أدى تفاؤل العقد الماضي بشأن نمو الطلب المستدام للبتروكيميائيات، إلى تعزيز التوسعات الطموحة في الطاقة الإنتاجية في أسواق البولي أوليفينات الآسيوية. لكن المشهد تغير جذريًا. فقد أدت الاختناقات الاقتصادية بعد الجائحة، وارتفاع التكاليف، وتغير أنماط الاستهلاك في ظل شيخوخة السكان، إلى قلب مسار الصناعة رأسًا على عقب.
والآن، تُبرز موجة من إغلاقات مصانع البولي إيثيلين لأجل غير مسمى في جنوب شرق آسيا، الأزمة المتفاقمة، حيث يُكافح المنتجون هوامش ربح ضعيفة، وفائض في العرض، ومستقبل غامض. وفي ظل مواجهة المنطقة لهذه التحديات، تُطرح تساؤلات حول تأثيرها على اتجاهات الأسعار وتدفقات الواردات، وهل ستكون تخفيضات الإنتاج وقيود العرض كافية لتحقيق استقرار السوق، أم أن هذه بداية ركود طويل الأمد لصناعة البتروكيميائيات في جنوب شرق آسيا؟
تشهد الاسوق ضربة ثلاثية ما بين ارتفاع التكاليف، وفرط العرض، وضعف الطلب. واضطر كبار المنتجين في المنطقة إلى تعليق عملياتهم أو خفض معدلات التشغيل لما يقرب من عامين بسبب استمرار ضعف هوامش الربح في ظل ارتفاع أسعار النافثا الثقيلة، وضعف الطلب، وتشبع السوق بالمعروض.
ومنذ الربع الأخير من عام 2024، شهدت المنطقة تخفيضات إنتاجية أكبر وإغلاقات مطولة. وتبرز شركة لونغ سون للبتروكيميائيات في فيتنام بقدرات إنتاجية كبيرة من الإيثيلين والبروبيلين والبولي إيثيلين والبولي بروبيلين، ويمكن اعتبارها شركة جديدة كليًا بعد وصولها إلى الإنتاج وفقًا للمواصفات في ديسمبر 2023 وبدء الإنتاج التجاري في يناير 2024.
ومع ذلك، ظلت مغلقة من فبراير إلى أغسطس بسبب مشكلات فنية متعددة. وفي منتصف أكتوبر تقريبًا، أغلقت الشركة وحدات التكسير والتكرير مرة أخرى هذه المرة بسبب مشاكل في الربحية، ومن المتوقع أن تظل العمليات معلقة حتى عام 2026. وبالمثل، أعلنت شركة لوت كيميكال تيتان الماليزية وشركة جيه جي ساميت للبتروكيماويات الفلبينية عن إغلاق ممتد لوحدات البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، مشيرتين إلى مشكلات في الربحية.
وأعلنت شركة جيه جي ساميت القابضة، إحدى الشركات الرائدة في الفلبين، عن إغلاق وحدتها البتروكيماوية تجاريًا لأجل غير مسمى، في خطوة وُصفت بأنها "القرار الأمثل" في ظل ظروف السوق الصعبة. وستواصل الشركة البيع من مخزونها الحالي، لكنها لم تُعلن عن جدول زمني لاستئناف العمليات.
في وقت، تعاني مصانع تكسير النافثا في آسيا مع ارتفاع تكاليف الإيثيلين. وتُظهر بيانات كيم أوربس، أن هوامش الإيثيلين في جنوب شرق آسيا الناتجة عن تكسير النافثا ظلت سلبية لأكثر من عام. وتُشير أحدث البيانات لشهر يناير 2025 إلى أن تكاليف إنتاج الإيثيلين المُصنّع من النافثا في آسيا أعلى بنحو خمسة أضعاف من تكاليف مصانع تكسير الإيثان في السعودية والولايات المتحدة.
وهذا النقص في القدرة التنافسية مقارنةً بنظرائهم في الولايات المتحدة والشرق الأوسط هو السبب الرئيسي وراء توقع استمرار إغلاق مجمع لونغ سون للبتروكيماويات حتى عام 2026. وخلال فترة التعليق، ستركز الشركة على مشروع تعزيز مواد الإيثان بقيمة 700 مليون دولار، والمقرر اكتماله أواخر عام 2027.
تهدف هذه المبادرة إلى خفض التكاليف وتحسين مرونة المواد الخام. كما أبرمت الشركة اتفاقية طويلة الأجل مع شركة تابعة لتوريد مليون طن سنويًا من الإيثان من الولايات المتحدة لمدة 15 عامًا. ويمكن للمرء أن يجرؤ على التكهن بأن مجمع لونغ سون قد يظل مغلقًا حتى اكتمال مشروع الإيثان الجديد إذا استمرت الظروف الحالية.
وأشار تاجر ماليزي إلى أن "إمدادات أفلام البولي إيثيلين عالي الكثافة محدودة، لكن المشترين لا يشترون إلا لتلبية احتياجاتهم الفورية". ويُبرز هذا النهج الحذر المخاوف بشأن إمكانية استمرار ارتفاع الأسعار في ظل ضعف الطلب.
ومما يزيد من حالة عدم اليقين، أن التعريفة الجمركية الأمريكية البالغة 10 % على السلع الصينية تُثير مخاوف بشأن احتمال حدوث اضطرابات في تدفقات التجارة. ونظرًا للدور المحوري الذي تلعبه الصين في صادرات البتروكيماويات العالمية، فأي اضطراب قد يكون له آثار سلبية على سوق جنوب شرق آسيا المتعثر أصلاً.
وتكشف بيانات كيم أوربس، أن واردات دول الآسيان السنوية من البولي إيثيلين ظلت مستقرة عند حوالي 4.3-4.4 مليون طن بين عامي 2021 و2024، بعد عامين متتاليين من الانخفاض. وبينما لم تنخفض أحجام الواردات بشكل ملحوظ في السنوات الأربع الماضية، إلا أنها لم تشهد نمواً، على الرغم من أسعار الواردات التنافسية. يشير هذا الركود إلى توقف الطلب على البولي إيثيلين في المنطقة عن التوسع فعلياً.
ولطالما كانت المملكة العربية السعودية أكبر مورد للبولي إيثيلين لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إلا أن أحجام صادراتها شهدت انخفاضًا بين عامي 2020 و2023، قبل أن تنتعش قليلاً لتصل إلى 1.8 مليون طن في عام 2024. ويشير هذا الانخفاض إلى زيادة المنافسة من الموردين الناشئين.
وبالمثل، شهدت صادرات الولايات المتحدة إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تقلبات، حيث انخفضت بشكل حاد بين عامي 2020 و2021، قبل أن تتعافى جزئيًا لتصل إلى 1.3 مليون طن في عام 2023. ومع ذلك، تراجعت الأحجام مرة أخرى لتصل إلى مليون طن في عام 2024، ربما بسبب تحديات تكلفة الشحن.
ووسّعت كوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت حصتها السوقية في واردات البولي إيثيلين لرابطة دول جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى سدّ فجوات العرض التي تركها الموردون التقليديون. وتضاعفت صادرات كوريا الجنوبية تقريبًا بين عامي 2020 و2024، مدفوعةً بتزايد القدرة التنافسية والشراكات التجارية الإقليمية.
كما عززت قطر والكويت مكانتهما، مما يعكس دورًا أكثر فاعلية لمنتجي الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، زادت صادرات الصين بأكثر من الضعف بين عامي 2020 و2024، حيث دفع فائض العرض المحلي المزيد من المواد إلى أسواق رابطة دول جنوب شرق آسيا، مما يشير إلى تأثيرها المتزايد على ديناميكيات التسعير الإقليمية.
تتضح الآثار المالية على منتجي جنوب شرق آسيا، ففي السنة المالية 2024، اتسعت الخسارة الصافية لشركة لوتي كيميكال تيتان الماليزية إلى 1.18 مليار رينجيت ماليزي (264 مليون دولار أمريكي)، مقارنة بـ 780.29 مليون رينجيت ماليزي (175 مليون دولار أمريكي) في عام 2023، بينما انخفضت الإيرادات بنسبة 2.76 % لتصل إلى 7.44 مليار رينجيت ماليزي (1.6 مليار دولار أميركي).
وتتوقع الشركة تقلبات قصيرة الأجل بسبب التوترات الجيوسياسية، وتقلب أسعار النفط، وضعف الطلب في ظل فائض العرض في الصين. وأكد الرئيس التنفيذي، جانغ سيون بيو، على أن الاستقرار التشغيلي وكفاءة التكلفة هما الأولويتان الرئيسيتان للعام المقبل.
وأعلنت شركة إس سي جي للكيماويات التايلاندية عن خسارة صافية بلغت 7.99 مليار بات (237 مليون دولار)، وهو تراجع عن صافي الربح البالغ 589 مليون بات (17 مليون دولار) في عام 2023. ومن المتوقع أن يظل مجمع لونغ سون للبتروكيماويات التابع لشركة إس سي جي، والذي واجه تحديات تشغيلية متعددة منذ بدء تشغيله، معلقًا حتى عام 2026 بسبب فروق أسعار البتروكيماويات غير المواتية.