لخص متخصص في التنمية المستدامة والتخطيط الاستراتيجي، خمسة منطلقات لتحقيق استثمار أمثل لجامعاتنا السعودية، في المناطق والمحافظات، وقال المهندس سطام بن عبدالله آل سعد إن الاستثمار الجامعي يمثل ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد المعرفي وتحقيق التنمية المستدامة، ويجب أن ينطلق من مجموعة من المنطلقات الاستراتيجية لضمان نجاحه وتحقيق تأثيره الإيجابي. منها أن يتماشى الاستثمار الجامعي مع الأهداف الوطنية، ولا سيما رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز المعرفة والابتكار، حيث تشكل الجامعات بوابة رئيسة لدفع عجلة التحول الوطني نحو اقتصاد قائم على المعرفة. كما يجب توجيه الموارد البحثية نحو الابتكار من خلال تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى منتجات وخدمات ذات قيمة مضافة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتعزز من تنافسية المملكة في الأسواق العالمية، وأضاف "ولا يمكن تحقيق هذا التحول دون بناء شراكات فاعلة مع القطاع الخاص، حيث يمكن للجامعات أن تكون منصة للتعاون مع الشركات والمستثمرين لتطوير مشروعات استثمارية مبتكرة تعتمد على البحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة.

وشدد المهندس آل سعد وهو باحث دكتوراه في التنمية المستدامة على أهمية الاستفادة من الأصول الجامعية الحالية، مثل الأراضي والمباني والمرافق، والتي تعد فرصة لتحقيق استثمارات مستدامة تضمن تدفقات دخل طويلة الأجل تدعم الأنشطة الأكاديمية والبحثية. واعتبر آل سعد في إصدار جديد له بعنوان "دور الجامعات السعودية في تحقيق التنمية المستدامة، جامعة المجمعة نموذجًا" أن التعليم الرقمي والتكنولوجيا الحديثة بعد حيوي في منظومة الاستثمار الجامعي، حيث يجب تحسين الاستثمار في منصات التعليم الإلكتروني وتبني التكنولوجيا كوسيلة لتحسين جودة التعليم وزيادة الوصول إليه. بهذه المنطلقات، يمكن للجامعات أن تتحول إلى مراكز ريادية تسهم بفعالية في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. وبين آل سعد أنه على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها الجامعات كمؤسسات أكاديمية وبحثية، إلا أن الاستثمار الجامعي يواجه العديد من المعوقات التي تحد من قدرته على تحقيق أهدافه الاقتصادية والتنموية. منها ضعف البنية التحتية الإدارية، حيث تفتقر العديد من الجامعات إلى إدارات متخصصة قادرة على إدارة المشروعات الاستثمارية بكفاءة وفعالية، مما يؤدي إلى عرقلة تطور هذه المشروعات وتأخر تنفيذها، كما يعاني الاستثمار الجامعي من قلة التمويل الأولي، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً خاصة عند محاولة إطلاق مشروعات استثمارية ضخمة تحتاج إلى موارد مالية كبيرة لتحقيق النجاح والاستدامة. وأضاف "كما أن ضعف الربط بين البحث العلمي والصناعة يمثل عائقاً جوهرياً، حيث تفتقر الجامعات إلى آليات واضحة لتحويل نتائج الأبحاث العلمية إلى تطبيقات عملية أو منتجات قابلة للتسويق، مما يقلل من استفادة المجتمع والاقتصاد من مخرجات البحث الأكاديمي. علاوة على ذلك، تُشكل الأنظمة والتشريعات المطبقة في بعض الجامعات عائقاً إضافياً، حيث تسود أحياناً بيروقراطية تعيق مرونة الاستثمار وتؤخر اتخاذ القرارات اللازمة لتطوير المشروعات الاستثمارية. وأخيراً، تعاني الجامعات من محدودية الثقافة الاستثمارية، إذ يفتقر العديد من القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس إلى الوعي الكافي بأهمية الاستثمار الجامعي وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤثر سلباً على المبادرات الاستثمارية ويضعف من فرص نجاحها. معالجة هذه المعوقات بشكل منهجي يشكل خطوة أساسية نحو تعزيز دور الجامعات في تحقيق التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي وكشف آل سعد أن واقع الاستثمار الجامعي يعكس تبايناً ملحوظاً في الأداء والنتائج بين الجامعات المختلفة، مما يبرز الحاجة إلى سياسات موحدة واستراتيجيات شاملة لتنمية هذا القطاع الحيوي. من أبرز ملامح هذا الواقع تفاوت الأداء بين الجامعات، حيث تمكنت بعض المؤسسات من تحقيق نجاحات ملموسة في تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى مشروعات ريادية ذات قيمة اقتصادية، بينما تعاني جامعات أخرى من ضعف الموارد البشرية والمادية، إضافة إلى تحديات إدارية تحد من قدرتها على استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة. ولفت آل سعد الانتباه إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة في تقوية الاستثمار الجامعي، إلا أن تأثيره على الناتج المحلي الإجمالي لا يزال محدوداً، مما يعكس الحاجة إلى تشجيع التكامل بين البحث العلمي والصناعة، ودعم المشروعات الاستثمارية الكبرى التي يمكن أن تترك بصمة أكبر على الاقتصاد الوطني. وبين آل سعد أن التحليلات أظهرت وجود فرص هائلة غير مستغلة داخل الجامعات، خاصة في القطاعات التقنية والزراعية، التي تمتلك إمكانات كبيرة للنمو والتوسع. إلا أن هذه الفرص غالباً ما تُهمل بسبب غياب الآليات المناسبة لتطويرها وتحويلها إلى مشروعات استثمارية مستدامة. من هذا المنطلق، يتطلب واقع الاستثمار الجامعي إعادة تقييم للسياسات الحالية واستثماراً أكبر في الإمكانات غير المستغلة لتعظيم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تقدمها الجامعات. ولتحقيق استثمار جامعي ناجح ومستدام، قال آل سعد أنه ينبغي تبني مجموعة من التوصيات الاستراتيجية التي تسهم في رفع كفاءة وفعالية هذا القطاع. منها إنشاء وحدات متخصصة في الاستثمار داخل الجامعات، تكون مسؤولة عن دراسة وتطوير الفرص الاستثمارية، وإدارة المشروعات بكفاءة من خلال فرق عمل مدربة ومؤهلة. هذه الإدارات المستقلة يمكن أن تكون المحرك الأساسي لاستغلال الموارد الجامعية وتحويلها إلى استثمارات منتجة. وطالب آل سعد بأهمية تحفيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص، حيث يمثل التعاون مع الصناعات الكبرى والشركات المحلية والدولية عنصراً محورياً في تحويل الأفكار البحثية إلى مشروعات استثمارية ناجحة، مما يعزز التكامل بين البحث العلمي والتطبيق العملي. ولا يمكن تحقيق الابتكار في رأي آل سعد دون تمويل مستدام، من خلال إنشاء صناديق استثمارية متخصصة لدعم المشروعات البحثية ذات الجدوى الاقتصادية، مع التركيز على المشروعات التي تمتلك إمكانات كبيرة لإحداث تأثير إيجابي في الاقتصاد والمجتمع. ولفت آل سعد إلى أهمية الإصلاح الشامل للأنظمة والتشريعات لتسهيل إنشاء المشروعات الاستثمارية وإدارتها، مع تقليل البيروقراطية وتبسيط الإجراءات بما يضمن مرونة وسرعة التنفيذ، مع تقديم برامج تدريبية متخصصة تستهدف الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، بهدف تعزيز ثقافة ريادة الأعمال وتطوير مهارات إدارة المشروعات. هذه البرامج لا تسهم فقط في إعداد الأجيال القادمة لتكون أكثر استعداداً للمشاركة في المشروعات الاستثمارية، بل تساعد أيضاً في تمكين الكوادر الجامعية من صياغة أفكار قابلة للتطبيق وتحقيق أثر اقتصادي واجتماعي مستدام. باتباع هذه التوصيات، يمكن للجامعات أن تصبح مراكز ريادية تسهم بفاعلية في تحقيق التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي. تُعد الجامعات من المؤسسات المحورية في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يمكنها المساهمة بشكل كبير من خلال الأبحاث والتعليم في دعم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ومع ذلك، فإن الدور الحالي للجامعات في هذا المجال يظل محدوداً، حيث تُركز غالبية الجهود على الجانب التعليمي التقليدي، مع غياب واضح للتأثير العملي والابتكار الذي يتطلبه الاقتصاد الحديث القائم على المعرفة، ويرجع هذا الضعف إلى عدة عوامل، أبرزها غياب استراتيجية شاملة وواضحة تربط بين دور الجامعات وأهداف التنمية المستدامة. فالجامعات غالباً ما تعمل بمعزل عن التوجهات الوطنية والخطط الاستراتيجية، مما يؤدي إلى ضياع الجهود وعدم تركيزها في مسارات تحقق تأثيراً ملموساً، كما أن التركيز المفرط على التعليم التقليدي، بدلاً من تشجيع الابتكار والتطبيق العملي، يُعد من أبرز معوقات تطور الجامعات كمحركات للتنمية، فبدلاً من تحويل الأبحاث والأفكار الإبداعية إلى مشروعات اقتصادية ومجتمعية، تُبقي الجامعات الكثير من المعرفة حبيسة القاعات الدراسية والمختبرات. إضافة إلى ذلك، يُمثل ضعف التمويل تحدياً رئيساً أمام الجامعات لتطوير استثمارات في المجالات المستدامة مثل الطاقة المتجددة والزراعة الذكية. هذه المجالات تُعتبر من الأولويات العالمية، إلا أن غياب الدعم المالي الكافي يُقلل من قدرة الجامعات على تحقيق أثر فعّال ومستدام. لذا، فإن معالجة هذه التحديات تتطلب تعميق التكامل بين الجامعات والاستراتيجيات الوطنية، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتية للابتكار وتطوير الموارد البشرية والمالية، كما يتطلب الأمر إعادة هيكلة التعليم الجامعي ليركز على الابتكار وتكريس الحلول العملية التي تدعم تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها المتكاملة.

وأعتبر آل سعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) نموذجاً ملهماً للاستثمار في الأبحاث والتكنولوجيا المتقدمة. فقد أسهمت الجامعة بشكل ملحوظ في تعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا من خلال توفير بيئة داعمة للبحث العلمي والشراكات الدولية، مما جعلها مركزاً ريادياً في المنطقة. وأوضح آل سعد أن المستقبل يتطلب رؤية شاملة واستراتيجيات مبتكرة تعيد صياغة دور الجامعات كجهات فاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن خلال معالجة التحديات الراهنة واستثمار الفرص غير المستغلة، يمكن للجامعات أن تلعب دورًا محوريًا في بناء مستقبل قائم على المعرفة والابتكار، محققة بذلك تطلعات رؤية السعودية 2030، والإسهام في بناء اقتصاد مستدام للأجيال المقبلة.

م. سطام آل سعد