دائماً ما تحيط الشائعات والأكاذيب حول مدى استجابة الحكومة الأميركية للكوارث الطبيعية أثناء الأحداث السياسية الكبرى، وعلى سبيل المثال، عندما ضرب إعصار هارفي مدينة هيوستن في عام 2017، انتشرت شائعات ومعلومات مضللة من الوكالات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، منتقدة الأداء الحكومي إزاء الكارثة الإنسانية، وبعد إعصار ساندي في عام 2012، انتشرت شائعات حول وجود عاصفة على نطاق واسع، لدرجة أن التغطية الحية لشبكة (سي إن إن) للحدث كانت غير دقيقة.

لا تأتي هذه الشائعات عادة من الرؤساء السابقين، ولكن في أعقاب إعصاري هيلين وميلتون، انتقد الرئيس السابق دونالد ترمب، استجابة الحكومة الفيدرالية للكارثة، وتتابعت المعلومات المضللة حول هذا الموضوع لتنتشر على نطاق واسع لدرجة أن الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، المعروفة باسم FEMA، أنشأت صفحة ويب لدحض هذه الشائعات، وتتضمن هذه الشائعات مزاعم حول تحويل الأموال إلى المهاجرين، وأن جهود الإغاثة تستخدم فقط لمساعدة المناطق التي يعيش فيها الديمقراطيون، وقد رد الرئيس جو بايدن بغضب، واصفًا آراء ترمب وأتباعه من الجمهوريين بأنها "متهورة وغير مسؤولة ومزعجة"، مشيراً إلى أن مزاعم ترمب تقوض أعمال الإنقاذ والتعافي التي تقوم بها السلطات المحلية والفيدرالية.

عملية سياسية

غالباً ما تتحول عمليات الإغاثة الحكومية من الكوارث إلى عملية سياسية لأن العديد من الناس يتأثرون بها، ولأن هناك قدراً كبيراً من التغطية الإعلامية المحيطة بالأعاصير والفيضانات وغيرها من الأحداث المناخية الكبرى، فضلاً عن ذلك فإن الإغاثة تتطلب قدراً كبيراً من المال والتنسيق من جانب كبار المسؤولين المنتخبين، ودون شك، فإن موسم الأعاصير ضرب السباق الانتخابي في ولاية فلوريدا.

تعد فلوريدا ولاية حاسمة في الانتخابات المقبلة، ولابد وأن يظفر بها الرئيس القادم للفوز بالانتخابات، وللولاية الجنوبية 29 صوتا في المجمع الانتخابي، مما يجعلها مع نيويورك صاحبتي أكبر عدد من الأصوات بعد كاليفورنيا وتكساس في السباق لاقتناص 270 صوتا بالمجمع ستحدد الفائز في الانتخابات، كما تضفي حقيقة أن الفائز في ولاية فلوريدا التي يطلق عليها اسم "ولاية الشمس الساطعة"، يفوز بالرئاسة في كل سباق رئاسي منذ العام 1964.

أكثر تعقيداً

أصبح الخطاب حول إدارة الطوارئ الفيدرالية أكثر تعقيداً، لأن أغلب الناس لا يعرفون الكثير عن القانون الفيدرالي الذي يحكم الإغاثة من الكوارث، والواقع أنه حتى المسؤولين على مستوى الولايات والحكومات المحلية يجدون صعوبة بالغة في فهم تفاصيل القانون واللوائح المصاحبة له، وقد يؤدي تصميم القانون وتوقيت موسم الأعاصير إلى تسييس الأمر، فالمسئولون المنتخبون يشاركون دائما في تنسيق جهود الاستجابة الحكومية، مما يضع هذه الطبقة السياسة ضمن المتصدرين في جهود الإغاثة من الكوارث.

قانون الإغاثة من الكوارث لعام 1974، كما تم تعديله والمعروف الآن باسم قانون ستافورد، هو القانون الذي يحكم كيفية استجابة الحكومة الفيدرالية للكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الأخرى، لكن القانون لا يضمن المساعدات الفيدرالية للمجتمعات المتضررة من الأعاصير أو الكوارث الطبيعية الأخرى.

وبدلاً من ذلك، يتعين على حاكم الولاية المتضررة أن يطلب من الرئيس إعلان حالة الكارثة، ويمكن تقديم الطلب قبل أو بعد وقوع العاصفة، ولكن يتعين عليه أن يثبت أن الكارثة شديدة وخطيرة إلى الحد الذي يجعل حكومات الولايات أو الحكومات المحلية أو القبلية عاجزة عن الاستجابة بمفردها.

وردًا على مثل هذه الطلبات، أصدر بايدن إعلانات تغطي ثماني ولايات قبل وبعد هيلين، كما أصدر الرئيس إعلانًا لقبيلة السيمينول، وهي قبيلة أميركية أصلية في ولاية فلوريدا، ردًا على إعصار ميلتون، وبعد أن يصدر الرئيس إعلانًا، يمكن للحكومة الفيدرالية أن تبدأ في مساعدة حكومات الولايات والحكومات المحلية والقبلية، ويشمل هذا تنسيق جميع مساعدات الإغاثة من الكوارث، من عمليات الإجلاء إلى التعافي، التي تقدمها الوكالات الفيدرالية والمنظمات الخاصة مثل الصليب الأحمر وحكومات الولايات المحلية.

يمكن أن تكون المساعدات الفيدرالية مالية أو لوجستية، وهي تغطي كل شيء بدءًا من المساعدة في إصلاح الطرق واستعادة خدمات المرافق العامة إلى تقديم المساعدة والخدمات، مثل الإسكان المؤقت والخدمات القانونية والاستشارات في حالات الأزمات، للأشخاص المتضررين من الكارثة، وخلال الإعصار الحالي، كان عدد الوكالات والموظفين الفيدراليين المشاركين في عمليات الإغاثة مذهل، وعلى سبيل المثال، يساعد الآلاف من الموظفين الفيدراليين من وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية، وخفر السواحل، وهيئة مهندسي الجيش، ووكالة حماية البيئة، ووزارات الدفاع، والطاقة، والصحة والخدمات الإنسانية، والإسكان والتنمية الحضرية، والنقل في الاستجابة لإعصار هيلين وميلتون.

أدوار رئيسية

ويلعب العديد من المسؤولين الحكوميين والمحليين أدوارًا رئيسية بعد إعلان الكارثة، حيث يعمل حاكم كل ولاية كمسؤول رئيسي لتنسيق جهود الولاية والحكومة الفيدرالية، كما يعين هذا الشخص ضابطًا ليعمل كحلقة وصل بين الحكومة الفيدرالية والولاية، وفي كل مجتمع متضرر، يقود مسؤول منتخب محلي الاستجابة على الأرض، وعادة ما يكون هذا المسؤول عمدة المدينة، ويتطلب تنفيذ قانون ستافورد علاقات تعاونية وصحية بين الرئيس والوكالات الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية والقبلية.

على سبيل المثال، ردًا على طلبات حكومات الولايات في أعقاب إعصار هيلين، وجه بايدن الجهود الفيدرالية لمساعدة الأكثر تضررًا، وتضمنت استجابة الحكومة الفيدرالية حتى الآن العمل مع أكثر من 450 مسؤولًا على مستوى الولاية والمحلي لضمان حصول المتضررين من الإعصار على كل شيء بدءًا من المساعدات السكنية إلى الدعم المالي للنفقات الطبية والجنائز.

ولكن، هناك أيضاً فرصاً للتلاعب السياسي، فقانون ستافورد ينشئ نظاماً لإدارة الطوارئ يتسم بقدر كبير من اللامركزية والاستجابة للاحتياجات المحلية، حيث تعطي اللا مركزية للمسؤولين تحديد أولويات الإغاثة، وهو ما قد يؤدي إلى الصراع، وعلى سبيل المثال، دعا العديد من المسؤولين المشاركين في الاستجابة لإعصار هيلين إلى تخصيص الموارد الفيدرالية مثل الأموال والأفراد لإصلاح المرافق العامة، وإنفاذ القانون، والإطفاء، والصحة، والاتصالات، وخدمات النقل، فكيف تستطيع الحكومة الوطنية أن تختار بين كل هذه الخدمات الضرورية؟

ليس الأمر سهلاً، فكل شيء يصبح أكثر تعقيداً لأن المسؤولين عن اتخاذ مثل هذه القرارات لديهم في المتوسط خبرة أقل في الحكومة مقارنة بالموظفين المدنيين المحترفين الذين يعملون يومياً مع الأشخاص المتضررين من الكوارث الطبيعية، ونتيجة لذلك، فإن قرار قانون ستافورد بوضع المسؤولين المنتخبين ومعينيهم في مسؤولية إدارة الطوارئ من شأنه أن يقلل من جودة الاستجابة الحكومية.

مشكلة أخرى

وتضيف الميول السياسية المختلفة للمسؤولين المنتخبين مشكلة أخرى، فكثيراً ما تعكس المناقشات حول الاستجابة للكوارث مناقشات سياسية أكبر مثل تلك التي تدور حول حجم ودور الحكومة، وتاريخ قانون ستافورد يقدم مثالاً توضيحياً، ففي العادة كانت مسؤولية الإغاثة من الكوارث تقع على عاتق حكومات الولايات والحكومات المحلية، ولكن سلسلة من الكوارث الطبيعية، بما في ذلك زلزال ألاسكا في عام 1964 وأعاصير بيتسي في عام 1965 وكاميل في عام 1969، كانت ضخمة إلى الحد الذي اضطر الحكومة الفيدرالية إلى التدخل وتقديم المساعدة. في أعقاب إعصار كاميل، تصاعدت الاتهامات بالتمييز العنصري في عملية الإغاثة والنزاعات الحزبية حول من يتحمل اللوم عن عدم فعالية استجابة الحكومة للكارثة، وقد أدى اهتمام وسائل الإعلام والكونجرس بسوء إدارة الحكومة لجهود الإغاثة إلى خلق فرصة لتوسيع دور الحكومة الفيدرالية في العملية وأدى في النهاية إلى إقرار النسخة الأولى من قانون ستافورد، وبعد مرور 35 عاماً، ظهرت العديد من القضايا نفسها، مثل التمييز العنصري، وسوء الإدارة الحكومية، وتسييس الإغاثة. وفي أعقاب إعصار كاترينا في نيو أورليانز عام 2005، أدى الاهتمام الإعلامي والكونجرسي إلى إقرار تشريع يقضي بتعديل قانون ستافورد ويعيد هيكلة إدارة الطوارئ الفيدرالية وتحديد كيفية استجابة الحكومة الفيدرالية لطلبات الولايات للمساعدة، إلا أن الدمار الأخير الذي خلفه إعصارا هيلين وميلتون يثير تساؤلات حول التنسيق المحلي والفيدرالي في الاستجابة للكوارث الطبيعية، وقد أدى ذلك إلى ظهور مطالبات للكونجرس بضرورة إقرار إصلاحات تهدف إلى تحسين الإنصاف والكفاءة والفعالية في استجابة الحكومة للكوارث الطبيعية، لكن، السؤال يظل مفتوحاً حول إمكانية الإصلاح في هذا المناخ السياسي المضطرب.

موسم الأعاصير اختبار للمرشحين
تقرير - د. خالد رمضان