احتفى مؤخراً الصندوق السعودي للتنمية بمرور 50 عاماً على تأسيسه، تحت شعار «50 عاماً من التأثير العالمي»، ليسلط الضوء على المسيرة التنموية المشرفة للصندوق السعودي، التي نتج عنها منجزات متتالية أسهمت في رفاهية وتقدم العديد من المجتمعات النامية، عبر تمويل أكثر من 800 مشروع وبرنامج تنموي، فيما يزيد على 100 دولة نامية بقيمة إجمالية تجاوزت الـ (20) مليار دولار في مختلف القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والمياه والطاقة والزراعة والنقل وغيرها.

وقد كان لتلك المشاريع جانب تنموي وإنساني مهم، لامس حياة مئات الملايين من الأفراد والمجتمعات، حيث كان للمشاريع الصحية الممولة من الصندوق الأثر الكبير في وصول المحتاجين إلى خدمات الرعاية الصحية الشاملة التي يستحقونها، فقد ساهم الصندوق في تمويل (77) مشروعًا، نتج عنها إنشاء (325) منشأة صحية في (45) دولة بسعة تتجاوز (25) ألف سرير، ووفرت تلك المنشآت خدمات صحية لشعوب لم تتح لها فرصة الحصول على رعاية طبية متقدمة، ومن أبرزها مستشفى الملك فيصل في جمهورية رواندا، الذي نفذت فيه أول عملية زراعة كلى في البلاد، فكانت باكورة إنجاز (32) عملية زراعة كلى خلال عام واحد، مما فتح باب الأمل بإنقاذ حياة العديد من المرضى، كما كان لمستشفى الملك خالد الجامعي في جمهورية بورندي أبلغ الأثر الصحي والأكاديمي، برفع مستوى الكوادر الطبية ونهوض الخدمات الصحية في المنطقة.

وقد نجح الصندوق في تحقيق رسالته الإنسانية، من خلال تعزيز التعاون ومواصلة الجهود المشتركة في التنمية المستدامة حول العالم، فكان لتلك الشراكات دور فاعل في مسيرة نجاحات الصندوق، حيث أسهم من خلال التعاون مع مجموعة من الشركاء الممولين، في تمويل 27 مشروعًا وبرنامجًا تنمويًا، في 23 دولة نامية خلال العام الماضي 2023م، مشددًا على ضرورة إقامة شراكات جديدة لبناء عالم تتاح فيه الفرصة لجميع المجتمعات، من أجل تحقيق مستهدفاتهم التنموية وإحداث التنمية المستدامة للجميع.

مشروعات عملاقة لامست حياة الملايين

المملكة مصدر للإشعاع الإنساني

منذ تأسيس الصندوق السعودي للتنمية في عام 1394هـ قبل 50 عاماً، عكس مسيرةً ملهمة وإنجازات رائعة، وهو من المآثر البارزة للملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وقد تحدث عن ذلك سمو الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز حيث يقول: سُئل الملك فيصل في مقابلة صحفية، عن رؤيته للمملكة العربية السعودية بعد 50 عاماً، فأجاب أنه يرى المملكة مصدرًا للإشعاع الإنساني.

وفي الوقت الذي تحتفي فيه المملكة بمرور خمسة عقود من العمل المؤثر للصندوق، فهي تفخر بالتزامها الراسخ في الإسهام بدفع عجلة التنمية المستدامة، لتحقيق الازدهار الاقتصادي في مختلف البلدان المستفيدة، والسعي لضمان حصول تلك البلدان على الخدمات ذات الأولوية في البنية التحتية، ومنها التعليم الجيد، وتقديم الرعاية الصحية التي تحتاج إليها المجتمعات الأقل نموًا، وتسهيل وصول الخدمات الأساسية للمدن، وتوسيع الآفاق الاقتصادية والتبادلات التجارية الشاملة، ولا يتعلق الأمر بتمويل مادي فحسب؛ بل بتحسين الظروف المعيشية، وإيجاد الفرص الحيوية المستدامة، وبناء مستقبل أفضل للجميع".

وقد وقّع الصندوق قبل أيام قليلة؛ اتفاقية جديدة مع بنك التنمية الآسيوي، بهدف تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة في جزُر سليمان، بما يمثّل أول مشروع للصندوق في جزُر سليمان، وتكمن أهميته في تطوير البنية التحتية للطاقة، من خلال المصادر المتجددة، والحد من الاعتماد على الطاقة التقليدية، بالإضافة إلى تعزيز التنمية المستدامة في المنطقة، مما يدعم الأهداف الاقتصادية والبيئية الأوسع نطاقًا في المنطقة.

ومن خلال هذا التقرير، نحاول أن نستعرض مشاريع الصندوق السعودي للتنمية في مختلف قارات العالم، فقد قدّم الصندوق دورًا فعالًا في دعم التنمية في مختلف أنحاء أفريقيا، حيث مول 433 مشروعًا بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 11.5 مليار دولار، ومن بين هذه المشاريع، سد ميتولونج في مملكة ليسوتو. ويوفر هذا المشروع، الذي حصل على تمويل بقيمة 25 مليون دولار من الصندوق، ويستفيد منه حوالي 280 ألف شخص، كما يعزز السد إنتاج الطاقة المتجددة، والأمن المائي، ويسهل الوصول إلى المياه النظيفة في المنطقة، وكذلك مشروع مستشفى الملك فيصل في جمهورية رواندا، الذي بدأت منه أول زراعة للكلى في الجمهورية.

إستراتيجية تنموية طويلة الأجل

أما في آسيا، فقد أحدثت مشاريع الصندوق التنموية تأثيرًا ملموسًا في مختلف أرجاء القارة، حيث بلغ إجمالي التمويل الذي قدمه الصندوق ما يقارب 7.8 مليارات دولار عبر 271 مشروعًا تنمويًا، ومن بين هذه المشاريع مشروع سد مهمند للطاقة الكهرومائية في باكستان، فمن خلال تمويله بقيمة 240 مليون دولار من الصندوق، يسهم المشروع في تعزيز إمدادات الطاقة والمياه المخصصة للزراعة والاستهلاك اليومي، والحماية من مخاطر الفيضانات في البلاد، كما للسد الدور الحيوي في تعزيز قدرة باكستان على إنتاج طاقة نظيفة ومتجددة، عبر زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء لتوليد (800) ميجاوات، بالإضافة إلى تخزين حوالي (1.6) مليون متر مكعب من المياه لتوفير مصادر مائية مستدامة، مما يجعله عنصرًا حاسمًا في إستراتيجية التنمية طويلة الأجل في باكستان.

خمسة عقود من الحلول المبتكرة للتمويل

وفي أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، موّل الصندوق 21 مشروعًا إنمائيًا بقيمة إجمالية بلغت نحو 951 مليون دولار. ومن أبرز المشاريع التنموية، إعادة تأهيل وإكمال نظام المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار وسط وغرب منطقة هافانا في كوبا، والذي ساهم فيه الصندوق بمبلغ 35 مليون ريال سعودي. ومن المشاريع المهمة الأخرى إعادة بناء مستشفى سانت جود في سانت لوسيا، بتمويل قدره 75 مليون دولار من الصندوق. وسيوفر هذا المستشفى خدمات صحية عالية الجودة للمجتمع.

وفي أوروبا الشرقية، دعم الصندوق 14 مشروعًا تنموياً بتمويل تراكمي بلغ حوالي 303 ملايين دولار. وكان أكثر هذه المشاريع أهمية هو إعادة تأهيل البنية التحتية في البوسنة والهرسك، حيث قدم الصندوق 73.8 مليون دولار لإعادة بناء الطرق والجسور الحيوية وتحسين النقل وتعزيز الأنشطة الاقتصادية الإقليمية في المنطقة.

تعزيز التنمية في الدول الجُزرية

وقع الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية، قبل أيام قليلة اتفاقية لقرض تنموي مقدم من الصندوق السعودي للتنمية بقيمة 41 مليون دولار، من أجل تمويل مشروع إعادة تأهيل البنية التحتية في العاصمة روسو، وتمثّل الاتفاقية بداية نشاط الصندوق في دومينيكا.

وتهدف الاتفاقية، إلى تمويل إنشاء وتأهيل 7 طرق رئيسة في دومينيكا، وتطوير شبكات تصريف المياه فيها، ونقل خطوط الكهرباء والاتصالات تحت الأرض، وتعزيز الخدمات الأساسية في تلك الطرق، مما سيسهم في دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي في دومينيكا، إذ يأتي ذلك انطلاقًا من تعزيز التنمية المستدامة في الدول الجُزرية النامية.

800 مشروع لمواجهة تحديات التنمية

ومثل هذه الاتفاقية تدلل على حرص الصندوق السعودي للتنمية على دعم الدول الجزرية النامية، للتغلّب على التحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجه مسيرتها، وسيسهم المشروع في رفع مستوى السلامة المرورية، وتعزيز التنمية الحضرية والوصول للخدمات الأساسية. وتتواءم هذه الاتفاقية بصورة وثيقة مع هدف الصندوق، المتمثّل في دعم البنية التحتية في البلدان المستفيدة من نشاط الصندوق.

التأسيس والأهداف

يعتبر الصندوق مؤسسة عامة تتمتع بشخصية معنوية وذمة مالية مستقلة، وله مجلس إدارة مكون من عشرة أعضاء، ويتولى الرئيس التنفيذي السلطة التنفيذية فيه، وهو المسؤول عن تنفيذ قرارات مجلس الإدارة.

وقد بدأ نشاطه برأس مال قدره عشرة آلاف مليون ريال، مقدم من حكومة المملكة، وتمت زيادته على ثلاث مراحل ليصبح واحداً وثلاثين ألف مليون ريال سعودي.

ويذكر أن تأسس الصندوق السعودي للتنمية جاء بموجب المرسوم الملكي رقم م/48 الصادر في 14 /8 / 1394هـ الموافق 1 /9 / 1974م، وبدأ أعماله بتاريخ 18 /2 / 1395هـ الموافق 1 /3 / 1975م. بهدف المساهمة في تمويل المشاريع الإنمائية في الدول النامية، عن طريق منح القروض لتلك الدول، وتقديم منح للمعونة الفنية لتمويل الدراسات والدعم المؤسسي.

مشروع إنشاء المستشفى الجامعي بجامعة سبليس مريت في إندونيسيا
وضع حجر الأساس لمشروع مستشفى طوارئ الأطفال العام في قيرغيزستان
قدّم الصندوق دعماً لأكثر من 800 مشروع وبرنامج إنمائي
حوض قالو غانجا في سيرلانكا
أحد مشاريع الصندوق السعودي للتنمية في أفريقيا