لطالما روّجت الدعاية الإسرائيلية لمفهوم السلام، لكنها في الواقع تحاول عبثًا تجميل سياسات إرهابية ممنهجة لا تعترف بهذا المصطلح المناقض لعقيدتها المحتلة والمسكونة برعب الزوال، والبحر الذي يريد أن يلتهمها.
هذه السياسات يقودها بنيامين نتنياهو، الذي يُعَدّ واحدًا من أكثر الشخصيات الإسرائيلية إرهابًا وفسادًا، ليس فقط بسبب سياساته القمعية والإجرامية ضد الفلسطينيين، بل أيضًا بسبب تاريخه الحافل بالفساد واستغلال السلطة داخليًا.
لا يمكن انتظار سلام من رجل تلطخت يداه بدماء الأبرياء، ويواجه في بلاده اتهامات بالفساد والتلاعب بالقوانين، ولم يعد لديه إلا أن يهرب إلى الأمام ويتحالف مع المتطرفين في الداخل والخارج لضمان وتبرير بقائه في الرئاسة والتمتع بحصانتها، لإيمانه بأن السجن بانتظاره في اليوم التالي لمغادرته الكرسي.
وإن تمتع بنظام إرهابي يحتويه ويرتضيه كرئيس، فإنه لن يستطيع الهرب من مسؤوليته عن واحدة من أفظع المجازر دموية في التاريخ الحديث، حيث قاد حربًا وحشية ضد الفلسطينيين خلال عام واحد فقط، أدّت إلى مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، في جريمة إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة، استُخدمت فيها الأسلحة المحرمة دوليًا، ودُمّرت فيها الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس، في مشهد يعيد إلى الأذهان أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
ولم يقتصر إجرامه على القصف والدمار، بل عمد إلى تشديد الحصار على غزة، مما حوّل حياة أكثر من مليوني فلسطيني إلى جحيم لا يمكن تصوره، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، ضاربًا بعرض الحائط كل القوانين الدولية والنداءات الإنسانية.
ولم تقتصر جرائم نتنياهو على العدوان العسكري، بل امتدت إلى الداخل الإسرائيلي، حيث يواجه تهم فساد مالي وإداري خطيرة، ما يجعله مثالًا واضحًا على استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية؛ حيث يواجه عدة اتهامات، من بينها تلقي رشاوى، وتبذير المال العام في قضايا شخصية؛ ورغم فتح تحقيقات ضده، إلا أن نفوذه السياسي مكّنه من التلاعب بالقضاء، وتأجيل محاكمته مرارًا، في محاولات يائسة للإفلات من المحاسبة.
لقد أصبح بقاء نتنياهو في السلطة ضرورة وجودية بالنسبة له، ليس لحماية إسرائيل، كما يدّعي، بل لحماية نفسه من السجن، ما يفسر توجهه نحو سياسات تصعيدية متطرفة تُبقيه في المشهد السياسي أطول فترة ممكنة.
وفي مقابل كل خطط السلام المطروحة من مختلف الأطراف، لم يقدم نتنياهو أي مشروع سلام حقيقي، بل على العكس، سعى دائمًا لإفشال أي مبادرة تهدف إلى التهدئة أو تحقيق تسوية عادلة؛ في حين أن بعض الحكومات الإسرائيلية السابقة دخلت في مفاوضات سلام، حتى وإن كانت شكلية، فإن نتنياهو لم يُظهر حتى الحد الأدنى من الرغبة في هذا المسار، فهو لا يرى في الفلسطينيين شركاء، بل أعداء يجب سحقهم، ولا يرى في السلام خيارًا، بل مجرد ورقة تفاوضية يستخدمها لخداع المجتمع الدولي بينما يستمر في القتل وتوسيع الاستيطان وفرض خياراته الإرهابية.
وسط هذه الجرائم والانتهاكات، يصبح الحديث عن السلام مع إسرائيل، في ظل وجود نتنياهو، ضربًا من الخيال؛ فهو ليس رجل دولة يبحث عن الاستقرار والسلام لشعبه، بل مجرد سياسي انتهازي مستعد لبيع كل شيء من أجل البقاء في السلطة.
إن أي سلام حقيقي لن يتحقق إلا عندما يتم محاسبة مجرمي الحرب على جرائمهم، وإزاحة الفاسدين عن مواقع السلطة.. ونتنياهو، بجرائمه وفساده ليس سوى نموذج واضح لشخصية لا يمكن أن تكون شريكًا في أي عملية سلمية، بل عقبة كبرى أمام أي حل عادل وشامل.