مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبرز تساؤل رئيسي حول توجه السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. وتحتاج المنطقة التي تعاني من تحديات أمنية وسياسية معقدة، إلى استثمارات دبلوماسية وجهود تنسيق دولية لضمان الاستقرار. وبينما يعد بعض المرشحين بالتركيز على تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الشراكات والردع الدبلوماسي، يظل هناك قلق من احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من دورها التقليدي كضامن للأمن في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى فراغ سياسي وأمني يزيد من تعقيد الأوضاع.

وتقول الدكتورة سانام فاكيل، الباحثة السياسية ومديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إنه عندما يبدو الاستقرار في الشرق الأوسط بعيدا، فإن ذلك يُسبب استياء شركاء الولايات المتحدة من تراجع إدارة الصراعات في المنطقة عن قائمة أولوياتها، ومع بلوغ حرب إسرائيل في غزة عامها الأول، وفتح جبهة جديدة في لبنان، وظهور تصعيد مباشر وشيك بين إسرائيل وإيران، يأمل الجميع أن يتبنى الرئيس الأميركي المقبل دورا أكثر جرأة.

وتشير فاكيل إلى أنه بالتحديد، يتطلع القادة في المملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط إلى من يتولى البيت الأبيض ليقوم بجهود أكبر لكبح إسرائيل، وتحقيق تقرير المصير، إن لم يكن عملية سلام، للفلسطينيين، واحتواء الدور التدخلي لإيران وبرنامجها النووي.

وتقول فاكيل إن العام الماضي أظهر خطر تجاهل أو تهميش التحديات الإقليمية المتصاعدة والبارزة. وفي حين أنه من السذاجة توقع أن تعطي كامالا هاريس أو دونالد ترمب أولوية لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط على قضايا مثل الهجرة أو الاقتصاد أو الحرب في أوكرانيا أو المنافسة مع الصين، أظهر العام الماضي خطر تجاهل أو تهميش هذه التحديات الإقليمية المتزايدة.

دعم الشركاء

ولإحداث تأثير أكثر استدامة في المنطقة، يجب على هاريس أو ترمب أن يستعينا بدعم الشركاء الأوروبيين والبريطانيين وشرق الأوسطيين، والعمل بشكل جماعي لبناء عمليات متعددة الأطراف يمكن أن تؤسس لأسس أقوى للاستقرار الإقليمي.

وأدت اتفاقات أبراهام، إلى اعتقاد الكثيرين بأن حقبة جديدة من التكامل ممكنة في الشرق الأوسط. وبالنسبة للبعض، كانت هذه الاتفاقات أيضا دليلا على صحة قرار الولايات المتحدة بتقليص أولوياتها تجاه المنطقة، والذي بدأ خلال رئاسة باراك أوباما وانسحابه من «الحروب الأبدية» في العراق وأفغانستان. واستمر كل من الرئيسين ترمب وبايدن في هذا النهج، مشجعين شركاء أميركا في الشرق الأوسط على تحمل مسؤولية أكبر تجاه الاستقرار الإقليمي. ومن الجدير بالذكر أن كليهما لم يجدد المفاوضات مع إيران، على الرغم من التزامهما بالتوصل لاتفاق أقوى مع طهران.

وتظهر سياسات ترمب وهاريس تجاه الصراع في المنطقة أيضا نواياهما المحدودة لتغيير المسار في الشرق الأوسط.

تقليص الأولويات

وترى فاكيل أن هجمات 7 أكتوبر بددت تلك الرؤية، وتجلى آثار قرار الولايات المتحدة بتقليص أولوياتها تجاه المنطقة بوضوح خلال الاثني عشر شهرا الماضية، وبينما قدمت إدارة بايدن دعما سياسيا وعسكريا كاملا لإسرائيل، ولا توجد حتى الآن حرب إقليمية مباشرة مع إيران، لم تنجح الولايات المتحدة في عدة مجالات، مثل تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار وتأمين الإفراج عن الرهائن والحفاظ على الإغاثة الإنسانية بشكل منتظم وإنتاج خطة عمل لما يسمى بـ»اليوم التالي». علاوة على ذلك، أظهرت الاتفاقية المؤقتة بين الولايات المتحدة وإيران، التي تهدف إلى منع تسريع البرنامج النووي مقابل تخفيف بسيط للعقوبات، حدود تقسيم القضايا عندما يتعلق الأمر بإدارة مجموعة من الملفات مع طهران.

وتُظهر سياسات ترمب وهاريس تجاه الصراع في المنطقة أيضا نواياهما المحدودة لتغيير المسار في الشرق الأوسط. ويدرك كلاهما أن السياسة في الشرق الأوسط، وخصوصا فيما يتعلق بقضية إسرائيل وفلسطين وإيران، أصبحت ساحة للألغام السياسية الحزبية في الولايات المتحدة قد تنفّر الناخبين. وعلى الرغم من خططهما المختلفة، حيث يميل ترمب إلى أن يكون أكثر أحادية، فإنهما سيستمران في الاتجاه المتمثل في تقليص إدارة الصراعات لصالح زيادة تحمل المسؤولية من قبل الدول في المنطقة.

نهج أكثر صرامة

ووعد ترمب باتخاذ نهج أكثر صرامة يهدف إلى تقليص النزاعات وتعزيز المصالح الأميركية، وفيما يتعلق بإيران، أوضح ترمب أنه سيعود إلى سياسة الضغط الأقصى على الجمهورية الإسلامية، ربما للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران أو لتقييد إيران أكثر. وقد قاد إدارته عندما كان رئيسا إلى الإنسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة أيضا باسم الاتفاق النووي الإيراني، وأكد ترمب أن هذا النهج وضع ضغوطا اقتصادية على إيران وقلل من قدرتها على تمويل الجماعات التي تعمل بالوكالة عنها. وأشار مستشاروه أيضا إلى أنهم سيمددون حملة الضغط القصوى ويوفرون الدعم الكامل للمعارضة الإيرانية والنشطاء. ومع ذلك، من دون أهداف واضحة أو استعداد للتفاوض مع طهران لاحتواء المزيد من التطورات النووية، قد تكون النتيجة جولة جديدة من عدم الاستقرار.

استراتيجية

ووعد ترمب أيضا، دون نجاح، بتقديم اتفاق أكبر وأفضل مع إيران من شأنه أن يمدد الاتفاق النووي ويتضمن تنازلات بشأن دعم طهران للجماعات التي تعمل بالوكالة عنها، وفرض قيود على برنامجها الصاروخي. وبدلا من فرض استراتيجيته السابقة، ستكون رئاسة ترمب الثانية أكثر فاعلية إذا عملت بشكل تعاوني مع الشركاء عبر الأطلسي والإقليميين في القضايا الأمنية المتعلقة بإسرائيل وفلسطين وإيران. وعلى الرغم من خطابها المتشدد مؤخرا تجاه إيران، من المتوقع أن تعزز هاريس الجهود الدبلوماسية الحالية لتهدئة وإدارة التوترات مع طهران، بدلا من الدعوة إلى «الضغط الأقصى».

ومن المرجح أن تبني هاريس على الجهود الرامية إلى إحياء نموذج جديد يمكنه احتواء البرنامج النووي الإيراني. ومن المتوقع أن تؤكد على استراتيجية تجمع بين الانخراط والضغط لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، مع مواجهة أنشطتها الإقليمية. والآن بعد أن قدمت إيران صواريخ وطائرات مسيرة إلى روسيا، من الواضح أن نقل طهران للمساعدات الفتاكة يتطلب استجابة عاجلة تتجاوز الاعتماد المستمر على العقوبات، وسيكون من الحكمة أن يسعى فريق هاريس إلى عملية تفاوض متعددة الأطراف تجمع بين أوروبا والمملكة المتحدة، اللتين تناقشان هذه القضايا بالفعل، للتواصل مع طهران بشأن اتفاق أوسع نطاقا، علاوة على ذلك، فإن كسب دعم إسرائيل ودول المنطقة يعد شرطا ضروريا لبناء اتفاق إيراني أكثر استدامة.

وفيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، دافعت هاريس بشدة عن أمن إسرائيل، لكنها حاولت اتخاذ موقف أكثر توازنا مقارنة بترمب وبايدن، من خلال دعم أمن إسرائيل والدعوة إلى مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين نحو حل الدولتين. وعلى عكس بايدن، شددت هاريس بقوة على القضايا الإنسانية في غزة والضفة الغربية وأدانت الإجراءات الأحادية التي تقوض عملية السلام، مثل توسيع المستوطنات. وخلصت فاكيل إلى أنه يجب على كلا المرشحين الرئاسيين أن يدركا أن الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مزيج من الردع والدبلوماسية والانخراط متعدد الأطراف وإعطاء الأولوية للشراكات، وقد أصبح من الواضح خلال العام الماضي أن أميركا بمفردها غير قادرة على حل النزاعات أو تقديم حلول.