رغـم تراجـع الضغـوط التضخميـة فـي العام الماضي، إلا أن المخاطـر علـى النظـام المالـي العالمـي لا تـزال ملحوظـة. وُيعـزى ذلك إلى ارتـفاع مـعدلات الفائدة، والتوترات الجيوسياسية بالإضافة إلى المخاطر المحتمـلة المرتبطة باستدامة الدين. وكان للتحـول نحـو بيئـة أسـعار فائـدة مرتفعـة، إلى جانب عوامل أخرى، تأثير ملحوظ على الاقتصاد العالمي. حيث سـجلت معدلات نمـو الناتـج المحلـي الإجمالي الحقيقـي فـي الاقتصادات المتقدمـة فـي مجموعـة العشـرين تباطـًؤا مسـتمًرا خلال عـام 2023م، لتنخفـض إلـى 1.1 % فـي المتوسـط.

وذكر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024، الذي أصدره البنك المركزي السعودي، اخيراً، بأنه لوحـظ الاتجاه نفسـه فـي اقتصـادات الأسواق الناشـئة فـي مجموعـة العشـرين، إذ انخفـض متوســط معدل النمو إلى 3.4 % فــي نهايــة 2023، ومــع ذلــك، كانــت معدلات النمــو للاقتصادات الناشــئة أعلــى مــن مسـتويات النمـو فـي الفتـرة مـا قبـل الجائحـة. ومن الُمتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.2 % بنـاء علـى أحـدث توقعـات صنـدوق النقـد الدولـي الـواردة فـي تقريـر آفـاق الاقتصاد العالمـي لشـهر يوليـو 2024.

وعكسـت مؤشـرات مديري المشـتريات بعض التطورات الإيجابية خلال عام 2023م. فقد ارتفع مؤشـر مديري المشـتريات لقطاع الخدمات العالمي بشـكٍل ملحوظ في عام 2023م، ليصل إلى أعلى مسـتوى له عند 55 نقطة في أبريل. واسـتقر مؤشـر مديري المشتريات العالمي لقطاع الصناعات التحويلية خلال عام 2023م، مع ارتفاع طفيف بحلول نهاية العام.

وعادت سلاسل التوريـد إلـى وضعهـا الطبيعـي خلال عـام 2023م، علـى الرغـم مـن ارتفـاع حالـة عـدم اليقيـن بسـبب التوتـرات الجيوسياسية وتباـطؤ النـشاط الاقتصادي والـتي ُتُمثل تحديًا لسلاسل التوريد العالمية. وتزامنـًا مـع الاستقرار النسـبي فـي التوتـرات الجيوسياسـية وارتفـاع الإنتاج الصناعـي، شـهدت سلاسل التوريـد وأسـعار الشـحن مســتويات مســتقرة خلال عــام 2023م مقارنة بالعام 2022م، والذي شهد ارتفاًعا ملحوًظا في مؤشرات الأسعار متأثًرا بتبعـات الجائحـة والصـراع فـي أوكرانيـا.

ومع ذلـك، لا يزال الاقتصاد العالمـي عرضة للمخاطـر الناجمـة عـن التوتـرات الجيوسياسـية المحتملـة بالإضافة إلـى حالـة عـدم اليقيـن التـي تحيـط بالبيئـة الاقتصادية والـذي بـدوره قـد يضيـف ضغوطات عــلى سلاسل التوريد.

وعلى الرغـم مـن أن انخفـاض الضغـوط علـى سلاسل التوريـد قـد سـاهم فـي تحسـن أسـواق الطاقـة فـي عـام 2023م، إلا أنها ظلت متقلبة إلى حد ما نتيجًةً لعدد من العوامل. ففـي ظـل المخـاوف بشـأن تأثيـر تباطـؤ النمـو فـي الاقتصاد العالمـي، كانـت أساسـيات سـوق النفـط متقلبـًة إلـى حـٍدٍ مـا، حيـث بلـغ متوسـط أسـعار النفـط 82.5 دولارا للبرميـل خلال عـام 2023.

وبلـغ متوسـط الأسعار فـي الثلاثة أشهر الأولى مـن عـام 2023م نحـو 83 دولارًا للبرميـل وسـط مخـاوف مـن نشـوء تحديـات أوسـع نطاًقًا علـى الاقتصاد نتيجة للاضطرابات فـي القطـاع المصرفـي آنذاك، وُيعـد ذلـك أحـد العوامـل التـي ألقـت بضلالها علـى قـرار مجموعـة الـدول المنتجـة للنفـط مـن منظمـة أوبـك والـدول المشـاركة مـن خارجهـا بخفـض الإنتاج فـي أبريـل كإجـراٍءٍ احتـرازي لضمـان اسـتقرار السـوق، وسـط مخـاوف مـن تباطـؤ فـي الاقتصاد العالمـي والـذي مـن شـأنه أن يحـد مـن الطلـب علـى الطاقـة.

إضافة إلـى ذلـك، أدى اســتمرار التوقعــات بشــأن مخاطــر الركــود إلــى جانــب المخــاوف المســتمرة الُمتعلقــة بالطلــب فــي أعقــاب الانخفاض الكبيــر فـي الأنشطة الصناعيـة فـي الصيـن إلـى مزيـد مـن الانخفاض فـي أسـعار النفـط، لتصـل إلـى أدنـى مسـتوياتها عنـد 72 دولارًا للبرميـل فـي شـهر مايـو. ومـع تراجـع تلـك المخـاوف مؤقتًا، ارتـدت أسـعار النفـط خلال الربـع الثالـث مـن العـام ليبلـغ سـعر خـام برنـت أعلـى مسـتوى لـه خلال العـام عنـد 95 دولارًا للبرميـل فـي سـبتمبر، لينخفـض بعـد ذلـك إلـى 77 دولارًا للبرميـل بحلـول نهايـة العـام. وشـهدت الأسعار فـي سـوق الغـاز الطبيعـي عاًمًـا أكثـر اسـتقراًرًا، علـى الرغـم مـن اسـتمرارية حساسـية السـوق بنحـو كبيـر تجـاه الصدـمات والأحداث الخارجـية. واسـتمرت أسـعار الغـاز فـي الانخفاض منـذ منتصـف ديسـمبر 2022م نتيجـة ارتفـاع الإمدادات مـن الغـاز الطبيعـي الُمسـال مـن مختلـف المنتجيـن إلـى جانـب الظـروف المعتدلـة نسـبًيا التـي سـاهمت فـي الحـد مـن مسـتوى الطلـب والحاجـة إلـى التدفئـة.

ونتيجة لذلـك، فقـد شـهدت أسـعار الغـاز الطبيعـي تذبذبًا محـدوًدا خلال العـام، ليبلـغ متوسـط الأسعار نحـو 3 دولارات لكل مليون وحـدة حراريـة بريطانيـة. وسـاهم كٌلٌ مـن تراجـع الضغـوط فـي سلاسل الإمداد، وانخفـاض أسـعار الطاقـة نسـبًيًا بالإضافة إلـى تشـديد السياسـة النقديـة فـي كبـح الضغـوط التضخميـة.

وواصلـت معدلات التضخـم اتجاههـا التنازلـي فـي كٍل مـن الاقتصادات المتقدمـة واقتصـادات الأسواق الناشـئة فـي 2023م، لتصـل إلــى 5.6 % و5.4 % علــى التوالــي. الأمر الــذي يعزى إلى عــدة عوامــل منهــا، تشــديد السياســة النقديــة، وانخفــاض أسـعار الطاقـة والغـذاء، وتحسـن اسـتقرار سلاسل التوريـد.

وعلـى الرغـم مـن أن أسـعار السـلع الأساسية شـهدت انخفاضـا ملحوًظا خلال عـام 2023م، فـإن التوتـرات الجيوسياسـية المسـتمرة يمكن أن تؤثـر بشـكل ملحـوظ علـى أسـعار السـلع الأساسية وبالتالـي معدلات التضخـم.

وأدى ارتفـاع مسـتويات الديـن وتكاليـف التمويـل إلـى زيـادة كبيـرة فـي المخـاوف المتعلقـة باسـتدامة الديـن، لا سـيما لدى البلدان ذات الحـيز المالي المحدود. وارتفعــت مســتويات الديــن علــى نطــاٍق واســع فــوق المســتويات المســجلة فــي الفتــرة مــا قبــل الجائحــة. حيــث ارتفعــت مسـتويات الديـن كنسـبة مـن الناتـج المحلـي الإجمالي فـي الربـع الرابـع مـن عـام 2023م فـي اقتصـادات الأسواق الناشـئة، مسـجلًة ارتفاًعـا بنسـبة 2 % علـى أسـاٍسٍ سـنوي.

وفـي المقابـل، شـهدت الاقتصادات المتقدمـة ضغوًطا أقـل، إذ سـجلت مسـتويات الديـن كنسـبة مـن الناتـج المحلـي الإجمالي انخفاًضًـا علـى أسـاٍسٍ سـنوي نسـبته 23 % فـي الربـع الأول مـن عـام 2023. واسـتمرت فـي الانخفاض طـوال العـام. ومـع ذلـك تظـل القـدرة علـى تحمـل الصدمـات المسـتقبلية ومعالجتهـا أحـد أبـرز المخاطـر الرئيسـة المتصلـة بالحيـز المالي.

ومـع أن مسـتويات الديـن الإجمالية للأسر والشـركات قـد بـدأت فـي الانخفاض منـذ ذروتهـا فـي عـام 2020م، فـإن نسـبة ديـون الأسر إلـى الناتـج المحلـي الإجمالي فـي الاقتصادات الناشـئة قـد ارتفعـت بثبـاٍت ٍ نسـبي منـذ عـام 2022. وعاودت معدلات ديون قطاع الشــركات كنســبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مســتوياتها خلال الفتـرة ما قبل الجائحة، الأمر الـذي ُيعـزى إلـى النمـو الاسمي فـي الناتـج المحلـي الإجمالي وليـس إلـى انخفـاٍض كبيـر فـي مسـتويات الديـن.

ومـع ذلـك، فـإن ارتفـاع تكاليـف التمويـل قـد تـؤدي إلـى زيـادة أعبـاء الديـون وتزايـد الضغـوط علـى قـدرة خدمـة الديـون فـي كل القطاعيـن، وفـي ظـل مسـتويات أسـعار الفائـدة المرتفعـة نسـيًبا، فـإن التحـدي تجاه إدارة نقاط الضعف المرتبطة بالديون قد تؤثر على النمو في القطاعات غير المالية.

وشـهدت أسـواق الأسهم في عام 2023م تحسـنًا ملحوًظًا، في حين ظلت أسـواق السـندات متقلبة. وتراجعـت التقلبـات فـي أسـواق الأسهم وسـعر صـرف العملات فـي عـام 2023م، مدفوعًة بالتوقعـات المتناميـة فـي النصـف الأخير مـن العـام بتجنـب الاقتصاد الأميركي للركـود وبـدء البنـك الاحتياطي الفيدرالـي الأمريكي فـي خفـض أسـعار الفائـدة.