تسبّبت المواجهات الدائرة في شمال شرقي دولة جنوب السودان بنزوح حوالي 50 ألف شخص، فيما عرضت عدّة سفارات غربية الاضطلاع بدور الوساطة لتفادي تدهور الوضع. وقال نيكولاس هايسوم رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان الثلاثاء إن البلد "على شفا الانزلاق مجدّدا الى حرب أهلية" تهدّد بنسف سنوات من الجهود المبذولة لصون سلام هشّ.
ومنذ نهاية فبراير، أدّت أعمال العنف إلى نزوح 50 ألف شخص، من بينهم عشرة آلاف عبروا الحدود باتجاه إثيوبيا، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في جنوب السودان. وتشهد مقاطعة الناصر في ولاية أعالي النيل معارك بين قوات موالية للرئيس سلفا كير ومجموعة "الجيش الأبيض" التابعة لنائبه الأول ريك مشار، ما يهدّد بتقويض اتفاق تقاسم السلطة الهشّ. وأشارت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وهي كتلة من دول شرق إفريقية، إلى أنّه في الرابع من مارس، تمكّن "حوالي ستة آلاف مقاتل من الجيش الأبيض" من الاستيلاء على معسكر لجيش جنوب السودان في هذه المقاطعة. وليل الأحد الإثنين، نفّذ جيش جنوب السودان ضربات جوية على مواقع للمتمرّدين في مقاطعة الناصر، ما أدى إلى مقتل عشرين شخصا، غالبيتهم من النساء والأطفال، حسبما أفاد المفوّض الإداري في المقاطعة جايمس غوتلواك. وقد تأزّم الوضع السياسي في البلد. ومساء الإثنين، أعلن حزب مشار المعروف بـ"اس بي ال ام-آي او" تعليق مشاركته في بعض الهيئات الأمنية من اتفاق السلام العائد للعام 2018 لغاية إطلاق سراح مسؤولين سياسيين وعسكريين ينتمون لصفوفه تمّ توقيفهم مؤخرا. وكتب نائب الحزب أويت نتنائيل بييرينو على فيسبوك أن "أيّ مشاركة للأعضاء في ما يعرف بالآليات الأمنية والسياسية تعلّق بمفعول فوري"، مشيراً إلى أن عمليات التوقيف "تهدّد جوهر" اتفاق السلام. وعرضت عدّة سفارات غربية في جوبا، من بينها سفارة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، الثلاثاء التوسّط بين سلفا كير وريك مشار لتنظيم "لقاء بينهما وإطلاق حوار مباشر لعودة السلام وصونه". وقالت نائبة الممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة في السودان وجنوب السودان أنيتا كيكي غيبو، إنّ "أعمال العنف تزيد من تعريض المجتمعات الضعيفة للخطر، وتجبر على تعليق الخدمات الحيوية". وحثّت "جميع الأطراف على السماح للعاملين في المجال الإنساني بالوصول بأمان إلى المحتاجين، وخصوصا النساء والأطفال وكبار السن".
وفي ظلّ أعمال العنف الدائرة في البلد، اضطر عاملون في مجال الإغاثة الإنسانية إلى المغادرة وأغلقت وحدة لمعالجة الكوليرا في الناصر، في حين يتفشّى المرض بسرعة في البلد، كما في السودان المجاور وإثيوبيا.
وكشفت منظمة "أطباء بلا حدود" أن العنف في جنوب السودان "يفاقم الوباء. وقد اضطرّ آلاف الأشخاص إلى النزوح، وباتوا عاجزين عن الوصول الى خدمات الرعاية الصحية ومياه الشرب، وهي عوامل أساسية لمنع الانتشار السريع للكوليرا". ومنذ استقلاله عن السودان في العام 2011، يواجه جنوب السودان أعمال عنف تحول دون وضع حد للحرب الأهلية الدامية بين الرئيس سلفا كير ونائبه ريك مشار. وأدى هذا الصراع إلى مقتل حوالي 400 ألف شخص ونزوح أربعة ملايين بين العامين 2013 و2018 عندما تمّ توقيع اتفاق سلام، تتهدّده الاشتباكات الجديدة في الشمال الشرقي.
ومؤخرا، أكدت رئيسة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان، أنّ البلاد دخلت "في انحدار مثير للقلق من شأنه أن يمحو سنوات من التقدّم نحو السلام".