تقطع كامالا هاريس عددا أكبر من الكيلومترات وتعقد لقاءات في ما يُسمى "الولايات المتأرجحة" الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الأميركية، غداة تجمع حاشد في واشنطن كان بمثابة "مرافعة نهائية" ضد دونالد ترمب.
وقالت نائبة الرئيس والمدعية العامة السابقة في خطاب مهيب ألقته في ساحة أمام البيت الأبيض "هذا ليس مرشحا للرئاسة يفكر كيف سيجعل حياتكم أفضل، هذا شخص غير متزن، مهووس بالانتقام، يستنزفه الاحساس بالظلم ويسعى لسلطة مطلقة".
وأمام جمهور يزيد عن 75 ألف شخص بحسب فريق حملتها، قالت المرشحة الديموقراطية إن الوقت قد حان لطي صفحة ترمب.
تسافر كامالا هاريس أولا إلى ولاية كارولاينا الشمالية التي لم تصوت للحزب الديموقراطي منذ باراك أوباما في العام 2008 لكنها تعلق عليها آمالا كبيرة.
وفي دليل على أهمية هذه الولاية الجنوبية الشرقية، يخاطب دونالد ترمب أنصاره فيها على مسافة أقل من 100 كيلومتر منها.
متقاربان
قبل عدة أيام من الانتخابات، يبدو أن الديموقراطية والجمهوري يحققان نتائج متقاربة في "الولايات المتأرجحة" السبع، فكلاهما يتوجه أيضا إلى ولاية ويسكنسن في منطقة البحيرات الكبرى على مسافة أكثر من 1200 كيلومتر من ولاية كارولاينا الشمالية.
وفي مهرجانه في غرين باي، ينضم إلى دونالد ترمب على المسرح بريت فافر، النجم السابق لفريق كرة القدم الأميركي المحترف المحلي. لكن لاعب الوسط السابق مع فريق باكرز هو شخص مثير للجدل فقد اتُهم بشكل خاص باختلاس أموال عامة في موطنه ميسيسيبي.
وتكون هاريس في مدينة ماديسون الجامعية الكبيرة، قبل أن تستقل الطائرة عائدة إلى ولاية بنسلفانيا التي تعد الأهم بين الولايات الحاسمة.
ويبذل المرشحان في كل محطة، خصوصا في الولايات المحورية، كل جهد ممكن لإقناع الناخبين القلائل الذين لم يحسموا أمرهم بعد في هذه الانتخابات التي يتوقع أن تكون نتائجها متقاربة جدا، وفق معهد الاستطلاعات 538 FiveThirtyEight.
وأدلى أكثر من 50 مليون شخص بأصواتهم مبكرا أو عبر البريد، وللمقارنة، في العام 2020، صوت ما مجموعه حوالى 160 مليون أميركي في الإجمال.
تداعيات بورتوريكو
ما زال فريق حملة الجمهوريين يحاول الحد من الأضرار بعد تجمع الأحد في ماديسون سكوير غاردن في نيويورك عندما وصف خلاله أحد الكوميديين بورتوريكو، وهي منطقة أميركية في البحر الكاريبي، بأنها "جزيرة عائمة من القمامة".
ويعيش القسم الأكبر من البورتوريكيين في ولايتَي نيويورك وفلوريدا، لكن أصواتهم مهمة بشكل خاص في ولاية بنسلفانيا، حيث تحدث خلال تجمع دونالد ترمب بورتوريكيان على المسرح مساء الثلاثاء.
ورغم أن ترامب حاول أن ينأى بنفسه عن تعليقات توني هينتشكليف، معلنا في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" أن الممثل الكوميدي ما كان ينبغي أن يعتلي خشبة المسرح، فإن تداعيات تهجمه على البورتوريكيين غير معروفة بعد.
وقال خافيير توريس مارتينيز، وهو بورتوريكو يعيش قرب ميامي في ولاية فلوريدا، لوكالة فرانس برس "كنت سأصوت للمرشح الجمهوري، لكن ما حدث جعلني ألقي نظرة فاحصة على خطة هاريس".
وأضاف "في السابق كنت مقتنعا بنسبة 100 % بالتصويت لصالح ترمب والآن لدي دافع بنسبة 100 % للتصويت لصالح كامالا هاريس".
لكن الرئيس جو بايدن تسبب بتعقيد الوضع مساء الثلاثاء عندما حاول الرد على إهانة توني هينشكليف بقوله مشيرا إلى أنصار ترمب إن "القمامة الوحيدة التي أراها تطفو هنا هي أنصاره"، ما أثار انتقادات من المعسكر الجمهوري.
ودعا فريق حملة دونالد ترمب على الفور كامالا هاريس إلى "التنصل من هذه الإهانة الشنيعة" التي وجهها جو بايدن.
هاريس الأفضل
يرى المحلل الأميركي بوبي إينمان أنه في الوقت الذي تواجه فيه الديمقرطية الأميركية تحديات من الداخل، فإن التصويت لصالح المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس يعد أمرا مهما للغاية للأمن القومي والوحدة. وتشير لغة منافسها الجمهوري دونالد ترمب المثيرة للانقسام وإعجابه بقادة مستبدين وتجاهله للمبادئ الديمقراطية إلى تحول مثير للقلق بعيدا عن الديمقراطية.
وقال المحلل الأميركي بوبي إينمان مدير وكالة الأمن القومي ونائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الأسبق في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن التصويت لصالح هاريس ضروري للأمن القومي، حيث تقف أميركا عند مفترق طرق محوري. ويضيف إبنمان "فقد أثارت أفعال وخطابة الرئيس السابق دونالد ترمب انزعاج الكثيرين الذين يشعرون بقلق عميق بشأن مستقبل ديمقراطيتنا. ويشكل أسلوبه في وصف المنافسين بأنهم "العدو الداخلي" تهديدا مباشرا للقيم الأساسية لأمتنا، وتقوض هذه اللغة المثيرة للانقسام الوحدة وتؤدي إلى تآكل الثقة وتعزز العداوة"، ليكرر بذلك الأوقات التي استغل فيها القادة الخوف من أجل الاحتفاظ بالسلطة على حساب المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ورأى إينمان إن العلامة المزعجة بشكل خاص هي استخدامه للغة مهينة مع منافسيه، إن الإشارة إلى خصومه بعبارات مهينة والتهديد بأفعال عدوانية "لاستئصال" الأعداء تذكرنا بالأنظمة التي سمحت بأن يبرر مثل هذا الخطاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان... فالإهانة تمهد الطريق لتآكل الحريات المدنية وتطبيع الممارسات الاستبدادية.
وقال إينمان إن أحداث يوم السادس من يناير 2021، تسلط الضوء على إلى أي مدى يمكن أن يذهب للاحتفاظ بالسلطة. إن التمرد في مبنى الكابيتول الأميركي كان بعد أشهر من المزاعم الكاذبة بشأن الانتخابات التي تعرضت للسرقة. وتؤكد تصرفات الجنرال مارك ميلي لمنع إساءة الاستخدام المحتملة للقوة العسكرية خلال فترة رئاسته مدى خطورة التهديد.
ويرى إينمان أن تجاهل ترمب للدستور يمتد إلى الهجمات على الصحافة الحرة والقضاء والعملية الانتخابية. إن وصف وسائل الإعلام بأنها "عدو للشعب" يقوض ركيزة أساسية للمجتمع الحر، في حين أن محاولات نزع الشرعية عن القضاة تهدد استقلال القضاء. و"من خلال زرع الشك في نزاهة الانتخابات، فإنه يقوض أساس نظامنا الديمقراطي".
وأكد إينمان أن البعض قد يرى أن سياساته عززت الاقتصاد أو زادت قوة الدولة، إلا أن أي مكاسب قصيرة المدى تطغي عليها الأضرار طويلة المدى للنزعات الاستبدادية، كما أن الازدهار الاقتصادي لا يعني شيئا إذا تم تفكيك الإطار الديمقراطي.
ويقول إينمان إن تصريحاته التحريضية بشأن المهاجرين والأقليات والمنافسين تسببت في تعميق الانقسامات. واستغلال هذه الخلافات يقوض الوحدة ويشجع الفصائل المتطرفة التي تهدد الهدوء الداخلي.
وشدد إينمان على أن الوقت قد حان للتحرك، مشيرا إلى أن "الديمقراطية لا تموت في الظلام، ولكن تموت عندما يظل الأشخاص الطيبون صامتين. يجب أن ننتبه للتحذيرات ونتعلم من التاريخ ونختار القادة الذين سيحافظون على حرياتنا. الرضا عن النفس ليس خيارا عندما تتعرض المبادئ الأساسية لأمتنا للخطر".
وأضاف أن التصويت لكامالا هاريس ليس فقط خيارا ذكيا، وإنما هو لدعم الديمقراطية الأميركية. إنها تمثل مسارا للأمام يرفض الخطاب المثير للانقسام ويقبل التنوع الذي يجعل أمتنا قوية. هاريس عازمة على التعامل مع القضايا المنهجية والدفاع عن العدالة الاجتماعية والعمل للتوصل إلى حلول تفيد كل الأميركيين.
واختتم إينمان تحليله بالقول إن "مصير أمتنا في أيدينا. أميركا تستحق رئيسا يحترم المؤسسات الديمقرطية ويقدر سيادة القانون ويوحد ولا يفرق. دعونا نختار الخيار السليم. صوتوا للوحدة، صوتوا للديمقراطية، صوتوا لكامالا هاريس".
ماذا لو خسر دونالد ترمب
ينصب الجزء الأكبر من تركيز العالم خلال انتخابات 2024 في الولايات المتحدة على الوضع في حال فاز دونالد ترمب، لكن البعض، وبينهم أشد معارضيه، يتخوفون من تداعيات هزيمته.
رفض الرئيس السابق الجمهوري الذي تتقارب النتائج بشكل كبير بينه وبين منافسته الديموقراطية كامالا هاريس في السباق إلى البيت الأبيض، الإقرار بأي من هزائمه الانتخابية، وخصوصا انتخابات العام 2020 الرئاسية.
وأحدث إنكاره هذه الهزيمة استقطابا عميقا في البلاد بينما أثارت محاولاته المتكررة لزرع الشكوك في النظام الديموقراطي الأميركي، مخاوف من تكرار مشاهد العنف عام 2021 عندما اقتحم انصاره مبنى الكابيتول.
وقال المحلل السياسي لدى جامعة بينغهامتون في ولاية نيويورك دونالد نيمان "إذا خسر هذه السنة، فلا شك لدي بأنه سيدّعي وجود تزوير وسيقوم بكل ما في وسعه لتغيير النتائج وسيرفض حضور مراسم تنصيب هاريس".
وأضاف "هو شخص لا يتقبل الخسارة بصدر رحب، لا بل لا يقر إطلاقا بهزيمته".
وترمب مدان بـ34 تهمة جنائية على خلفية فضيحة مرتبطة بمبالغ مالية دفعها لإسكات نجمة خوفا من إمكان تأثيرها على حملته عام 2016 عبر الحديث عن علاقة أقامتها معه.
كذلك، وجّهت له التهم مرّتين للاشتباه في أنه حاول قلب نتيجة انتخابات 2020 التي لم يقر بعد بخسارته فيها.
وقبل أربع سنوات، أصر ترمب وحلفاؤه على أنه تم تزوير الانتخابات.
أعمال شغب قاتلة
يخشى معارضو ترمب من تكرار أعمال العنف التي نجمت عن هذه الاتهامات في 2021، ارتكبت جماعات من مؤيديه هاجمت مبنى الكابيتول أعمال شغب قاتلة بعدما دعا ترمب أنصاره للقدوم إلى واشنطن، على خلفية اتهاماته بشأن تزوير الانتخابات.
ويبدو أن الرئيس السابق عاد ليكرر الخطاب نفسه.
وقال أثناء تجمّع انتخابي في ميشيغن الشهر الماضي "إذا خسرت، فسيكون ذلك بسبب تزويرهم (النتائج)، هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستؤدي إلى خسارتنا، كونهم يغشون".
ويكرر ترمب المخاوف ذاتها التي لا أساس لها بشأن مدى شرعية تعداد الأصوات وتصويت الأجانب وإمكانية الاعتماد على الأصوات التي تصل عبر البريد وغير ذلك.
مهّد الرئيس السابق وحلفاؤه لأعمال شغب العام 2021 بالوسائل القانونية إذ رُفعت أكثر من 60 دعوى قضائية احتجاجا على الطريقة التي بدّلت سلطات الولايات والسلطات المحلية من خلالها قواعد التصويت لأخذ تفشي وباء كوفيد بالاعتبار.
لكنهم خسروا إذ حكم القضاة بأنه كان يتعيّن رفع أي دعاوى للاعتراض على تنظيم الانتخابات قبل وقت طويل من الإدلاء بأولى الأصوات.
واستبق الجمهوريون الأمور هذه المرة فرفعوا أكثر من 100 دعوى قضائية قبل بدء التصويت المبكر بشأن كل جانب من جوانب الانتخابات، انطلاقا من كيفية تسجيل الأميركيين أنفسهم وإدلائهم بأصواتهم وصولا إلى من يحق له التصويت.
وتسعى الكثير من الدعاوى للحد من إمكان وصول ناخبين إلى صناديق الاقتراع ولم يبت بالجزء الأكبر منها قبل موعد الانتخابات، لكن الخبراء يرون أن ذلك يزيد من عدم الثقة حيال عد الأصوات، وهي مسألة أمضى ترامب وغيره سنوات في الحديث عنها.
أعمال عنف متفرقة
وقال المحلل السياسي أدرين أوثي، مؤسس شركة "كرونوس" في يوتا المخصصة للعلاقات العامة، إن "المناوشات القانونية قد تتواصل لأسابيع وبناء على حدتها، يمكن أن تؤدي إلى احتجاجات أو حتى أعمال عنف متفرقة في أماكن معينة".
ويتوقع نحو ثلثي الأميركيين وقوع أعمال عنف بعد الانتخابات، وفق استطلاع لـ"سكريبس نيوز/إبسوس" صدر مؤخرا ويؤيّد معظمهم الاستعانة بالجيش لمنع أي اضطرابات بعد بدء الانتخابات في الخامس من نوفمبر.
ويعتقد أكثر من ربع المستطلعين بأن حربا أهلية قد تندلع، بحسب استطلاع جديد لـ"يوغوف"، وقال 12 في المئة إنهم يعرفون شخصا قد يحمل السلاح إذا ظن أن ترمب تعرّض لعملية غش.
وعبّرت أوساط الاستخبارات عن مخاوف من احتمال وقوع ضحايا في تقرير بشأن التهديدات المرتبطة بالانتخابات من قبل أطراف خارجية نزع مكتب مدير المخابرات الوطنية السريّة عنه وقام بتنقيحه ونشره الأسبوع الماضي.
وقال إن "الأصوات المدفوعة من الخارج أو الاحتجاجات العنيفة المضخّمة من الخارج والعنف أو التهديدات الجسدية.. قد تشكّل تحديا لقدرة مسؤولي الولايات والمسؤولين المحليين على القيام بجوانب من عملية المصادقة على عمل المجمع الانتخابي".
وتم تعزيز الإجراءات الأمنية في واشنطن تحسبا لأي اضطرابات محتملة، رغم أن محللين تواصلت معهم "فرانس برس" رأوا أن تكرار أحداث 2021 في العاصمة أمر مستبعد، نظرا إلى وجود مئات الملاحقات القانونية القائمة في هذا الصدد.
لكنهم حذّروا من احتمال وقوع أعمال عنف في الولايات الحاسمة لنتيجة الانتخابات، أثناء الاقتراع وبعده.
وقال نيمان "أخشى خصوصا من أعمال عنف في ماديسون في ويسكنسن ولانسينغ في ميشيغن أو هاريسبرغ في بنسلفانيا من قبل أنصار ترامب لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم".