبل ليمبو كان في مرحلة سابقة، ويصنف -من وجهة نظر الكثير- كنوع من التجني والمبالغة من شخصية إعلامية تحمل الكثير من الضغينة تجاه الفكر غير المحافظ، ولكن ما نشهده اليوم في الحالة المتعلقة بتتويج نائبة الرئيس كامالا هاريس، تحت مظلة تدهور الحالة الصحية للرئيس بايدن، قد يكون أقرب شاهد على صدق رأي ذلك الإعلامي المخضرم أو نبوءته -إن صح التعبير-.

النخبة داخل الحزب الديموقراطي قرروا -وبطريق دراماتيكي- إجبار الرئيس جو بايدن على التنحي لأسباب تتعلق بتدهور حالته الصحية والذهنية! ومتابع المشهد السياسي الأميركي يعلم بأن حالة بايدن تراجعت بشكل غير مقبول في منتصف العام الثالث من رئاسته، فلماذا لم تقرر اللجنة الوطنية الديموقراطية عدم قبول بايدن كمرشح في تلك المرحلة؛ ليتسنى لمن يرغب في تمثيل الحزب الإعداد والتحضير للمنافسة في وقت مبكر؟ فاتخاذ هذا القرار قبل أقل من شهر من تاريخ اجتماع المؤتمر الوطني، حيث سيصوت المناديب على المرشح الجديد في مدينة شيكاغو، وبالتحديد في الـ 19 من الشهر المقبل يضع المتنفذين داخل الحزب في قفص الاتهام.

هذا السيناريو غير الديموقراطي، أثار حفيظة أشد المناصرين للحزب الديموقراطي، والمقصود في هذا المقام منظمة «حياة السود مهمة» والتي أعلنت عن عدم الرضا عن الإجراء الذي تبنته مجموعة صغيرة داخل الحزب، وفي هذا الصدد قال متحدث باسم المنظمة: «نحن لا نقبل بالطريقة التي وصلت بها كامالا هاريس إلى تمثيل الحزب، ونطالب اللجنة الوطنية الديموقراطية بالشفافية والفرص المتكافئة». وقال أحد الأعضاء المؤسسين في المنظمة: «نحن لا نعيش في ظل الدكتاتورية، المندوبون ليسوا من القلة. إن تعيين كامالا هاريس ونائب رئيس غير معروف لتمثيل الحزب دون أي عملية تصويت عامة، من شأنه أن يجعل الحزب الديموقراطي الحديث حزبًا للمنافقين».

رش ليمبو، لم يتوقع هذا المسار السريع، وإنما كانت نظريته مبنية على الاستراتيجية التي كان الحزب الديموقراطي يتبناها، والتي كانت تعتمد أساسًا على تمكين الخارجين عن القانون والمهاجرين غير النظاميين من التصويت بشكل قانوني، من خلال إعادة صياغة النظام تدريجيًا عبر المجالس التشريعية في الولايات التي يسيطر عليها الحزب الديموقراطي، وفي مراحل متقدمة يحتضن الكونغرس الفكرة ويتبناها على الصعيد الوطني، وهذا بالفعل ما يحدث اليوم.