قبل تسعة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية وفي ظل منافسة شديدة، يحشد دونالد ترمب أنصاره في ماديسون سكوير غاردن الشهيرة في نيويورك، في حين تخطّط كامالا هاريس لتحفيز الناخبين في فيلادلفيا، في ولاية بنسلفانيا الحاسمة.
ويحاول المرشحان جاهدين إقناع الناخبين في واحدة من أكثر المعارك الانتخابية إثارة للانقسام والتشويق في الولايات المتحدة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تعادلهما قبل عملية الاقتراع التي ستجري في الخامس من نوفمبر.
ومن المتوقع أن يحظى تجمّع ترمب في قاعة ماديسون سكوير غاردن التي تتسع لنحو 20 ألف مقعد، بتغطية إعلامية واسعة في مدينة نيويورك التي يتحدّر منها الرئيس السابق، والتي لا تزال معقلا قويا للديمقراطيين.
وبينما أظهر عدد من الشخصيات المعروفة دعمه للمرشحة الديموقراطية في الأيام الأخيرة، مثل بروس سبرينغستين وبيونسي، يأمل دونالد ترمب في استعراض زخم حملته الانتخابية بوجود أنصاره في «الساحة الأكثر شهرة في العالم» التي انطلقت منها فرقة رولينغ ستونز ومادونا ويو تو، كما استضافت مباريات للدوري الأميركي للمحترفين وفرق هوكي الجليد الشهيرة.
غير أنّ هذا المكان الذي ارتبط اسمه بمجموعة «بوند» (Bund) الداعمة لهتلر والذي شهد استضافة إحدى تجمّعاتها في العام 1939، من شأنّه أن يكون حافزا وراء خروج وسائل الإعلام بعناوين أكثر قتامة ضد ترمب.
من جانبها، تأمل كامالا هاريس في الدعوة إلى التصويت «من حي إلى حي» وفقا لفريق حملتها، مع التركيز على السود واللاتينيين، بنية جذب أكبر قدر من الأصوات في واحدة من الولايات السبع الأكثر تنافسا، والتي ستُرجّح كفّة الانتخابات.
وفي السياق، خطّطت المرشحة الديموقراطية (60 عاما) ليوم حافل بالمناسبات الانتخابية في أكبر مدينة في بنسلفانيا، من بينها التوقف في كنيسة للسود وصالون حلاقة ومطعم بورتوريكي.
أمّا دونالد ترمب، فيسعى إلى تقديم نفسه في نيويورك التي شهدت إدانته عدّة مرّات من قبل المحاكم المدنية والجنائية، على أنّه «الحل الأفضل لإصلاح كل ما خرّبته كامالا هاريس»، وفقا لفريق حملته.
وبهذه الطريقة، سيقوم ترمب مجددا بانتقاد نائبة رئيس الولايات المتحدة التي لم ينفك عن مهاجمتها وتوجيه إهانات شخصية إليها واصفا إياها بـ»مدمنة مخدرات» و»حمقاء»، كما من المتوقع أن يتطرّق إلى قضايا تتعلّق بالاقتصاد والتضخم وانعدام الأمن التي لم تتمكن إدارة الرئيس جو بايدن من معالجتها بالكامل.
الولايات المتأرجحة
تسعى كامالا هاريس ودونالد ترمب لجذب أصوات في مختلف الولايات الأميركية المتأرجحة في نهاية الأسبوع ما قبل الأخيرة للحملة الانتخابية، مع مشاركة ميشيل أوباما في تجمّع للديموقراطيين في حين ينظّم المرشّح الجمهوري تجمّعا في قلب مدينة نيويورك.
قبل أيام من موعد الاستحقاق الرئاسي الذي يشهد تنافسا محتدما، ينظّم الخصمان تجمّعات انتخابية السبت في ميشيغان، إحدى ولايات «الجدار الأزرق» الثلاث مع ويسكونسن وبنسلفانيا التي يعتبرها الديموقراطيون حاسمة للمضي نحو الفوز في انتخابات الخامس من نوفمبر.
وتظهر استطلاعات الرأي احتداما كبيرا للسباق في أيامه الأخيرة، ومع إدلاء أكثر من 35 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد بأصواتهم مبكرا، في استحقاق قد يوصل للمرة الأولى امرأة إلى سدة الرئاسة أو قائدا أعلى للقوات المسلحة سيكون الأكبر سنا على الإطلاق في تاريخ البلاد.
تتمحور استراتيجية هاريس جزئيا حول إيجاد شرخ بين الجمهوريين المعتدلين وترمب الذي يصر على توصيف بعض الأميركيين بأنهم «أعداء».
وحذّر ترمب من أنه إذا فاز بالرئاسة فإن الذين مارسوا تزويرا في الانتخابات «سيحاكَمون بأقصى ما ينص عليه القانون، بما يشمل أحكاما مطوّلة بالحبس».
بالنسبة للجمهوري إيه. دي. جيفرسون وهو عامل يبلغ 62 عاما مشارك في تجمّع انتخابي لهاريس في هيوستن، فإن ما يثيره ترمب من اضطراب يتخطى المعقول.
وقال في تصريح لوكالة فرانس برس «أعتقد أنها أقل إثارة للجدل. أنا جمهوري، لكني أشعر بأن ترمب فوضوي للغاية بالنسبة إلي». فور انتهاء تجمّع مفعم بالحماسة نظّم في تكساس وشاركت فيه المغنية بيونسيه وسلّط الضوء على قيود يفرضها الجمهوريون على الإجهاض، تتوجّه هاريس إلى كالامازو في ميشيغان حيث ستسعى لجذب ناخبين بالاعتماد على إحدى أكثر شخصيات الحزب الديموقراطي تألقا، السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما.
هاريس البالغة 60 عاما تشارك الأحد في تجمّع انتخابي في فيلادلفيا، المدينة الأكبر في بنسلفانيا، كبرى الولايات المتأرجحة والتي من المرجّح أن تحدّد نتيجة الانتخابات الرئاسية. أما ترمب، الذي اكتسح ولايات الجدار الأزرق الثلاث في فوزه بالرئاسة في العام 2016 قبل أن يعيدها جو بايدن للديموقراطيين بعد أربع سنوات، فيخطط لاستعادة واحدة أو أكثر من الولايات الثلاث والفوز بما يسمى الولايات المتأرجحة الأخرى في الجنوب والتي تطلق عليها تسمية «حزام الشمس»، للعودة إلى البيت الأبيض.
وفي حين قد يقتصر الفارق على بضعة آلاف الأصوات في الولايات المتأرجحة حيث التنافس على أشدّه، ينظّم ترامب تجمعات السبت في ميشيغان وبنسلفانيا، قد تكون حاسمة للمعركة الانتخابية.
في ميشيغان، كثّف ترمب هجماته ضد منافسته الديموقراطية في كل الاتجاهات، قائلا في مدينة نوفي إن هاريس «لا يمكن أن تكون رئيسة. إنها أضعف وأغبى من أن تُمثّل أميركا على المسرح الدولي».
وأضاف «هل يمكنكم أن تتخيلوا أن تتعامل مع الرئيس الصيني أو الروسي؟ لا أحد يحترمها، ولا أحد يأخذها على محمل الجد».
وفي هذه الضاحية الكبيرة في ديترويت، دعا ترمب عمّالا في مجال صناعة السيارات إلى المنصّة، واعدا إياهم بـ»إعادة الوظائف»، خصوصا من خلال إلغاء الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية. وقال «في وقت قصير، ستكون لديكم وظائف أكثر من أي وقت مضى».
يأتي ذلك عقب بث مقابلة مطوّلة مع ترمب امتدّت ثلاث ساعات مع جو روغان، مُعدّ البودكاست الأشهر في الولايات المتحدة، سعيا لجذب جمهوره.
أشبه بثلاثينيات القرن الماضي
وشدّد ترامب في التجمّع الانتخابي في ميشيغان على أن كلينتون «قالت إنه (التجمّع) أشبه بثلاثينيات القرن الماضي»، في إشارة إلى تصريحات أدلت بها في اليوم السابق على شبكة سي ان ان، وقال «لا ليس كذلك، لا. إنه ما يسمى جعل أميركا عظيمة مجددا».
خوف
ينظم الرئيس الأميركي السابق تجمّعه الانتخابي في ماديسون سكوير غاردن بعد أيام قليلة من تصريح جون كيلي أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض خلال عهده، بأنّ المرشح الجمهوري ينطبق عليه تعريف الفاشي، الأمر الذي قالت هاريس لاحقا إنّها توافق عليه.
ومن المقرّر أن يضم التجمّع الانتخابي لترمب داعمين ومساعدين مثل الملياردير إيلون ماسك الذي بات حضوره شبه دائم في حملات ترمب الانتخابية في الفترة الأخيرة.
وتعهّد ترمب البالغ من العمر 78 عاما بألا يكون دكتاتورا «إلا في اليوم الأول» الذي سيشهد سعيه لإغلاق الحدود الأميركية. كما تعهّد بطرد الملايين من المهاجرين الذين يتهمهم بـ»تسميم دماء البلاد».
وخلال لقاء انتخابي السبق في بنسلفانيا بعد توقفه في ولاية ميشيغان الحاسمة أيضا، جدّد اتهامه لـ»كامالا (هاريس) بتنظيم غزو للمهاجرين المجرمين (القادمين) من السجون ومستشفيات الأمراض النفسية في جميع أنحاء العالم، (انطلاقا) من فنزويلا (وصولا) إلى الكونغو». كما اتهم الصحافيين بأنّهم «أعداء الشعب».
أما كامالا هاريس، فتوجهت إلى ميشيغان برفقة ميشيل أوباما التي تعدّ من الشخصيات المفضّلة لدى الأميركيين. وأعربت السيدة الأميركية الأولى السابقة عن «خوفها الحقيقي» من رؤية عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وقالت «كلّ آمالي المعلّقة على كامالا يرافقها أيضا خوف حقيقي، خوف على بلادنا، خوف على أطفالنا، خوف من كل ما ينتظرنا إذا نسينا مخاطر هذه الانتخابات».
وبينما لم يعترف ترمب قط بهزيمته في انتخابات العام 2020، لا تزال هناك مخاوف من أن يرفض خسارته مرة أخرى في حال هُزم، الأمر الذي قد يدفع الولايات المتحدة إلى مسار الفوضى. في ظل إدلاء أكثر من 40 مليون شخص بأصواتهم في الانتخابات المبكرة، يتخذ الأميركيون قرارهم بين انتخاب أول رئيسة للبلاد أو الرئيس الأكبر سنّا على الإطلاق.
نظريات المؤامرة
حظيت سيندي إيلغان على مدى عقدين بثقة جيرانها لإدارة الانتخابات في منطقتها الصغيرة في نيفادا. لكن اليوم، يعتقد هؤلاء الجيران بأنها جزء من مؤامرة لحرمان دونالد ترمب من الفوز في الانتخابات الرئاسية. وذلك على الرغم من أن المرشح الجمهوري حصل في عام 2020 على 82% من الأصوات في مقاطعة إزميرالدا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 700 نسمة مما يجعلها واحدة من أقل المقاطعات سكانا في الولايات المتحدة.
وتصر ماري جاين زاكاس، وهي معلمة متقاعدة تدعم الجهود الرامية إلى إبعاد إيلغان عن منصب مسؤولة المقاطعة، «لا أثق في نتائج انتخابات 2020».
وتصر زاكاس التي تردد نظرية يكررها المحافظون كثيرا أن المشكلة تكمن في استخدام آلات التصويت بدلا من بطاقات الاقتراع.
وتوضح «كما أشار مايك ليندل، هناك العديد من الطرق للغش»، في إشارة إلى رجل الأعمال الجمهوري الذي يقوم غالبا بالتشكيك في نزاهة الانتخابات.
وتشير إلى أنه «هناك معادلات رياضية يمكنها أن تغير تصويتك. هناك أشياء يمكن أن تقلبه».
وتعرف إيلغان تقريبا كافة الناخبين المسجلين البالغ عددهم 600 في إزميرالدا، وهي منطقة صحراوية.
وتتذكر أنه في السابق، كان الجميع راضيا دائما بالطريقة التي يتم فيها تنظيم الانتخابات.
لكن عندما رفض ترمب قبول خسارته أمام جو بايدن في عام 2020، ساءت الأمور.
وقالت لوكالة «فرانس برس» في مكتبها في غولدفيلد «يتأثر البعض كثيرا بهذه المسألة، ولا يمكنني أن ألومهم على شغفهم ببلدهم».
وتضيف «قد لا أتفق مع بعض الأشياء التي يفعلونها أو يقولونها أو لا يقولونها، لكنني أتفهم».
تشكيك
تظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من ثلث الأميركيين يشككون في نزاهة النظام الانتخابي. وقالت كلير وودال من معهد أبحاث «إيشيو وان» إن هناك تيارا من عدم الثقة منذ فترة طويلة. لكن رفض ترمب الإقرار بالهزيمة في عام 2020 جعل الأمور أكثر تعقيدا.
وتوضح «بدأنا بالفعل في رؤية التشكيك، خاصة حول إدارة الانتخابات».
وتشير إلى أنه بعيدا عن الضجة التي تثيرها المسألة على المستوى الوطني، فإن تداعياتها في المجتمعات الأصغر مثل غولدفيلد تكون خطيرة مع تلقي المسؤولين الانتخابيين تهديدات ومضايقات وهجمات تجبر العديد منهم على ترك مناصبهم.
ويعد معدل تبدّل المسؤولين الانتخابيين المحليين كبيرا بشكل خاص في الولايات التي تتقارب فيها نتيجة الانتخابات الرئاسية عادة، مثل ولاية أريزونا التي فاز فيها بايدن ب 0,3 نقطة مئوية عام 2020، ونيفادا التي كان فيها الهامش 2,4 نقطة مئوية، بحسب تقرير صادر عن معهد «إيشو وان».
وتبدو إيمي بورغانز التي تدير الانتخابات في مقاطعة دوغلاس التي تعد 50 ألف نسمة وتقع في غرب نيفادا، مثالا على ذلك.
وتوضح «أنا في هذا المنصب منذ أربع سنوات فقط، ومع ذلك فأنا واحدة من أقدم المسؤولين في الولاية».
وتشعر بورغانز، وهي جمهورية، بالإحباط حيال المعلومات المضللة الصادرة عن حزبها بشأن نزاهة الانتخابات.
وقالت إن الأكاذيب والمؤامرات تدفع المسؤولين النزيهين لمغادرة مناصبهم.
وتؤكد أنه بذلك «نخسر المعرفة المؤسسية التي يكتسبها المسؤولون الذين كانوا يقومون بهذه المهام منذ سنوات».
وتتابع «لا يساعد ذلك على تأمين الانتخابات أكثر، بل يضر بها».
تهديدات
تواصلت «فرانس برس» مع العديد من مسؤولي الانتخابات السابقين في نيفادا الذين رفضوا التحدث علنا.
وقال أحدهم «لا أريد تعريض عائلتي للخطر مرة اخرى». وأفاد ربع مسؤولي الانتخابات أنهم تعرضوا للإساءة أو التهديدات بين عامي 2020 و2022، وفقا لمسح أجراه مركز معلومات الانتخابات والتصويت غير الحزبي.
وبورغانز واحدة منهم إذ تلقت تهديدات بالقتل في عام 2022.
وتقول تامي باتريك من الرابطة الوطنية لمسؤولي الانتخابات إن التوتر المتزايد أدى إلى اعتماد تدابير أمنية غير مسبوقة، مثل السترات الواقية من الرصاص وكاميرات المراقبة وحتى القناصة المتمركزين فوق المباني بالقرب من مراكز الاقتراع.
في لوس انجلوس، تتعاون مكاتب الانتخابات مع وكالات إنفاذ القانون لفحص بطاقات الاقتراع التي تصل عن طريق البريد بواسطة الكلاب البوليسية.
وتوضح باتريك «في مناطق مختلفة في جميع أنحاء البلاد (..) تلقوا (مسؤولو الانتخابات) بريدا يحتوي على مواد مختلفة. كان بعضها فنتانيل (..) وواحد منها كان ميثامفيتامين».
وتفيد بورغانز بأنها تقوم وفريقها بحمل عقار ناركان- وهو ترياق للتسمم بالأفيون - في حال تلقيهم بطاقة اقتراع ملوثة.
وتقضي وقتها الآن في شرح عملية التصويت للعامة وطمأنتهم بأنها آمنة.
وأضافت «في الغالب، أعتقد أن الناس على استعداد للتحدث».
لكن البعض لا يمكن إقناعه.
وتوضح «بغض النظر عن مدى محاولتي لإخبارهم بالحقائق (..) فإنهم ما زالوا يريدون تصديق المعلومات المضللة التي قُدِّمَت لهم».