أشاد السفير الإيطالي الجديد في المملكة السيد كارلو بالدوتشي، بعمق العلاقات بين البلدين، واصفاً إياها بأنها تاريخية وقديمة، تلامس قرناً من الزمان، وترتكز على التفاهم المتبادل، وتعزيز المصالح المشتركة، والتعاون البناء في العديد من المجالات، الأمر الذي أثمر عن إرث كبير من العلاقات الثنائية، وهو ما جعل روما والرياض تتقاسمان رؤية مشتركة، في العديد من القضايا الاستراتيجية التي يشهدها العالم.
رأى السيد كارلو بالدوتشي أن صداقة الشعب السعودي مع الشعب الإيطالي، تستمد قوتها وتركيزها من روابط ثقافية عميقة، فضلاً عن اهتمام الشعبين المشترك بتراثهما وتاريخهما وتقاليدهما الغنية، والعمل على إظهاره بطرق حديثة في صورة مشاريع ذات طابع تراثي، تحت مظلة رؤية السعودية 2030 الطموحة، مؤكداً أن برامج الرؤية نجحت في صناعة نهضة كبرى في عموم مناطق السعودية.
ولم يغفل السفير الإيطالي في حواره مع «الرياض» تنامي العلاقات الاقتصادية بين بلاده والمملكة، وقال إن هذه العلاقات تشهد تنامياً كبيراً في عهد الرؤية السعودية، سواء في القطاعات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية والزراعة والصناعة؛ أو في المجالات الحديثة، مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والفضاء، موضحاً أن إيطاليا تسخر خبراتها في تنفيذ العديد من مشاريع الرؤية السعودية، وعلى رأسها مشاريع المحافظة على التراث السعودي.
وتوقع السفير الإيطالي طفرة في قطاع السياحة المتبادلة بين المملكة وإيطاليا، مؤكداً إعجاب السائح الإيطالي بالمناطق السعودية، وفي مقدمتها مدينتا الرياض وجدة، بما فيهما من مواقع تاريخية وتراثية وقيم وتقاليد عريقة. وهنا نص الحوار..
الروابط بين بلدينا مبنية على التبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية المكثفة
بعد مباشرة سعادتكم للعمل سفيرا لإيطاليا في المملكة.. كيف رأيتم المملكة.. والرياض تحديداً؟
تعتبر المملكة العربية السعودية شريكاً أساسياً ومهماً في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي بشكل عام، حيث لا تتقاسم فقط إيطاليا مع المملكة رؤية مشتركة بشأن العديد من القضايا الاستراتيجية، بل تشترك معها أيضًا في روابط ثقافية عميقة، إن الروابط بين بلدينا اليوم مبنية على التبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية المكثفة، وفي الوقت نفسه، تعكس الصداقة الإيطالية السعودية الاهتمام المشترك الذي يوليه شعبا البلدين لتراثهما من التقاليد الغنية، إن الرياض التي تشهد مرحلة من النهضة الكبيرة بفضل العديد من أوجه التآزر في قطاعات مثل البنية التحتية والتخطيط الحضري والتصميم والفن والثقافة، تمثل بعضًا من أهم نتائج العلاقة القوية بين بلدينا.
الصداقة بين الشعبين الإيطالي والسعودي تستمد قوتها من الإرث الثقافي لبلدينا
ما تقييم سعادتكم لمستوى العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيطاليا؟
يتمتع بلدانا بصداقة طويلة الأمد، حيث احتفلنا في عام 2022 بمرور 90 عاماً على قيام العلاقات الدبلوماسية السعودية - الإيطالية، ونحن نستعد للاحتفال بالذكرى المئوية في عام 2032، بفضل هذا الإرث من العلاقات الثنائية، تتمتع إيطاليا والمملكة العربية السعودية بعلاقات ممتازة، وقد برهنت عليها الزيارات الوزارية العديدة بين البلدين في العامين الماضيين، وستصبح أكثر استراتيجية خلال زيارة معالي السيدة چورچا ميلوني، رئيسة مجلس وزراء الجمهورية الإيطالية، إلى المملكة والتي من المقرر القيام بها خلال الفترة المقبلة، تعد إيطاليا بالفعل أحد الشركاء التجاريين الرئيسين للمملكة العربية السعودية ومع ذلك، فإن المبادرات العديدة المشتركة بين حكومتي البلدين وتكثيف التآزر بين الشركات والجامعات ومراكز البحوث والمعاهد الثقافية، تبرهن لنا وجوب مواصلة تعزيز هذا التعاون الثنائي، حيث إن الفرص حقًا لا حصر لها في العديد من القطاعات المختلفة، نريد أن نمضي في هذا المسار من خلال نهج قائم على الحوار والتفاهم المتبادل كي يتمكّن البلدان من الاستفادة منه.
زيارة مرتقبة للسيدة جورجا ميلوني لتعزيز العلاقات السعودية الإيطالية
ما هو برأيكم أهم المجالات التي سيكون لها مستقبل جيد لتعزيز التعاون بين البلدين؟
تتمتع إيطاليا بشراكة اقتصادية قوية مع المملكة العربية السعودية: فأولاً وقبل كل شيء، التعاون القائم في القطاعات التقليدية والتي من بينها الطاقة والبنية التحتية؛ وفي هذه المجالات، يستمر التفوق التكنولوجي والإنتاجي الإيطالي في الحصول على التقدير المناسب من السلطات السعودية ونظرائهم من الشركات السعودية. ومع ذلك، نريد أن نبذل المزيد من الجهد مع الاهتمام الخاص بالقطاعات المبتكرة، مثل تقنيات تحول الطاقة والشركات الناشئة والذكاء الاصطناعي وارتباطاتها بالرعاية الصحية وكذلك قطاع الرياضة والترفيه، علاوة على ذلك، تعد إيطاليا رائدة في مجال الفضاء، ونحن ننظر باهتمام إلى إمكانية تعزيز شراكتنا في هذا القطاع ويمكن كذلك تعزيز التعاون في القطاعات التقليدية مثل (الأغذية الزراعية والأزياء والتصميم) من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة للوفود ورواد الأعمال وكذلك تعزيز الشراكات في الجانب التدريبي والتي ستساهم في إعطاء زخم للسلاسل الصناعية ذات الصلة وستستفيد منها المملكة العربية السعودية كجزء من جهودها لتعزيز صناعتها الوطنية في مختلف القطاعات.
السياحة مسار مهم نحو تعزيز التعاون والتبادلات بين المملكة وإيطاليا
ما مدى مشاركة إيطاليا خاصة القطاع الخاص، في رؤية المملكة الكبرى (رؤية 2030)..؟
في إطار استراتيجية رؤية 2030، لدينا أهداف مشتركة يمكننا التعاون بشأنها بشكل متزايد، إن رؤية المملكة 2030 هي هدف بالنسبة لنا أيضًا، تعمل شركاتنا الرئيسة، وكذلك مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة، في المملكة العربية السعودية في المشاريع الكبري وتسهم في تنمية وتنويع المملكة: والتي من بينها مشروع مترو الرياض، والتطوير السياحي في جزيرة سندالة وبناء السدود التي ستغذي بحيرة المياه العذبة في منتجع تزلج تروجينا في جبال نيوم، لدينا بعد ذلك رؤى يمكنني تعريفها على أنها مكملة للتحول الأخضر: تستطيع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي أن تصبح مركزًا ذات أهمية استراتيجية في إنتاج الطاقة المتجددة، وذلك أيضًا بفضل خبرات العديد من الشركات الإيطالية حيث إن إيطاليا ومن خلال خطة الاتحاد الاوروبي "ريباور أي يو" التي تهدف إلي التقليل السريع من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي وتسريع التحول الأخضر، تهتم بتنويع واردات الطاقة النظيفة والهيدروجين.
2025 يشهد تدشين مدرسة أثرية لتدريب السعوديين على المحافظة على التراث
أطلقت شركة طيران ITA الإيطالية رحلات يومية مباشرة بين الرياض - روما وكذلك جدة - روما.. كيف ترون أهمية هذه الخطوة في تعزيز علاقات البلدين؟
إنها خطوة أخرى مهمة للغاية نحو تعزيز التعاون والتبادلات بين بلدينا، وكلما زادت الرحلات الجوية، زاد التبادل بين البلدين وكذلك التدفقات السياحية بين الجانبين وتساعد الرحلات اليومية المباشرة الجديدة أيضًا على تعزيز التبادلات بين الأفراد، مما يجعل المملكة العربية السعودية أكثر شهرة في إيطاليا والعكس صحيح.
ماذا عن مستوى السياحية بين البلدين.. كيف يراه سعادة السفير؟
هذا قطاع آخر سريع النمو، حيث يمكن لإيطاليا والمملكة العربية السعودية استكشاف فرص للتعاون والربط بين السياحة وتعزيز التراث التاريخي والثقافي، العلا هي وجهة مرغوبة بشكل خاص من قبل السياح الإيطاليين لجمالها الطبيعي والأثري، لكن مدينتي الرياض وجدة كذلك تجتذبان المزيد والمزيد من الزوار، ومن خلال زيارتهم للمملكة، يكتشف السياح الإيطاليون، -مع احترام الثقافة والقيم والتقاليد-، بلدًا حديثًا وديناميكيًا، نحن نريد أن ندعم أواصر الترابط بين شعبي البلدين وتلعب السياحة دورًا أساسيًا في هذا الأمر.
ارتفاع عدد الرحلات الجوية بين روما والرياض يعكس حجم النمو السياحي والتجاري بين البلدين
أعلنتم مؤخرا عن التوجه لتأسيس مدرسة أثرية شتوية للطلاب السعوديين.. حدثنا عن هذا التوجه؟
هذا مشروع أردناه بشدة لتعزيز المستوى الممتاز بالفعل للعلاقات الثقافية بين بلدينا، ففي المجال الأثري، تتمتع إيطاليا بحضور تاريخي في المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص وليس فقط، في واحة دومة الجندل الرائعة، حيث يعمل علماء الآثار السعوديون والإيطاليون معًا منذ عقود لتسليط الضوء على اكتشافات مثيرة للاهتمام للغاية لحقبات تاريخية مختلفة، وإذا قمنا بزيارة مواقع اليونسكو في العلا والدرعية، سنرى أعمالًا ومشاريع تم إنشاؤها أيضًا بفضل التعاون الإيطالي السعودي لتعزيز التراث التاريخي، وحيث إن العديد من الشركات الإيطالية تعمل في قطاع التراث بشكل متزايد في المملكة العربية السعودية، ففكرت حينها: لماذا لا نفكر في عمل برنامج للطلاب السعوديين يكون من شأنه إعطاء المزيد من الزخم للبعد الثقافي للعلاقة بين البلدين، تماشياً مع الجهود السعودية لحماية وتعزيز تراثها الأثري الهام للغاية؟
ومن هنا ولدت فكرة المدرسة الأثرية الشتوية التي نعمل على إطلاقها مع بداية عام 2025.
اسمحوا لي أن أختم هذا اللقاء بالتأكيد مرة أخرى على مدى الاهتمام الكبير من الجانب الإيطالي وعلى جميع المستويات -وستشهد الزيارات الرسمية القادمة على ذلك- نحو شراكة أقوى وأكثر ارتباطاً مع المملكة العربية السعودية، ثمة متسع لمزيد من إيطاليا في السعودية، وللمزيد من السعودية في إيطاليا، وكذلك للبلدين معًا في مناطق جغرافية أخرى.