تشير تطورات المعركة الانتخابية إلى تراجع واضح لثقة الأميركيين في نخبتهم السياسية، مع انقسام حاد بين مؤيدي الجمهوريين والديمقراطيين قبل أيام من انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في الخامس من الشهر المقبل. ومما يعمق انعدام الثقة التراشق الحزبي الحاد والتافه في الوقت نفسه والذي يمكن أن يجعل الكثيرين من الأميركيين ينسون خطورة نتيجة الانتخابات المنتظرة، بحسب جون تاين نائب وزير الأمن الداخلي الأميركي سابقا والضابط السابق في الجيش.

في الوقت نفسه فإن طوفان المعلومات المضللة وغير الصحيحة التي تغرق بها حملتا المرشحين الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطية كامالا هاريس الشعب الأميركي تجعل من الصعب على الكثيرين معرفة بمن وبماذا يمكن أن يثقوا، وهو ما يبرر رغبة قطاع كبير من الناخبين في نفض أيديهم من الانتخابات وتصور الكثيرين منهم أن كلا المرشحين سيئ على حد قول تاين في التحليل الذي نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية.  

ويرى تاين الذي خدم لمدة 20 عاما في الجيش الأميركي وشارك في حرب العراق أن سلسلة الأعاصير المتتالية التي ضربت الولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية والتي زاد حدتها التغير المناخي فتغمر المدن الجبلية على بعد مئات الأميال السواحل، جعلته يتذكر ما هو على المحك بالفعل في الانتخابات.

ويضيف أن كامالا هاريس نائبة الرئيس والرئيس جو بايدن يدركان أنه في حالات الطوارئ كالتي تعيشها الولايات المتحدة حاليا بسبب هذه الأعاصير لا تصبح الأحزاب السياسية هي المهمة وإنما المهم هو الشعب وهؤلاء الناس، هؤلاء الأميركيون هم الذين يستحقون قيادة كفؤة قادرة تعتمد على الحقائق في تحركاتها. لذلك فهناك الآن أكثر من 8000 موظف اتحادي على الأرض في جنوب شرق الولايات المتحدة بما فيها ولاية فلوريدا لمواصلة جهود التعافي من تداعيات الإعصار هيلين، والتعامل مع آثار الإعصار ميلتون. لذلك فإن حاكم الولاية والمسؤولين المحليين المنتخبين وقادة الطوائف في فلوريدا لديهم خط اتصال مباشر مع البيت الأبيض. ولذلك نشرت إدارة بايدن-هاريس مقدما موظفي الحكومة من مختلف الوكالات الحكومية للتصدي لما قد يحدث في الأيام المقبلة.  

في الوقت نفسه فإن هاريس تتمتع بالاتزان والكفاءة والشخصية اللازمة لقيادة الولايات المتحدة في مواجهة ما يمكن أن يأتي خلال السنوات الأربع المقبلة. في المقابل فإن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترمب منشغل للغاية بالمشاجرات ونشر المعلومات الكاذبة إلى الحد الذي لا يسمح له بالثقة في قدرته على القيادة، في حين تكفي النظرة إلى فترة حكمه الأولى لكي نعرف كيف سيتصرف ومعه إدارته في مواجهة أي كارثة خلال ولايته الثانية إذا ما فاز بالانتخابات.

ففي ولايته الأولى تأخر ترمب في توفير التمويل اللازم لمكافحة حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا، مبررا ذلك بميولها الديمقراطية، حتى قدم له كبار موظفيه بيانات الناخبين التي أظهرت له وجود الكثير من مؤيديه في المنطقة المتضررة. كما تعامل مع التجمعات السكنية في الولاية أثناء الكارثة ليس كبشر وإنما كأرقام في استطلاعات الرأي. وقال مايك هارفي مستشار ترمب السابق والذي أعلن مؤخرا إلى جانب أكثر من مسؤول جمهوري سابق في ملف الأمن القومي دعمهم لهاريس "لقد اضطررنا للبحث عن عدد الأصوات التي حصل عليها في تلك المناطق المتضررة... لكي نقول له إن هؤلاء الأشخاص صوتوا لك".

كما حجب ترمب في ولايته الأولى أو هدد بحجب أموال الإغاثة عن ولايات بنسلفانيا وواشنطن وميريلاند وكاليفورنيا، بدعوى خلافاته الشخصية مع قيادة الولاية أو عدم دعم ناخبي هذه الولاية أو تلك له، في حين أنه حول 155 مليون دولار من إدارة الطوارئ الاتحادية عام 2019 لتمويل خطة غير مدروسة لترحيل المهاجرين، لأن هذه القضية تخدم شعبيته لدى قاعدته السياسية.

وأرجأ ترمب حزمة الإنقاذ البالغة 20 مليار دولار لبورتوريكو لتمويل جهود إعادة إعمار دمار الأعاصير، ورفض حتى الاعتراف بعدد القتلى في إعصار ماريا. كما رفض تخصيص 99 % من التمويل الاتحادي الذي طلبته ولاية كارولينا الشمالية بعد إعصار ماثيو، تاركا السكان يكافحون لإعادة تجميع أسباب الحياة بمفردهم.

ويضيف تاين الذي عمل نائبا لوزير الأمن الداخلي لمدة ثلاث سنوات في إدارة بايدن أن برنامج ترمب الانتخابي المعروف باسم "مشروع 2025" يستهدف إعطاء الطابع الرسمي على هذا العجز والتجاهل الصارخ للمعاناة الإنسانية من خلال تفكيك إدارة الطوارئ الاتحادية، وتقليص حجم الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، والحد من عمليات هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، وهي الجهة المعنية بمتابعة الأحداث الجوية الشديدة والتنبؤ بها. كما تعطي هذه الهيئة المسؤولين الحكوميين والمجتمعات المحلية التحذيرات المبكرة الحاسمة لتسمح لهم بتنفيذ عمليات الإخلاء والاستعداد للكوارث. في حين يروج مشروع 2025 لفكرة تسويق توقعات الطقس بدعوى أن الأميركيين يستخدمون بالفعل تطبيقات الأجهزة الذكية لمعرفة أحوال الطقس، متجاهلا كما يبدو حقيقة أن الشركات الخاصة تستخدم بانتظام بيانات هيئة الأرصاد الجوية الوطنية في هذه التطبيقات.

معنى هذا أن الولايات المتحدة تحت رئاسة ترمب لن تستطيع التنبؤ بالكوارث الجوية مسبقا، فقط وإنما لن تكون قادرة على التعافي منها.

ويقول تاين إن ترمب أفسد استجابة الدولة للكوارث مرات عديدة من خلال مزيج من انعدام الكفاءة والسياسات التي تستهدف خدمة غروره على حساب الدولة، لذلك فإن ترمب لا يستطيع قيادة الدولة في مواجهة كارثة لآنه هو شخصيا كارثة للدولة.