كتب المهندس سعد المعجل، الرجل الذي يقطر وطنية وصدقاً واخلاصاً لهذا الوطن، ويحمل طموحاً وتطلعاً لرؤيته في مرتبة لا يسبقه عليها أحد، أقول: كتب في «الرياض» في 11 سبتمبر 2024م مقالاً بعنوان «الرئيس التنفيذي.. رجل الشركة الأول»، تطرق فيه إلى أهمية ودور الرئيس التنفيذي لإنجاح أي شركة، واستشهد فيه بأمثلة لبعض الرؤساء الناجحين الذين كان لهم دور كبير في خدمة شركاتهم وتمكينها من تحقيق أهدافها وتطلعات أصحابها والعاملين والمتعاميلن معها، كما ذكر بعض القصص لرؤساء آخرين أخفقوا في القيام بذلك الدور، ما أدى إلى فشل شركاتهم، بل تلاشيها وخروجها من السوق. ما تحدث عنه المهندس سعد يعتبر صحيحاً ومهماً ولا خلاف عليه، إلاّ أن ذلك الدور للرئيس التنفيذي، الذي لخّصه المهندس المعجل، يبقى مربوطاً، بل مدفوعاً، أو معرضاً للفشل، بالدور الذي يقوم به مجلس إدارة الشركة، ومعرفته لما هو مطلوب منه، وقدرته على القيام بذلك الدور بالطريقة والأسلوب الصحيحين. وبالرغم من إلماحة المهندس سعد لذلك، إلاّ أن هذا موضوعاً يستحق الحديث والطرح والمناقشة كثيراً، وبالذات مع التوجه الذي تعيشه بلادنا وطموحات هيئة السوق المالية لطرح العديد من الشركات وإدراجها، ما يتطلب معه وجود مجالس إدارات مدركة لدورها وقادرة على القيام به على الوجه المطلوب واعطائه ما يستحقه من جهد ووقت، بما يمكن الرؤساء التنفيذيين من أداء مهامهم، وقيادة شركاتهم لتحقيق المطلوب والمأمول منهم كما أشار لذلك المهندس سعد.

وعند الحديث عن مجالس إدارة الشركات، فإنه لا بد من التأكيد على أن دورها كبير، وخطير في الوقت نفسه، لإنجاح الشركة أوفشلها، فالخلل يبدأ من الرأس، كما يقول الأستاذ بوب قارات، المهتم بمجالس الشركات، والذي اختار عنواناً لواحد من كتبه الذي ناقش فيه هذا الموضوع، حيث جاء عنوان كتابه « فساد السمك يبدأ من الرأس، The Fish Rots From The Head: Developing Effective Board Directors والمقصود هنا الفساد في جانبه الإداري، بمعنى القصور في أداء الدور المنوط بالمجلس، وليس في جانبه الأخلاقي.

ما كتبه الأستاذ قارات يعتبر وصفاً دقيقاً ومختصراً ومعبراً، تأتي تحته الكثير من التفاصيل، حيث مجلس الإدارة يبقى، وسيظل، هوالمرتكز الأساس لنجاح أي شركة أوفشلها، مع كل الاحترام والاعتراف بالدور الهام جداً لجهازها التنفيذي وكافة موظفيها. وقصة أبل مع رئيسها التنفيذي السابق ستيف جوبز، كما أوردها الأستاذ رام شارام وزملاؤه في كتابهم الذي جاء تحت عنوان Boards That Lead: When to Take Charge, When to Partner, And When to Stay out of the Way، قد تشرح بوضوح ما عناه الأستاذ بوب قارات في كتابه المشار إليه.

كانت قصة أبل مع ستيف جوبز، من استقالته وعودته لإدارة الشركة حتى وفاته، مثالاً واضحاً يبين كيف يسهم مجلس الإدارة بقراراته في دفع الشركة للأمام أو دحرجتها للخلف. بدأت قصة أبل مع السيد جوبز في العام 1985، حينما تقدماً باستقالته مدفوعاً لذلك من مجلس الإدارة، لينتقل بعدها للعمل في شركات أخرى، مما أدى إلى تدهور شركة أبل. في الفترة من العام 1985 وحتى 1997 تعاقب ثلاثة رؤساء تنفيذيون على إدارة شركة أبل.

في العام 1996 انضم السيد ادجار وولارد إلى مجلس إدارة شركة أبل ليصبح رئيساً لمجلس الإدارة. بخبرته الإدارية السابقة ومعرفته بمجالس الإدارات، بدأ السيد وولارد في فتح قنوات الاتصال مع مديري الإدارات في الشركة، دون الاقتصار على رئيسها التنفيذي وذلك رغبة منه في الوقوف على حقيقة الشركة وتفاصيل العمل داخلها من جانب، وتفادياً أن تصله معلومات «مفلترة» من قبل الرئيس التنفيذي من جانب آخر.

في الاجتماع السنوي للشركة، في العام، 1997، اتضح ضعف الرئيس التنفيذي للشركة وعدم قدرته على الاجابة على أسئلة الحضور، مما أحدث ردّة فعل سلبية لديهم وعدم ارتياح لمستقبل الشركة. أصبحت الشركة تعاني من ضعف السيولة، حيث فقدت 800 مليون دولار من ايراداتها السنوية، مما حدا برئيس المجلس التفكير ببيع الشركة، حيث عرضها على كل من دل كمبيوتر وكومباك كمبيوتر وأي تي أند تي وآي بي أم، ولم تبد أي منها رغبتها في شراء الشركة. الشركة الوحيدة التي عرضت 500 مليون دولار كانت شركة تايوانية، وكان هدفها الاستحواذ على العلامة التجارية لشركة أبل. في الوقت نفسه، كان السيد وولارد يواصل التعرف على تفاصيل الشركة بالاجتماع المتكرر مع المدير المالي، تأكد له بعد ذلك أنه لا مناص من بيع الشركة، وأن استمرار رئيسها التنفيذي الحالي، كما عرض على المجلس، سيؤدي إلى افلاس الشركة.

تأكد للمجلس، وللسيد وولارد، أيضاً أن الشركة بحاجة لرئيس تنفيذي، ولكن من يكون؟ حينها كان السيد جوبز يعمل مستشاراً للشركة نتيجة استحواذها على واحدة من الشركات التي يعمل فيها السيد جوبز. عرض السيد وولادر على السيد جوبز العودة رئيساً تنفيذياً للشركة بعد ان تم انهاء خدمات الرئيس التنفيذي حينها وذلك في العام 1997، ولكن الأخير اعتذر عن ذلك ووافق أن يستمر مستشاراً للشركة حتى تجد الشركة الرئيس التنفيذي المناسب.

تحت إدارة ستيف جوبز، عادت الشركة للنمو والتحسن في المبيعات والانتشار الجغرافي. نظير. لقد كان تعيين السيد جوبز واحداً من أفضل القرارات التي اتخذت في مجال الأعمال، على حد تعبير السيد وولارد، وقد كان السيد وولارد واحداً من أفضل أعضاء المجالس، كما يذكر السيد جوبز. حينما سئل السيد وولارد عن أفضل الدروس التي اكتسبها من عمله رئيساً لمجلس إدارة شركة أبل أجاب «على رئيس المجلس أن يكون على اتصال مع المسؤول المالي في الشركة، وأن يفهم بعمق استراتيجيتها، وكيفية تنفيذها، بالاضافة إلى اختيار الرئيس التنفيذي المناسب، والعمل معه سوياً».

إن قصة مجلس إدارة أبل مع رئيسها التنفيذي، السيد ستيف جوبز، تختصر الكثير من المهام التي على مجلس الإدارة أن يضطلع بها للتأكد من قدرته على تحمل مسؤوليته والقيام بدوره بالشكل الصحيح. صحيح أن القصة تدور حول كيفية اختيار الرئيس التنفيذي المناسب لإدارة الشركة، وهي واحدة من المهام الرئيسة للمجلس، إلاً أنها توضح علاقة المجلس، وبالتحديد رئيسه، بالشركة وبجهازها التنفيذي، وماهي المسافة الفاصلة بين المجلس وإدارة الشركة التنفيذية. بل انها توضح أن مجلس الإدارة يتحمل المسؤولية الكبيرة، والنصيب الأعلى في قيادة الشركة، وبيده نجاح الشركة أو فشلها، كما حدث لشركة أبل والتي نقلها مجلس إدارتها بقيادة السيد ادجار وولارد من شركة تعرض للبيع ولا تجد أحداً من الراغبين في الشراء، إلى واحدة من كبريات الشركات في العالم بايرادات وأصول تتجاوز ميزانية الكثير من الدول.

ولأن دور مجلس الإدارة أكبر من قصة أبل مع رئيسها التنفيذي، رغم أهمية ما قام به مجلس إدارتها وأسهم في انقاذها، فإنه لا بد من التأكيد على أنه ليست هناك طريقة واحده، أو أسلوب واحد، أو وصفة محددة لعمل مجالس الإدارات يقوم بها الجميع ويمارسها الكل. صحيح أن هناك أدواراً محددة، ووظائف معينة، ومهام متفق عليها تقع على عاتق المجلس، ويجب عليه أن يمارسها ويؤديها من أجل خدمة الشركة وتحقيق تطلعات وأهداف ملاكها ومساهميها، بل تحقيق رضا وقبول كافة الأطراف العاملة والمتعاملة معها، ولكن الطريقة التي تتبعها المجالس للقيام بتلك الأدوار، وتأدية تلك المهام، ليس شرطاً أن تكون نسخة واحدة لكل المجالس.

فعند نشأة الشركة، أو مرورها بحالات غير معتادة، كالتوسع أو الطرح للاكتتاب العام، يفترض أن يكون المجلس أكثر قرباً، أو بالأصح أكثر تدخلاً، في أمور الشركة وتفاصيل عملها كي يتأكد أن أعمالها والطريق الذي تسير فيه صحيحة وسليمة، وكي يتمكن، أيضاً، من تصحيح الانحرافات والأخطاء التي قد تحدث وهي مازالت في بداياتها.

الأمر نفسه، حينما تعين الشركة رئيساً تنفيذياً جديداً، سواء من داخل الشركة أم خارجها، بغض النظر عن عمر الشركة وقدمها في السوق، إذ يتطلب الأمر من المجلس، ورئيسه على وجه التحديد، أن يكون قريباً من الشركة وتفاصيل عملها كي يتأكد ويرتاح لصحة المسار الذي تسير فيه الشركة.

هذا لا يعني أن يقوم المجلس بإدارة الشركة، ولكن المسافة هنا تقترب أكثر بين المجلس والإدارة التنفيذية، وتزداد تلك المسافة بعداً نسبياً حينما يطمئن المجلس على سير عمل الشركة، ولكن ذلك البعد لا يعني الانفصال الكامل عن أعمال الشركة، ولكنه قيام المجلس بدوره الطبيعي تجاه الشركة في حالتها الطبيعية، وهو دور يتمثل في قيادة المجلس للشركة وليس إدارتها. إن على مجلس الإدارة، أياً كان، أن يدرك أنه ليس مسؤولاً عن إدارة الشركة، حيث ذلك من مهام ومسؤوليات رئيسها التنفيذي وفريقه العامل معه، ولكن المجلس مسؤولاً عن قيادة الشركة للتأكد من قدرتها على تحقيق أهدافها وتطلعات مساهميها وكافة المتعاملين معها، بما في ذلك قيادة وتوجيه والاشراف ومتابعة أداء الرئيس التنفيذي وكيفية قيامه بعمله وعلاقته بفريقه، بل علاقته بكافة العاملين والمتعاملين مع الشركة. أما الإدارة اليومية والدخول في تفاصيل العمل فهي المهمة الرئيسة للرئيس التنفيذي، الذي عليه القيام بها والمساءلة والمحاسبة بناء على قدرته على أدائها على الوجه المطلوب.

إن هذا يؤكد على الدور الرئيس الذي يجب أن يقوم به مجلس الإدارة في اختيار الرئيس التنفيذي المناسب لإدارة الشركة، حسب ظروف الشركة وامكاناتها ووضعها وحالتها اجمالاً، كما تم في قصة شركة أبل المذكورة آنفاً. إن قدرة المجلس على اختيار الرئيس التنفيذي المناسب لإدارة الشركة، أخذاً في الحسبان وضعها وظروفها وليس فقط نجاحات ذلك الشخص في مواقع سابقة، من المرتكزات الرئيسة التي على المجلس مراعاتها وعدم المجاملة فيها.

إن الشواهد تثبت ذلك، وكم أضاع العديد من المجالس كثيراً من الوقت والجهد، بل تسبب في الحاق الأضرار بالشركة نتيجة عدم قدرته على القيام بهذا الدور على الوجه المطلوب. ويرتبط باختيار الرئيس التنفيذي المناسب، قيام المجلس، وتحديداً رئيس المجلس، بمتابعته وتوجيهه، مع الحفاظ على ذلك الخيط الرفيع الذي يمنع رئيس المجلس من القيام بدور الرئيس التنفيذي والدخول في تفاصيل العمل، وفي الوقت نفسه يكون على معرفة بمجريات العمل في الشركة وما يدور داخلها، وهي مهمة صعبة، بل ومتناقضة أحياناً، مما يتطلب الكثير من الحكمة والخبرة والدراية، وقبل كل ذلك المعرفة بدور كل من رئيس المجلس والرئيس التنفيذي للشركة.

هذه الصعوبة تنبع من أن مجالس الإدارات هي المسؤولة، في المقام الأول، عن أداء الشركات التي ترأسها، ومساءلة عن نجاحاتها واخفاقاتها، ولكنها في الوقت نفسه لا تباشر الأعمال التي تتم داخل الشركات، ولا تقوم بأدائها، فهي، إذاً، مسؤولة عن أمور لا تؤديها بنفسها، ولكنها تقوم بدور الإشراف والمتابعة والرقابة والتوجيه للتأكد من أن تلك الأعمال تسير في المسار الصحيح، بما يخدم الشركة ويحقق تطلعات وتوقعات كافة العاملين والمتعاملين معها، ويأتي في مقدمتهم، بلا شك، مساهمي الشركة وملاكها.

معادلة صعبة، تبين أهمية دور مجلس الإدارة من جانب، وتعقد، بل تداخل وتشابك، ممارسة ذلك الدور والقيام به على الوجه المطلوب من جانب آخر، مما يؤكد أن عمل المجلس ليس عملاً شرفياً، كما هوالحال في السابق، يكتفى فيه بحضور الاجتماعات، ومناقشة ما يعرض من مقترحات وتقارير بصفة عاجلة وسريعة.

يدعم ذلك، ما مرت، وما تمر به، بعض الشركات محلياً أو دولياً، من مصاعب ومتاعب، جاءت في أغلبها، نتيجة ضعف مجالس إداراتها، وعدم قيامها بدورها على الوجه المطلوب، وعدم إعطائه ما يستحقه من الجهد والوقت. فمن حيث الوقت على سبيل المثال، تذكر بعض الدراسات أن متوسط ما يخصصه عضو المجلس لا يقل عن 32 يوماً في السنة للشركة الواحدة، وبعضها يذهب أكثر من ذلك حيث المتوسط حوالي 300 ساعة في السنة، ما بين التحضير والمشاركة في المجلس ولجانه، مع تحفظ تلك الدراسات على تلك الأرقام حيث تراها غير كافية لإعطاء المجلس ما يستحقه من عناية واهتمام من قبل العضو في ظل التحديات والتطورات التي تواجه الشركات في الوقت الحاضر. هذا يعني أن متوسط ما يمنحه العضو للمجلس الواحد حوالي ثلاثة أيام في الشهر الواحد، ولنا أن نتخيل حينما يكون العضو مشتركاً في أكثر من مجلس، ويمارس أعمالاً أخرى تأخذ من وقته الشيء الكثير.

إن منح الوقت الكافي من قبل مجلس إدارة الشركة لها، يمكنه من القيام بواحدة من أهم المهام التي عليه القيام بها والتي تتطلب التركيز والمتابعة، ألا وهي الاهتمام بالتوجهات الاستراتيجية للشركة والتأكد من خططها المستقبلية. فمن المعروف أن الاهتمام بالتوجهات الاستراتيجية للشركة والتأكد من خططها المستقبلية يعتبر أحد أهم المهام الرئيسة، إن لم يكن المهمة الأولى، لمجلس الإدارة، إلا أن بعض المجالس يجد نفسه مأسورا بمتابعة التفاصيل اليومية وملاحقة القرارات التشغيلية ، مما يعرض الشركة مستقبلا لهزات قد لا تستطيع مقاومتها والتعايش معها.

إن ما يميز الشركات الناجحة عن غيرها هو وضوح خططها المستقبلية، وبيان استراتيجياتها، ليس فقط لأعضاء مجلس إدارتها، وإنما لجهازها التنفيذي ولكافة المتعاملين معها سواء من داخل الشركة أومن خارجها. إن ذلك الوضوح له انعكاساته الايجابية أيضا عند التعامل مع الشركة من قبل جهات خارجها مثل البنوك والموردين وكذلك المنافسين، كما أنه يضع الجميع داخل الشركة، بدءا بمجلس إدارتها وحتى أصغر موظف فيها، في قارب واحد، مما يسهم في تحقيق أهداف الشركة وتطلعات المستفيدين منها والمتعاملين معها، بل وقدرتها على التعامل مع الهزات والتغيرات المستقبلية.

ولكن هل معنى ذلك أن يكون موضوع الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية للشركة حاضرا في كل اجتماع، ومتصدرا كل نقاش؟ وقبل كل ذلك هل يقوم مجلس الإدارة نفسه بإعداد استراتيجية الشركة واعتمادها ومتابعة تنفيذها؟ في الشق الأول من السؤال فإن حضور الاستراتيجية بصفة مستمرة على طاولة المجلس ليس شرطا، ولكن غيابها الدائم يعتبر خطأ أيضا. لا بد أن تكون التوجهات الاستراتيجية للشركة حاضرة في ذهنية أعضاء المجلس، مع ضرورة استعراض ومراجعة الاستراتيجية بين اجتماع وآخر. أما بخصوص إعداد الاستراتيجية فان على المجلس أن يشارك في الإعداد من خلال حضور ما يقام من ورش عمل ومن جلسات واجتماعات مع من يتولى التحضير لصياغة الاستراتيجية سواء أكان فريقا من الداخل أو مكتبا استشاريا من الخارج، وبعد اعتماد المجلس للاستراتيجية فان عليه المتابعة والإشراف على التنفيذ الذي هو مهمة رئيسة من مهام الرئيس التنفيذي. المهم أن يدرك المجلس دوره في هذا الجانب، وأن تحديد مستقبل الشركة ورسم استراتيجياتها عمل أصيل ومهمة رئيسة للمجلس، عليه القيام بها بالطريقة الصحيحة، والتأكد من أن الرئيس التنفيذي وفريقه قادرون على تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع بالطريقة الصحية.

إن قدرة مجلس إدارة الشركة على القيام بدوره، وتحقيق ما هو مطلوب منه، يعتمد على وجود رئيساً للمجلس لديه الكفاءة والقدرة لإدارة المجلس لتحقيق تطلعات الشركة وتحقيق أهدافها. مما يتطلب من الشركات أن تحسن أختيار من يرأس مجالسها. أن ذلك الاختيار يجب أن يبنى على القدرة والكفاءة، ومعرفته بما هو مطلوب منه، وصلاحيته للقيام بذلك. ليس شرطاً أن من يتم اختياره لرئاسة المجلس هو الأكبر سناً، أو الأكثر ملكية في الشركة، وهذه قد تكون معايير إضافية، متى توفرت المعايير الأخرى التي تعتبر أكثر الحاحاً وأهميةً.

تأتي في مقدمة تلك الشروط الخبرة العملية، بمعنى أن يكون لدى من يرأس المجلس خبرة ومعرفة بالشركات، وأعمالها، وبيئتها، والأساليب الإدارية الأنسب لتلك الشركات. هذه المعرفة وتلكم الخبرة تمنح الرئيس لغة مشتركة مع العاملين داخل الشركة، وتوفر له فهماً أعمق لما يدور داخلها، وبالتالي القدرة على المساعدة في حل ما يعترضها من مشكلات وعرضها ومناقشتها داخل المجلس بطريقة أكثر وضوحاً وفهماً.

إضافة إلى الخبرة والمعرفة بالشركات وقطاع الأعمال، وتحديداً المجال الذي تعمل فيه الشركة، فإن القدرة على خلق علاقات واضحة ومتوازنة مع كافة أعضاء المجلس وكذلك الرئيس التنفيذي تعتبر مطلباً أساساً لا بد من توفره فيمن يرأس المجلس، لأن هذه العلاقة تمكن الرئيس من معرفة مكامن القوة ونقاط الضعف في الأعضاء مما يساعده على الاستفادة من الأولى وتعظيمها لخدمة الشركة، ومعالجة الثانية والحد من آثارها السلبية على الشركة. وعلاقة الرئيس الايجابية يجب أن لا تقتصر على أعضاء المجلس، بل يجب أن تمتد لمن هم خارج المجلس، وخارج الشركة من المتعاملين مع الشركة. تلك العلاقات المبنية على الثقة والاحترام، تمكن الرئيس من إدارة المجلس بالطريقة الصحيحة، وتساعده في خلق جو صحي للحوار والنقاش داخل المجلس وخارجه عند التواصل والاتصال بالأطراف ذات العلاقة بالشركة. يضاف إلى ماسبق المرونة والاطلاع الواسع على ما يجري في محيط عمل الشركة بصفة خاصة، وما يدور في كافة الجوانب الاقتصادية والتنموية والاجتماعية بوجهً أعم، وغني عن ذلك الإشارة إلى ما يحتاجه ذلك من وقت وجهد على الرئيس إدراكه وتحمله.

إن توفر مثل هذه الشروط عند اختيار رئيس المجلس تمكنه من القيام بالدور المتوقع منه، حيث المطلوب منه إدارة المجلس، وليس إدارة الشركة، وهذه معادلة صعبة يحتاج الكثير من الرؤساء استيعابها، ومن ثم القناعة بها وتطبيقها. فإدارة الشركة هي مسؤولية مديرها العام أو رئيسها التنفيذي، حيث توظيفه وتقويمه على ذلك الأساس، بينما رئيس المجلس مسؤول عن إدارة المجلس، وهناك فرق بين الإدارتين أو المهمتين.

وحيث إن موضوع الرئيس التنفيذي الذي تطرق إليه المهندس سعد المعجل في مقاله هو الباعث للتعليق على الموضوع، فإن هناك نقطة يجب الانتباه لها والتحذير منها تتعلق بما قد يقوم به بعض الرؤساء التنفيذيين من محاولته لقيادة مجلس الإدارة وصرفه عن أعماله ومهامه الرئيسة المتمثلة في متابعة أداء الشركة وتوجهاتها الاستراتيجية ومراقبة وملاحظة ما تتعرض له من مخاطر وتهديدات؟ ولكن هل يستطيع الرئيس التنفيذي القيام بذلك؟ الإجابة نعم، متى ما كان الرئيس التنفيذي راغبا في ذلك، ومتى ما كان مجلس الإدارة غير مدركا لدوره الحقيقي وما هو المطلوب منه ليتمكن من مساعدة الشركة لتحقيق أهدافها والقيام بدوره على الوجه المطلوب.

يستطيع الرئيس التنفيذي القيام بذلك بطرق عدة، لعل أهمها أمران، أولهما الإسهاب والتفصيل فيما يعرضه الرئيس التنفيذي من تقارير على المجلس، ولتفادي ذلك يحسن بالمجلس أن يتبع طريقة ويحدد وقتاً في جدول الاجتماع لاستعراض ومناقشة هذه التقارير كي لا يتخذ الرئيس التنفيذي هذه التقارير فرصة لإدخال المجلس في تفاصيل هوفي غنى عنها من جانب، ثم هي ليست من صميم عمله من جانب آخر. الأمر الآخر الذي قد يمارسه الرئيس التنفيذي مما يؤدي الى صرف المجلس، بل إضاعة وقته في أمور هي من مهام الرئيس التنفيذي، هو أن يغرق المجلس بأن يعرض عليه الكثير من الموضوعات التي لا تدخل ضمن مهامه واختصاصاته، وهذا يحدث حينما يكون رئيس المجلس غير مدركا لهذه الأمور، أو مجاملا للرئيس التنفيذي. إن اتباع الرئيس التنفيذي لأي من هذين الأسلوبين يمكنه من إدارة المجلس وليس العكس، وهي ليست الإدارة في معناها الواسع، ولكن المقصود التأثير عليه وصرفه واشغاله عن مهامه وأدواره الرئيسة.

الخلاصة، أن للرئيس التنفيذي دوراً مهماً لإنجاح الشركة أو إفشالها، ولا شك في ذلك كما ذكر المهندس المعجل، إلاّ أن ذلك يتطلب أيضاً مجلس إدارة فاعل ومتفاعل مع ذلك الرئيس، ومدركاً للدور المطلوب من كل منهما وقادراً على القيام بذلك الدور بالطريقة الصحيحة. فالشركات المحظوظة هي من تجد هذه «الخلطة الصعبة وليست المستحيلة» التي يجتمع فيها رئيس تنفيذي لديه المعرفة والخبرة والدراية والمهارات المطلوبة للقيام بما هو مطلوب منه، ومجلس إدارة مدركاً لدوره وقادراً على ممارسته بالطريقة الصحيحة، ويكملها رئيس للمجلس لدية الخبرة والحنكة والدراية لضبط التوازنات داخل الشركة.

د. محمد حمد الكثيري